24-مارس-2019

تكشف النجف ملامح خليفة خامنئي (Washington Post)

مكتبٌ ضيقٌ، يقع في زاوية مبنى شيّد من الطوب القديم، في هذه المدينة الإسلامية المقدسة. منظرٌ يتناقض تمامًا مع الصلة القوية لصاحبه، السيد علاء الدين الجزائري مع المرشد الأعلى لإيران.

تتكشف من النجف ملامح هوية المرشح لخلافة خامنئي حيث يرجح أن تكون شخصية تحظى بدعم الحرس الثوري ويرجح أن لا تكون من قائمة المرشحين الأكثر وضوحًا

الأثاثُ متناثرٌ، والغرفُ مضاءةٌ بشكل خافت. لكن الجزائري، ورغم الإمكانيات البسيطة التي يبدو عليها مكتبه، إلا أنه يمتلك وسيلة الاتصال الرئيسي والمباشر بمكتب المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، الزعيم الإيراني الذي يقول الجزائري إنه التقى به عدة مرات.

اقرأ/ي أيضًا: كيف تُهرب مخصصات الحشد الشعبي إلى إيران؟

ومع دوامة الشائعات القائلة بأن خامنئي، ذو الـ79 من العمر، يُرتب الآن الوضع لتقديم خليفته بعد ثلاثة عقود قضاها في السلطة، فإن رجال دينٍ مثل الجزائري، ومن موقعه المجاور في القلب الروحي للإسلام الشيعي، يمتلكون رؤية نادرة لعملية انتقالية مغطاة بسرية تامة.

قال الجزائري في حديث لصحيفة الواشنطن بوست ترجمه "الترا عراق"، إن "المرشد الأعلى المقبل لإيران، قد لا يأتي ببديل له من قائمة المرشحين الأكثر وضوحًا، والمنتشرين الآن بين أحاديث المحللين والمطلعين". حيث يعتمد الجزائري في تقييمه على الخبرة، وقربه من دائرة خامنئي الداخلية، فإنه يرى المنصب، استحقاق من يمتلك درجةً من البصيرة في المستقبل.

رجل الدين علاء الدين الجزائري

في السنوات الأولى لنشوء الجمهورية الإسلامية، رأى رجال الدين، الأكثر نفوذًا آنذاك، أن خامنئي ضعيف، وتلاعب بأوراق اعتماده الدينية المتواضعة ليبدو كأحد الشخصيات التي تستحق منصب المرشد الأعلى. ولكن منذ ذلك الوقت، تفوق خامنئي على منافسيه، مما عزز هيمنته على إيران وجعل الجمهورية الإسلامية تكون الجمهورية التي نعرف الآن.

إن الانتقال لشخصية المرشد الأعلى يمكن أن يعيد تشكيل إيران، الثيوقراطية الشيعية الوحيدة في العالم، ويغير الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط بعيدًا عن نفوذها في أماكن مثل سوريا والعراق.

الأنظمة الداخلية للحكم الإسلامي الإيران، التي تستند إلى عقيدة شيعية "مختلف فيها" تُعرف باسم ولاية الفقيه أو "وصاية الفقيه". والجهود المبذولة لتحديد الخطوات التالية أصبحت إلى حد ما لعبة صالونات سياسية في كل من العاصمة الإيرانية طهران وفي عاصمة التشيع النجف. وتشمل الأسماء التي يتم ترديدها خَلفًا للزعيم الأعلى، اسم رئيس القضاء الإيراني، ورئيس مجلس استشاري قوي، وابن خامنئي.

رجال الدين في النجف، المركز الرئيسي لللاهوت الشيعي في العالم، يعارضون إلى حد كبير فكرة وجود سلطة دينية وسياسية عليا، ويعملون بشكل مستقل عن المؤسسة الدينية في إيران. لكن هذه المدينة القديمة، حيث تنتشر متاهة من الأزقة إلى ضريح الإمام علي ذو القبة الذهبية، الشخصية المقدسة في الإسلام الشيعي، هي أيضًا مركز جذب للطلاب ورجال الدين الإيرانيين الذين يأتون إلى النجف ليركزوا على المذهب الشيعي ويتخرجون من حلقاتها الدراسية وحوزاتها العلمية، وهذا المرور يربط النجف عن كثب، بالجار القوي.

يواجه النظام الإيراني على الرغم من تعزيز خامنئي لسلطته وتمكين الحرس الثوري، مرحلة تعثر اقتصادي وفساد تثير غضب الإيرانيين

وقال الشيخ خالد البغدادي، وهو رجل دين من النجف يرتدي ثوبًا أبيض اللون وعباءة بنية فضفاضة، يجلس في مكتب محاط من جميع الجهات برفوف الكتب الثقيلة بالنصوص الدينية "خامنئي الآن قائد قوي للغاية". البغدادي هو من بين أولئك الذين يشككون في الشرعية اللاهوتية لمركز القائد الأعلى، لكنهم يعترفون بأن خامنئي قد استخدم هذا الدور بفاعلية.

وقال البغدادي، المقرب من أبرز رجال الدين في العراق، ومن منافس خامنئي، المرجع آية الله علي السيستاني: "يتضح من حجم المسيرات التي قام بها وعدد الأشخاص الذين حضروا الصلوات في إيران أن قيادته كانت ناجحة".

الشيخ خالد البغدادي

لكن حتى مع تعزيز خامنئي للسلطته عبر خلق حلفاء وتعزيز قوتهم، وتمكين فيلق الحرس الثوري الإسلامي المكلف بحماية النظام الإسلامي، إلا أن إيران تواجه مرحلة تعثر فيها الاقتصاد وتوترت علاقتها مع الولايات المتحدة. ففي الداخل، أعاق الفساد المستشري والتضخم المتصاعد نمو إيران الاقتصادي وأثار ذلك غضب الإيرانيين العاديين. وفي الخارج، تواجه إيران حملة ضغط أمريكية تسعى لعزل الجمهورية الإسلامية بعد انسحاب إدارة ترامب العام الماضي من الصفقة النووية التي تفاوضت عليها إيران مع القوى العالمية.

بينما يقول الخبراء إن عدم الاستقرار هذا قد يقوض الخلافة السلسة.  كما لا يخفى قلق كثير من الناس  في إيران من فراغ السلطة بعد وفاة خامنئي. كما أن المنافسات الخفية ستظهر بين النخبة السياسية والعسكرية في إيران وستقاتل كل منهما من أجل السلطة خلال أي عملية تسليم.

بينما وفقًا للدستور الإيراني، إذا توفي خامنئي أو أصيب بعجز، سيتم تشكيل مجلس قيادة يقود البلاد لفترة مؤقتة، وأن هيئةً منفصلةٌ، تعرف باسم مجلس الخبراء، هي المسؤولة عن تسمية المرشد الجديد.

يخشى الإيرانيون من فراغ السلطة بعد خامنئي واشتعال القتال عليها بين النخبة السياسية والعسكرية الموجودة

وينفي مسؤولون إيرانيون، وفق الواشنطن بوست، شائعات تشير إلى أن خامنئي بدأ عملية اختيار خلف له، بما في ذلك تقرير حديث في وسائل الإعلام الإيرانية قال إنه "أمر مجلس الخبراء بترشيح مرشح مناسب في غضون ثلاث سنوات".

تم تغيير سياسة الخلافة الإيرانية، في كانون الأول/ديسمبر، عندما توفي المنافس الكبير محمود هاشمي شهرودي، بسبب حالته الصحية نتيجة إصابته بورم في المخوشهرودي، الذي ولد وتعلم في النجف، كان معروفًا ببراعته في العلوم الدينية العميقة. أما الآن، فيتم طرح حفنة من الأسماء الأخرى. من بينهم إبراهيم الريسي، رئيس القضاء؛ صادق لاريجاني، رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام؛ وحتى نجل خامنئي، السيد مجتبى حسيني خامنئي.

اقرأ/ي أيضًا: شباب العراق المقاتلون في سوريا: كذبة حماية المراقد

وقال محسن كاديفار، المنشق السياسي السابق من رجال الدين، الذي يدرس الدراسات الإسلامية في جامعة ديوك: "ينبغي أن يكون للزعيم المقبل خبرة على الأقل في قيادة الفرع القضائي أو التنفيذي أو التشريعي".

لكن نظرًا لأن المخاطر كبيرة للغاية، كما يقول المحللون، فمن المحتمل أن يتم تجاوز العملية الرسمية بمزيد من المفاوضات السرية. يقول الخبراء إن الحرس الثوري على وجه الخصوص سوف يسيطر بقوة على العملية.

أبرز الأسماء التي تطرح لخلافة خامنئي هي إبراهيم الريسي رئيس القضاء، صادق لاريجاني رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، ونجل خامنئي، مجتبى حسيني خامنئي

ويبين كاديفار بالقول،: "سيتم الإعلان عن الشخص الذي اختاره خامنئي. . . بعد حصول المرشح على موافقة قادة الحرس الثوري". ومثل الجزائري في النجف، يقول كاديفار إن "اسم الخليفة سيظل سرًا لأطول فترة ممكنة".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

مخاوف وتحذيرات من مديرية "أمن الحشد الشعبي".. ماذا تعرف عنها؟

الحشد الشعبي..الميليشيا في مواجهة الدولة