شهدت محافظة كركوك خلال الفترة الماضية أزمة سياسية، على إثر قرار تسليم مقر العمليات المشتركة للحزب الديمقراطي الكردستاني، ما أدى إلى حصول احتكاك بين المعتصمين الرافضين لتسليم المقر وأنصار "البارتي"، لتفرض السلطات الأمنية حظر تجوال، ما دفع إلى التريث بتنفيذ القرار إلى أجل غير مسمى.
يقول سياسيون إن ورقة الاتفاق السياسي التي شكلت الحكومة أدت إلى تحرك الديمقراطي الكردستاني للعودة مجددًا لكركوك
وأعلن محافظ كركوك راكان الجبوري، مطلع الشهر الجاري، التريث في قرار إخلاء مقر العمليات المتقدم استجابة لمطالب المحتجين الرافضين لتسليم المقر إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني، لكن الأسئلة تطرح حول عودة "البارتي" إلى المحافظة، وهل سيتم تنفيذ القرار خلال الفترات القادمة.
واستبعد المتحدث باسم تحالف "العزم" في كركوك، عزام الحمداني، عودة الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى جميع مقاره في المحافظة، معتبرًا أنّ "المقر المتقدم سيبقى عصيًا على كل من يحاول استغلاله حزبيًا بعد الجرائم التي ارتكبت فيه".
وزعم الحمداني في حديث لـ"ألترا عراق"، أنّ "الأوضاع في المحافظة كانت مستقرة منذ خطة فرض القانون والسلطة الاتحادية في 2017 وإخراج قوات البيشمركة منها وإخلاء مقرات الحزب الديمقراطي الكردستاني الذين عاثوا فسادًا في الأرض".
وقال الحمداني إنّ "ورقة الاتفاق السياسي التي شكلت الحكومة أدت إلى تحرك الديمقراطي للعودة مجددًا لكركوك عبر بوابة مقراته، ثم محاولات إدخال البيشمركة للسيطرة على بعض المناطق".
وأضاف أنّ "الديمقراطي استعاد بعض مقراته غير المهمة بقدر الذي ضمن المقر المتقدم للعمليات المشتركة، لأن أهالي كركوك وقفوا صفًا واحدًا لمنع ذلك على إثر ما عانوه لسنوات من قسوة جرائم البيشمركة واعتقالات المواطنين"، مبينًا أنّ "هذا المقر سيبقى صعب المنال على أنصار البارزاني".
ويرى الحمداني أنّ "الديمقراطي يريد عودة المحافظة إلى الأوضاع التعيسة والمأساوية عبر الجماعات المشاغبة والمسلحة التي زجها في الشوارع، وهي تابعة للأسايش والبيشمركة"، مبينًا أنّ "عمليات فرض القانون التي انطلقت بعد الأحداث الأخيرة ستعيد الاستقرار الأمني وإحباط جميع المخططات التي كانت مرسومة وفقًا للمصالح السياسية الساعية لتهميش العرب والتركمان في المحافظة".
قال المتحدث باسم "عزم" إنّ الديمقراطي استعاد بعض مقراته غير المهمة في كركوك
وزعم الحمداني أيضًا أنّ "الديمقراطي كانت لديه مخططات دنيئة بزج نحو نصف مليون أجني في كركوك بعد منحهم الجنسية العراقية لزيادة نفوذه كما في أربيل ودهوك والسليمانية أيضًا".
وفي الأثناء، وصف النائب عن الإطار التنسيقي، محمد الصيهود، الحديث عن اتفاق سياسي يمنح إدارة كركوك بموجبه للحزب الديمقراطي الكردستاني بـ"مجرد افتراء لا أساس له، مؤكدًا أنّ "الاتفاق السياسي لم يتطرق لهذا الأمر".
وقال الصيهود لـ"ألترا عراق"، إنّ "الحزب الديمقراطي الكردستاني لم يتفق مع الأحزاب المكونة للإطار التنسيقي أو ائتلاف إدارة الدولة على نقاط تخص اعتبار محافظة كركوك ضمن نفوذه"، مبينًا أنّ "كركوك محافظة ذات مكونات عديدة لها حقوق متساوية ضمن الدستور العراقي".
وأضاف أنّ "لا أحد يمكنه تبني موقف يدعم سيطرة الديمقراطي على كركوك حتى الإطار التنسيقي لأن هذا الحزب ليس وحده من يمثل المحافظة، بل فيها أحزاب أخرى من الكرد والعرب والتركمان وغيرهم من الأقليات"، قائلًا إنّ "قضية كركوك لا يمكن تمريرها بسهولة وما حصل مؤخرًا تسبّبت به اللجان التحقيقية النيابية والحكومية لمعرفة المقصرين ومثيري الفتنة".
أما رئيس كتلة الجبهة التركمانية النيابية، النائب أرشد الصالحي، فقد عبّر عن "مخاوف كبيرة" نتيجة ما يحصل من "أوضاع في محافظة كركوك متمثلة برغبة الحزب الديمقراطي الكردستاني من فرض نفوذه مجددًا، داعيًا إلى "ضرورة حفظ حقوق المكونات بالتعايش السلمي".
ويقول الصالحي لـ"ألترا عراق"، إنّ "الاشتباكات الأخيرة في كركوك افتعلها أنصار الحزب الديمقراطي من أجل إحداث أزمة كبيرة للعودة لمقرّاتهم التي غادروها منذ فرض السلطة الاتحادية للقانون"، مؤكدًا أنّ "ما حدث مرفوض بالكامل من قبل جميع المكونات والأطراف السياسية في المحافظة".
وأضاف الصالحي أنّ "اللجان التحقيقية التي شكلها البرلمان والحكومة الاتحادية ستكشف ملابسات الأحداث والمذنب في الاشتباكات المسلحة وإثارة الشغب، فضلًا عن الأضرار بالممتلكات العامة والخاصة"، معتبرًا أنّ "الديمقراطي ربما يعود لمقراته في عدة مناطق بكركوك، لكن المقر المتقدم للعمليات المشتركة أصبح من الصعب القبول بالعودة إليه".
وأشار رئيس الكتلة أيضًا إلى أنّ "أعمال العنف الأخيرة توضح أهداف العودة مجددًا للبارتي إلى كركوك، ولذلك سيتم الوقوف بقوة من قبل جميع المكونات أمام إعادة المحافظة لحالة عدم الاستقرار وفرض الإرادة كما في السابق بوجود البيشمركة والأسايش وأساليبها التي تتعامل بها مع المواطنين".
قالت الجبهة التركمانية إنّ الديمقراطي ربما يعود لمقراته في عدة مناطق بكركوك
وبيّن الصالحي أنّ "اللجنة التحقيقية النيابية بدأت أعمالها بلقاءات مكثفة في كركوك لسماع الشهادات من جميع الأطراف وستقدم تقريرًا مفصلًا الأسبوع المقبل حول الأحداث"، معربًا عن أمله بأن "يؤدي تقرير اللجنة إلى وضع بوصلة جديدة للتعامل مع الأوضاع في المحافظة".
لكنّ النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، سكفان يوسف، اعتبر أنّ الأحداث الأخيرة في كركوك يراد منها ما وصفها بـ"الحرب الممنهجة" ضد عودة حزبه إلى مقراته الرسمية في المحافظة.
وقال يوسف، في حديث لـ"ألترا عراق"، إنّ "الأوضاع في كركوك تنذر بمخاطر كبيرة نتيجة محاولات بعض الأطراف السياسية فرض إرادتها لمنع ممارسة الحزب الديمقراطي لعمله بحرية وتحت سقف الدستور بمواقع مقراته".
وبالنسبة ليوسف، أصبح من الضروري "تطبيق بنود المادة 140 لوضع الأمور في نصابها الطبيعي ومساواة المكونات في المناطق التي دائمًا ما تحصل فيها النزاعات".
وقال يوسف أيضًا إنّ "محاولات الزج بأطراف مسلحة لقمع أي ممارسة للحقوق السلمية والديمقراطية للأحزاب وأنصارهم في أي محافظة، يعد أمرًا يجب عدم التهاون أمامه أو السماح به"، داعيًا الأطراف السياسية وأنصارها إلى "ضرورة التهدئة والتحلي بروح الحوار والتفاهم والابتعاد عن المشادات وتأزيم الأوضاع إلى ما لا يمكن السيطرة عليه".
قال نائب عن "البارتي" إن الأوضاع في كركوك تنذر بمخاطر كبيرة نتيجة محاولات بعض الأطراف السياسية فرض إرادتها
وأشار النائب عن "البارتي"، إلى أنّ "من حق الحزب الديمقراطي العودة لمقراته بكل سهولة كما بقية الأحزاب"، مبينًا أنّ "البارتي قد عاد لبعض المقار التابعة له باستثناء المقر المتقدم للعمليات المشتركة الذي رافقته الأحداث الأخيرة".