وسط تصاعد نسبة الفقر في العراق وازدياد البطالة، يعمل الكثير من الأطفال بمهن خطرة لا تناسب أعمارهم، حيث تقدر المفوضية العليا لحقوق الإنسان المنتهية ولايتها، نسبة عمالة الأطفال في العراق بـ 2%، مؤكدةً أنّ عدد الأطفال العاملين في البلاد يصل إلى أكثر من 700 ألف طفل.
أعداد الأطفال الذين يعلمون في العراق تصل إلى مئات الآلاف
وتعترف الدول المنضوية ضمن اتفاقية حقوق الطفل العالمية وفي المادة (32-1) على وجه التحديد، بحق الأطفال في الحماية من الاستغلال الاقتصادي، ومن أداء أي عمل يرجّح أن يكون ضارًا بصحتهم أو بنموهم البدني والعقلي والروحي والمعنوي والاجتماعي.
وفي العراق، تنص قوانين وزارة العمل والشؤون الاجتماعية على معاقبة المتسبب في تشغيل الأطفال بعقوبة الغرامة المالية أو إيقاف التصريح الخاص برب العمل
تأثيرات نفسية
ويبقى الوضع الاقتصادي والحروب ـ بحسب مراقبين ـ أبرز الأسباب التي أجبرت الأطفال على ترك مقاعد الدراسة واختيار العمل ضمن مهام صعبة تهدد حياتهم من أجل إعالة أسرهم.
وجميع الأعمال التي تفرض على الأطفال تدخل ضمن بوابة (الاستغلال)، خصوصًا الخطرة، فهي تعتبر من أسوأ أشكال عمالة الأطفال في العراق، ووفقًا للباحثة الاجتماعية، نادية جعفر.
وتقول الباحثة الاجتماعية لـ"ألترا عراق"، إنّ "المهن الخطرة تعود بتأثيرات كبيرة ومباشرة على حياة الطفل العامل، ولكون الأطفال لا يدركون خطورة هذه الأعمال ولم يكتمل نموهم العقلي والعاطفي، فهم لا يستطيعون حماية أنفسهم خلال الأعمال الشاقة".
ووفقًا لجعفر، فإنّ التشريعات والقوانين الدولية والمحلية تحرم عمل الأطفال بكل أنواعه لما يشكله من خطر على حياتهم ومستقبلهم، مشيرةً إلى أن "أكثر من 70% من الأطفال يصابون بإعاقة في تلك الأعمال".
إحصائيات جديدة
ومع ازدياد ظاهرة عمالة الأطفال، خرج وزير التخطيط، خالد بتال النجم، في مؤتمر صحفي بالقول إنّ "الأطفال دون سن الخامسة يشكلون 15% من مجموع سكان العراق، وهذه النسبة قابلة للزيادة في ظل التزايد السكاني الذي تجاوز حاجز المليون نسمة سنويًا".
ويشير الوزير، في بيان تلقى "ألترا عراق"، نسخة منه، إلى أنّ "الطفولة المبكرة في العراق، لم تحظ بالاهتمام المطلوب خلال عقود طويلة، لذلك خسر البلد الكثير من الفرص التنموية في تحقيق التنمية البشرية".
وتابع النجم قائلاً إنّ "أطفال العراق تعرضوا إلى ظروف حياتية صعبة ومعقدة من جرّاء الحروب والأزمات والتهجير وفقدان الأمن الغذائي والصحي والتعليمي".
وعلى صعيد ذي صلة، أكدت منظمة "يونيسيف"، أنّ نحو 90% من الأطفال العراقيين لا تتاح لهم فرصة الحصول على تعليم مبكر، ورغم زيادة معدل التحاق الأطفال بالتعليم الابتدائي عند مستوى 92%، حيث أنّ "إكمال المرحلة الابتدائية بين أطفال الأسر الفقيرة لا يتجاوز 54%".
ووفقًا لليونيسيف أيضًا، فإنّ ثلث أطفال العراق يمرون بظروف اقتصادية صعبة تضعهم أمام متطلبات العمل لإعانة عائلاتهم، وتوضح أنّ "أطفال العراق يواجهون أعلى زيادة في معدلات الفقر، حيث يوجد طفلان فقيران بين كل 5 أطفال".
القوانين تمنع تشغيل الأطفال
الدستور العراقي أوجب رعاية الطفولة والأسرة والأمومة وفق للمادة 29، كما أنّ قانون العمل 37 لسنة 2015، منع أيضًا تشغيل الأشخاص دون 15 سنة، وفقًا للخبير القانوني علي التميمي.
ويضيف التميمي لـ"ألترا عراق"، أنّ "هناك تنسيقًا بين وزارة العمل والداخلية وفقًا للقانون يضمن إنذار أرباب العمل بمنع تشغيل الأطفال وفق المادة 95 من القانون وفي حالة الإصرار على المخالفة يحال الموضوع إلى محكمة العمل لمحاسبة أصحاب العمل".
ويختم التميمي، حديثه بالقول "يبدو أنّ كثرة العاملين من الأطفال في مهن صعبة وخطرة يعود لازدياد البطالة والفقر"، مبينًا أنّ "مجلس النواب مطالب بتشريع قانون يحد من هذه الظاهرة ويحد من كثرة المشردين ومنحرفي السلوك في الأسواق والأماكن العامة".
أسباب ومعالجات
وفي هذه الأثناء، يكشف عضو مفوضية حقوق الإنسان السابق علي البياتي، عن وجود نحو 25% من العائلات في العراق يدفعون أطفالهم نحو العمل الشاق.
ويوجد العديد من العوامل التي أدّت إلى زيادة هذه الظاهرة كالحروب والأزمات الاقتصادية والهجرة - والكلام للبياتي - الذي أشار أيضًا إلى أنّ "عدم وجود مؤسسات تربوية حقيقية ترعى الأطفال أدى كذلك إلى ازدياد تفشي هذه الظاهرة".
وفي حديث لـ "ألترا عراق"، يتحدث البياتي قائلًا إنّ "الملف الاقتصادي يعتبر أهم جزء يدخل ضمن خطة حل وتفكيك هذه الظاهرة في العراق، كون أغلب الأطفال الذين يعملون في هذه المهن هم من ذوي الدخل المحدود جدًا (الفقراء)".
وبحسب البياتي، فإنّ رواتب الرعاية الاجتماعية لا تلبي الحاجة الفعلية لدعم الفقراء في العراق.
ووفقًا لإحصائيات الحكومة العراقية، أنّ نسبة البطالة في البلاد وصلت إلى 13.8%، حيث كانت نسبة العاصمة بغداد 9.3%، في حين احتلت الأنبار المرتبة الأولى بواقع 32.4%، تليها دهوك بنسبة 26.4%، ومن ثمّ ميسان بنسبة 20.4%، فيما تعدّ أقل نسبة للبطالة في العراق في كركوك بنسبة 6.3%، تليها كربلاء بنسبة 6.7%، تليها البصرة بنسبة 7.6%.
تعليق وزارة العمل
من جانبها، قالت وزارة العمل إنها "تعمل على مكافحة عمالة الأطفال في البلاد، ولديها جولات ميدانية تفقدية في عموم بغداد لتسجيل المخالفين ومتابعة الأطفال، مشيرة إلى أنّ "المخالفين سرعان ما يتخلصون من الأطفال لتجنب محاكمتهم قانونيًا".
لا توجد مؤسسات حقيقية في العراق تقوم برعاية الأطفال وتهتم بأوضاعهم المادية والمعنوية
وفي تصريح، تابعه "ألترا عراق"، أشارت المسؤولة في قسم عمالة الأطفال في وزارة العمل مروة عبد الواحد، إلى أنّ "اللجان توجه تحذيرًا إلى صاحب العمل المخالف في تشغيل الأطفال، ومن ثم يتمّ إصدار إنذار من قبل الوزارة، أو إحالته إلى المحكمة في حال عدم تركه للطفل العامل لديه".