23-نوفمبر-2017

تشير النتائج من أرض الواقع إلى فوز إيران على السعودية في صراع السيطرة على المنطقة (بي بي سي)

أجرت مجلة فورين بوليسي جردًا لنتائج الصراع السعودي الإيراني في المنطقة، وتحديدًا في بُؤر الصراع الأساسية (العراق ولبنان وسوريا واليمن)، لتكشف إجمالي النتائج حتى الآن عن ترجيح كفة إيران على حساب السعودية التي تعرف تحركاتها عمومًا ومجمل سياساتها، تخبطًا واضحًا، خصوصًا مع صعود ولي العهد محمد بن سلمان. في السطور التالية ترجمة لمقال فورين بوليسي الذي يستعرض مزيدًا من التفاصيل.


يبدو أن المملكة العربية السعودية على شفا حربٍ في منطقة الشرق الأوسط. كما أنّ الخطوة التي اتخذتها السعودية من خلال الضغط على رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، لتقديم استقالته، إلى جانب الخطاب الذي ألقاه المسؤولون السعوديون بعد إطلاق الصاروخ الباليستي الذي استهدف الرياض قادمًا من اليمن؛ تُشير لفترةٍ جديدةٍ من الإجراءات ضد المصالح الإيرانية في الشرق الأوسط.

حتى الآن ومع الدمار الكامل بسوريا واليمن والجزئي في العراق ولبنان، تميل الكفة لصالح إيران على حساب السعودية في الصراع في المنطقة

قد يكون التحرُك المفاجئ لولي العهد الأمير والحاكم الفعلي للبلاد محمد بن سلمان، من خلال مجموعة متنوعة من الجبهات، مشابهًا لتحركات مايكل كورليوني من خلال قيامه بتلك الضربات السريعة والمتزامنة على أعداء عائلته في فيلم العراب (The Godfather). ولكن على عكس ما حدث في الفيلم، فإن تلك الضربات التي قام بها ابن سلمان، لا تبدو أنها تُؤتِي ثمارها، وبدلًا من ذلك، تبدو كتحركات افتتاحية في صراعٍ مستمر، إذ ليس من الواضح أن ابن سلمان البالغ من العمر 32 عامًا، قد وجد طريقةً معينةً لمجابهة نفوذ إيران.

اقرأ/ي أيضًا: تخبط السياسا السعودية.. مادة للسخرية لولا كلفتها الدموية!

المواجهة بين السعودية وإيران تجري على امتداد منطقة الشرق الأوسط، على مدى العقد الماضي، من خلال بعض الدول التي دمرها النزاع جزئيًا مثل العراق ولبنان، وبلدانٍ أخرى انهارت تمامًا كما هو الحال في سوريا واليمن. كما طالت عواقب الصراع كلًا من الرياض وطهران أيضًا. ولكن حتى الآن، فإنه من الواضح جدًا أن الإيرانيين لهم اليد الطولى في ذلك النزاع.

ففي لبنان، هزم حزب الله تحالف "14 آذار" الذي ترعاه السعودية والمكون من بعض الجماعات السياسية التي تهدف إلى تقييده. وأظهرت أحداث أيار/مايو 2008، عندما استولى حزب الله على بيروت الغربية والمناطق المحيطة بالعاصمة، عجز الحليف السعودي أمام القوة الغاشمة التي يملكها حليف إيران أي حزب الله. وقد أكد دخول حزب الله لاحقًا إلى الحرب الأهلية السورية، أنه لا يمكن أن يخضع للاختبار من قِبل النظام السياسي اللبناني.

إن إنشاء مجلس الوزراء الذي يسيطر عليه حزب الله في كانون الأول/ديسمبر 2016، وتعيين حليف حزب الله، ميشال عون، رئيسًا له قبل شهرين، عزّز نفوذ إيران في البلاد. كما أن انسحاب الرياض اللاحق من تمويل القوات المسلحة اللبنانية، ودفعها الآن سعد الحريري للاستقالة، يُمثل بشكلٍ فعال اعتراف بيت آل سعود بهذا الواقع.

وفي سوريا، أدى توفير إيران للتمويل والقوة المسلحة من خلال الأفراد الذين دفعت بهم في أرض المعركة، وكذا الدراية بنظام الرئيس بشار الأسد؛ دورًا حاسمًا في منع تدمير النظام. وساعدت تعبئة الوكلاء الإيرانيين على زرع مليشيات محليةٍ جديدة، ما أعطى النظام إمكانية الوصول إلى القوى العاملة اللازمة لهزيمة منافسيه. وفي الوقت نفسه، فإن الجهود العربية السُنية لمساعدة المتمردين، التي لعبت فيها السعودية دورًا كبيرًا، انتهت إلى حدٍ كبير بحالةٍ من الفوضى وصعود الجماعات السلفية.

وفي العراق، قام الحرس الثوري الإسلامي بتطوير قوةٍ عسكرية مستقلة معتمدة رسميًا، في هيئة ما يُعرف بـ"الحشد الشعبي"، الذي يبلغ قوامه نحو 120 ألفًا. جديرٌ بالذكر، أنه ليست كل المليشيات الممثلة لوحدات الحشد الشعبي مؤيدة لإيران بالطبع، ولكن الجماعات الشيعية الثلاث الأساسية، وهي كتائب حزب الله، ومنظمة بدر، وعصبة أهل الحق، متصلة مباشرةً بقوات الحرس الثوري الإسلامي الإيراني.

وتتمتع إيران أيضًا بأسبقيةٍ سياسية في بغداد، فحزب الدعوة الإسلامي الحاكم، هو موالٍ تقليدي لإيران، في حين تسيطر منظمة بدر على وزارة الداخلية القوية، ما سمح لها بطمس الحدود بين القوات المسلحة الرسمية ومليشياتها، وهذا سمح لمليشياتها الخاصة الاستفادة من التدريب الذي تقوم به الولايات المتحدة للقوات الحكومية، وكذا المعدات الأمريكية أيضًا.

في المقابل، تبدو السعودية وكأنها قد تركت متابعة الصراع هناك، إذ زار رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، الرياض، في أواخر شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، لتأسيس المجلس التنسيقي السعودي العراقي الجديد للمرة الأولى منذ أكثر من ربع قرن، ولكن ليس من الواضح أن السعوديين لديهم استعداد لتقديم مزيد من الدعم المالي لأولئك الحلفاء السياسيين المحتملين، والمؤكدين بالنسبة لإيران من جهة أخرى.

سِجِلّ نتائج الصراع السعودي الإيراني تشير إلى فوز طهران بشكل كبير في لبنان والعراق وسوريا، وتكبيدها السعودية الخسائر في اليمن

أما في اليمن، فقد حاول السعوديون التدخل العسكري المباشر هناك، لكنهم فشلوا استراتيجيًا وسياسيًا. صحيح أن ضربات التحالف الذي تقوده السعودية أدت إلى تراجع الحوثيين المدعومين من إيران وحلفائهم، لكن الوضع في اليمن بات بمثابة المستنقع بالنسبة للسعودية، سواءً من جهة التكلفة المادية الباهظة أو من جهة السمعة السياسية المتدهورة، والجرائم التي تورط فيها التحالف السعودي الحالي.

اقرأ/ي أيضًا: سياسات السعودية ضد نفسها.. انتحار على يد أمير الطيش

هذا هو سجل نتائج الصراع السعودي الإيراني حتى الآن، فاز الإيرانيون فيه بشكلٍ فعالٍ في لبنان، وكذا في سوريا والعراق، وتسببوا في تكبيد السعوديين خسائر مهولة في اليمن.

تمكنت إيران على صعيد جميع الجبهات، من إنشاء وكيل وحليف لها منحها النفوذ السياسي والعسكري في البلاد. كما نجحت طهران في تحديد واستغلال الثغرات ومناطق الضعف الموجودة في معسكر أعدائها. على سبيل المثال، تصرفت طهران بسرعة لإبطال نتائج استفتاء انفصال إقليم كردستان العراق الذي جرى في شهر أيلول/سبتمبر، ثم عمدت إلى معاقبة الأكراد على المضي قدمًا في ذلك الاستفتاء. تمكن الإيرانيون من استخدام اتصالاتهم طويلة الأمد بأسرة طالباني، ومنافسة طالباني وأنصاره مع بارزاني وأنصاره أيضًا، لإجبار قوات البيشمركة الموالية لطالباني على الانسحاب من كركوك في تشرين الأول/أكتوبر، ما مهد الطريق أمام حلفائها في الاستيلاء على المدينة وكذا آبار النفط المجاورة لها.

ولكن ليست هناك أدلة واضحة تشير إلى أن السعوديين قد تعلموا من فشلهم السابق، وأنهم قادرون الآن على رد النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط. إن السعودية ليس لديها مهارات واضحة في بناء وكلاء فعّالين في جميع أنحاء العالم العربي، كما أنها لم تفعل شيئًا يُذكر لتعزيز قوتها العسكرية، منذ أن تولى محمد بن سلمان زمام الأمور بصورةٍ فعلية في المملكة.

ومن المستحيل أن نقول إلى أي مدى سيكون تدخل واشنطن أو إسرائيل في تلك العملية. ومع ذلك، فإن تصريحات وزير الدفاع، جيمس ماتيس، الأسبوع الماضي، تشير إلى أن الولايات المتحدة تعتزم البقاء في شرق سوريا، وأيضًا تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بأن إسرائيل ستواصل فرض مصالحها الأمنية في سوريا، تشير إلى أن هؤلاء اللاعبيْن قد يكون لهما دورٌ رئيسي في تلك الأزمة.

ليست هناك أدلة واضحة تشير إلى أن السعوديين قد تعلموا من فشلهم السابق، وأنهم قادرون الآن على رد النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط

قد يشجع السلوك السعودي السابق في إثارة الزعزعة في المنطقة. ومع ذلك، فلدى الإيرانيين هناك اليد الطولى. وفي جميع البلدان التي دارت فيها مواجهات بين الخصمين اللدودين، السعودية وإيران، كان من الواضح أن طهران لديها صعوبات شديدة في إقامة تحالفات دائمة خارج الطوائف الشيعية وغيرها من طوائف الأقليات. خصوصًا السنة، فالعرب السنة على وجه الخصوص، لا يثقون بالإيرانيين ولا يريدون العمل معهم. بالإضافة إلى أن بعض العناصر من الطبقة السياسية الشيعية العراقية أيضًا ليس لديها مصلحة في الوقوع تحت سيطرة طهران. لذا فإذا وُجد ذلك اللاعب الماكر الذي يبحث عن تكوين وكلاء يساعدونه في تقويض النفوذ الإيراني سوف يجد الكثير ممن يرغب في العمل معه، ولكن ليس من الواضح أن السعوديين هم هذا اللاعب.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"التدخل السافر".. سياسة بن سلمان لجر السعودية نحو الهاوية

هل نشهد حربًا أمريكية على إيران قريبًا؟