06-مارس-2016

محمد صبرة/ مصر

في أحدث قائمة لأفضل وأسوأ جوازات السفر في 2016، أصدرتها مؤخرًا شركة "Henley & Partners" المتخصصة في قضايا الهجرة ومقرها لندن، نقف مصدومين ليس لأن القائمة تعرّفنا على الدول صاحبة جواز السفر الأقوى عالميًا، ولكن لكونها تعرّفنا على الدول صاحبة أسوأ جواز سفر في العالم، لأن أصحاب تلك الدول يجمعها قاسم مشترك سنكشف عنه بعد ذكر تلك الدول.

الدول صاحبة أسوأ جواز سفر في العالم تجمعها أمريكا التي زعمت أنها ستنشر فيها الرفاه والديمقراطية

حسب القائمة حصدت أفغانستان جائزة أسوأ جواز سفر في العالم حيث يسمح لحامله بدخول 26 دولة فقط دون فيزا، في حين كان ثاني أسوأ جواز سفر في العالم من نصيب باكستان يسمح لحامله بدخول 29 دولة دون فيزا، أما العراق فتربع على عرش ثالث أسوأ جواز سفر في العالم حيث يسمح لحامله بدخول 30 دولة، في حين جاءت الصومال في المرتبة الرابعة في الترتيب حيث يسمح لحامله بدخول 31 دولة فقط، أما خامس أسوأ جواز سفر فكان الجواز السوري حيث يسمح لحامله بدخول 32 دولة، حسب زعم الشركة صاحب القائمة، لتأتي ليبيا سادسًا حيث يسمح لحامل جوازها بدخول 36 دولة.

اقرأ/ي أيضًا: عراق تائه بين السفارات وتلفوناتها

الدول صاحبة أسوأ جواز سفر في العالم يجمعها قاسم مشترك واحد هو أمريكا، نعم أمريكا التي زعمت أنها ستسخّر جبروتها العسكري لتنشر الديمقراطية والرفاه في العالم. وكون تلك الدول أصيبت بوباء "الديمقراطية" الأمريكية المتوحشة، نقف اليوم بعد سنوات من سياسة "تأزم الصراع" في تلك الدول أمام فوضى ودمار وقتل مرعب، كله تحت شعار "نشر نموذج الحرية والديمقراطية الأمريكي"، لينتهي الحال بأفغانستان وباكستان والعراق والصومال وسوريا وليبيا إلى الدرك الأسفل في الانحطاط والسوء والغرق في الحقد الطائفي والتطرف الأعمى.

شن الجيش الأمريكي حربه على أفغانستان تحت اسم "عملية التحرير الدائمة"، والحجة هي تخليص أفغانستان من الإرهاب ونشر الحرية والديمقراطية الأمريكية، ونتيجة الخراب اليوم واضحة. وفي باكستان فرضت أمريكا نفسها كلاعب يطبل ويزمر بأنه يدعم "الباكستانيين الذين يريدون التحرر والنموذج الراقي في الحياة في مواجهة الظلاميين"، فأغرقت باكستان في صراع دموي ومزقت مجتمعهم. أما الصومال وما أدراك ما الصومال! أرض الثروات الذي تفجر فيه إبداع الغدر وذكاء الحقد الأمريكي، فعلى الهواء مباشرة نشاهد كيف يموت أطفال أغنى شعب في العالم في أحضان أمهاتهم جوعًا.

وهذا العراق الذبيح، الذي أنهكته أمريكا في حصار اقتصادي خانق دمّر طبقته الوسطى، وشل حركة المجتمع ودفع كتاب وعلماء العراق لافتراش الطرقات وبيع مكتباتهم، لتأتي بعدها الماكينة العسكرية الأمريكية كي تحتله وتجهز عليه ربيع 2003 في حرب أطلق عليها زورًا وبهتانًا اسم "تحرير العراق"، خلالها رفعت أمريكا شعارات طنانة تزعم أن حربها تلك تهدف إلى "نشر الأفكار الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط ولو بالقوة العسكرية". غرق العراق في حرب طائفية أنهكته ودمرته، وهو اليوم ينازع تحت براثن وأنياب التطرف الأعمى.

اقرأ/ي أيضًا: حرب المائة عام بين السنة والشيعة

وهذه سوريا الحزينة التي وقعت ضحية "الفوضى الأمريكية"، 70% بالمئة من البلد مدمر، 12 مليون بين نازح ولاجئ، أكثر من 300 ألف ضحية لاقت مصرعها، مليون مشوه حرب وصاحب عاهة دائمة، وخسائر اقتصادية تجاوزت الـ 270 مليون دولار أمريكي. وأخيرًا وليس آخرًا ليبيا الممزقة المقطعة والمدمرة التي ينهشها غول الإرهاب.

كيف يمكن لأمريكا التي أسسها المرتزقة والسجناء السابقون وحثالة ورعاع أوروبا أن تكون صاحبة رسالة حضارية؟

كل تلك الدول قاسمها المشترك واحد: أمريكا + الإرهاب (وتحديدًا المتطرفين الإسلاميين) النتيجة= دمار لكل شكل من أشكال الحضارة، واستباحة البشر والحجر والشجر. مع نشر الحرية والديمقراطية الأمريكية، صُنفت شعوب بأكملها كإرهابيين محتملين حتى "يثبت العكس"، يحملون أسوأ جوازات سفر، وهم أصحاب "الهويات القاتلة". 

كيف يمكن لحضارة كالحضارة الأمريكية، أسسها المرتزقة والسجناء السابقون وحثالة ورعاع أوروبا الذين تخلصت منهم بالقوارب ورمت بهم في قارة أخرى، جعلتها مكب نفاياتها، كي تنظف مجتمعاتها منهم؛ كيف يمكن أن تكون صاحبة رسالة حضارية؟ وكيف يمكن لحضارة رعاع قامت على جثة شعب أصيل تم ذبحه ثم أقاموا على جثث أبنائه وهم بعشرات الملايين منه "حضارتهم الزائفة"؟ هل يمكنها أن تنشر "الحرية والديمقراطية" في العالم وهي امتهنت القتل والسلب والنهب؟

أمريكا الذئب الغدار الذي ارتدى طقم سموكي، وحمل سيجارًا كوبيا، وكأسًا من الويسكي الإسكتلندي. صار الذئب ديبلوماسيًا.. وغدره براغماتية.

اقرأ/ي أيضًا: 

في أمريكا أيضا.. السلاح زينة الرجال!

فيزياء سياسية.. المعادلة التي دمرت سوريا