16-يوليو-2021

القتلة ليسوا مأجورين (الترا عراق)

ألترا عراق ـ فريق التحرير

لم يكن إظهار اعترافات قاتل الباحث الأمني هشام الهاشمي، إلا جوابًا فجّر عدة تساؤلات جديدة، ربما يمكن وصفها بالمحورية، وقد توفر الإجابة عليها فهمًا كاملًا ليس لعملية اغتيال الهاشمي فقط بل جميع عمليات الاغتيال ولاسيما السياسية منها في العراق.

حرصت الحكومة على بث جزء من الاعترافات ذكرت فيها أن المتهم ينتمي لـ"جهة ظالة خارجة عن القانون"

أحمد حمداوي الكناني، ضابط وزارة الداخلية الذي ينتمي لجهة "خارجة عن القانون"، وتمكّنت الجهات الأمنية من تتبعه ورفاقه من نقطة انطلاقهم في منطقة البوعيثة حتى تنفيذ العملية والهروب، ثم المرور بأكثر من 5 مناطق في بغداد حتى العودة إلى البوعيثة، كل هذه التحرّكات كان من السهل على الأجهزة الأمنية معرفتها خلال أيام بعد اغتيال الهاشمي.

توازن الكاظمي

منذ التنويه الحكومي على بث اعترافات المتهم بقتل الهاشمي والذي كان يفصل عن موعد بث الاعترافات ساعة واحدة، فإن العديد من المهتمين والمراقبين الذين استبعدوا قدرة الكاظمي على كشف الجهة التي اغتالت الهاشمي بشكل مباشر، تكهنوا بأن الاعترافات ستخرج بصيغة أن القاتل كانت لديه مشكلة شخصية مع المغدور هشام الهاشمي أو أي قضيّة أخرى "تسطح المسألة"، وإن لم يفعل ذلك، فليس أمامه سوى الإعلان بشكل مباشر على الجهات المسلحة التي تقف وراء عملية الاغتيال، إذ أن هذين الاختيارين، يمثلان الإرادة الحكومية المتأرجحة بين "طمطمة المسألة"، أو فضحها بشكل نهائي.

اقرأ/ي أيضًا: الكاظمي يعلن اعتقال "قتلة" هشام الهاشمي

إلا أن الاعترافات ذهبت بشكل "متوازن"، حيث حرصت الحكومة على بث جزء من الاعترافات ذكرت فيها أن المتهم ينتمي لـ"جهة ضالة خارجة عن القانون".

ويقول الباحث السياسي أحمد الياسري في حديث لـ"ألترا عراق" إن "قضية الهاشمي بدأت تشكل قضية رأي عام دولي وهي محرجة للحكومة، وأن الكاظمي وقبل زيارته المرتقبة إلى واشنطن يريد بث رسائل تطمين وانطباع على أن القضايا الحقوقية في العراق تسير بشكل جيد، وأن قضية الهاشمي هو خرق يحصل في أي نظام أو دولة، ولا يحصل تحت غطاء أو تستر حكومي".

لكن الياسري يرى أن اعترافات اليوم كسرت هذه الفرضية، إذ أن "الكاظمي سيصبح أكثر إحراجًا، فليس كافيًا أن يعطي إشارات عن الجهة المنفذة لكي يجعل النخب العراقية تتخيل أن الكاظمي يدور في فلك صنع ضواغط سياسية على جهات السلاح"، مشيرًا إلى أن "الملفات الأمنية لا يجب أن تكون ضمن الضغوطات السياسية لأنه يتعلّق بحياة عشرات الناشطين وكونها قضية أخلاقية".

وحول ما إذا كان عدم الكشف بشكل مباشر عن الجهة التي ينتمي إليها الجاني قد تكون تحفظًا على اعترافات خطيرة يحضرها الكاظمي للوقت الذي يتمكن فيه ثم ينقض بها على الجهات المسلحة، يستبعد الياسري ذلك، مشيرًا إلى أن "خلال متابعة الكاظمي خلال الفترات الماضية يتضح أنه ليس شخصية مبادرة، وتعمل حكومته بنطاق ردود الأفعال لا صناعة الأفعال"، معتبرًا أن "هذه الاستراتيجية لا يمكن التعويل عليها".

بالمقابل، يشير الياسري إلى أن "إظهار اعتراف الجاني بأنه ينتمي لجهة معينة بالاسم، قد يكرّر مشهد اعتقال قاسم مصلح، وقد تدعي هذه الجهة بأن هذا الاعتراف هو تزوير لاستهدافها"، معتبرًا أن "الكاظمي أراد إغلاق قضية هشام الهاشمي بهذه الطريقة ودون أي تبعات أخرى، فهو طبق فرضية لا غالب ولا مغلوب".

الدولة تعرف الكثير

من التفاصيل التي أثارت الاهتمام أيضًا، التسلسل المكاني وتنقلات الجناة منذ انطلاقهم، وحتى تنفيذ جريمة اغتيال الهاشمي والتجوّل في مناطق زيونة، شارع فلسطين ومدينة الصدر، سبع أبكار والحميدية رجوعًا إلى بغداد الجديدة والدورة ومن ثم إلى نقطة الانطلاق، البوعيثة.

هذه القدرة لدى الأجهزة الأمنية على التتبع وما تمتلكه من كاميرات مراقبة في معظم مناطق العاصمة، وإمكانية ربط المشاهد، طرحت التساؤلات عن قدرة الأجهزة الأمنية لكشف العديد من الجرائم والملفات الغامضة، وما تمتلكه الدولة والقيادات الأمنية من تفاصيل للعديد من هذه الملفات الخطيرة.

يعتبر الياسري أن "الدولة بشكل عام وحكومة الكاظمي بالتأكيد تمتلك كما غيرها من الجهات السياسية، العديد من الملفات الخطيرة"، لكن الياسري يرى أنها "التستر عليها يأتي ضمن التخادم المشترك بين الأطراف".

الجاني ضابط.. القتلة ليسوا مأجورين!

أعاد اعتراف قاتل الهاشمي ووظيفته بصفة ضابط شرطة، أعاد إلى الأذهان، أفراد خلية الموت التي تمّ اعتقالها في محافظة البصرة في شباط/فبراير الماضي، والمتكوّنة من أفراد أحدهم موظف في شركة نفط البصرة، والآخر مفوّض شرطة، فضلًا عن طالب في كلية القانون ومدير شركة للمقاولات.

هذه الصفات التي تبيّن بشكل واضح، أن عمليات الاغتيال لا تجري عبر قتلة مأجورين أو أطراف غير متعلمين بدافع الحصول على الأموال فقط، بل أن التنفيذ يجري بيد أعضاء حقيقيين في جهة واحدة ولديهم وظائف ومراكز عليا بعض الأحيان، الأمر الذي يوحي إلى أن ما يجمع هؤلاء الأشخاص الذين يمتلكون أعمالًا خاصة ووظائف، هو تشاركهم لعقيدة ما تدفعهم للقيام بهذه الاغتيالات، ولا يمتهنون مهنة العصابات.

إلا أن للياسري رأي آخر، حيث يشير في حديثه لـ"ألترا عراق"، إلى أن "ثقافة الاغتيال في العراق لا تتم بدوافع شخصية أو عقائدية بحسب اعتقادي"، مبينًا أن "معظم الاغتيالات نابعة من خطط مدروسة جدًا من قبل جهات عسكرية أو ميليشيات مرتبطة بجهات سياسية، ولم تكن عقائدية عشوائية، لذا فهي بالأساس اغتيالات سياسية تحديدًا، وحتى الاغتيالات التي حدثت في فترة الطائفية رغم أنها كانت تحمل صبغة مذهبية، ولكن دوافعها كانت سياسية وليست عقائدية".

يقول مراقبون إن معظم الاغتيالات نابعة من خطط مدروسة جدًا من قبل جهات عسكرية أو ميليشيات مرتبطة بجهات سياسية

وحول انتساب المتهمين بالاغتيالات لعدد من الوزارات الرسمية الحكومية، يشير الياسري إلى أن "الأحزاب والجهات المسلحة هي من تتقاسم النفوذ في مختلف مؤسسات الدولة، بالتالي قد يكون هذا الضابط أو ذلك الموظف تم تعيينه في مؤسسة ما بقرار من حزب معين، فمن الممكن أن يتمّ الطلب منه بتنفيذ اغتيال أو قضايا أخرى".

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

عام على اغتيال الهاشمي.. متحمس لبناء الدولة تلقى الخُذلان بهيئة رصاصات

فيديو من تحقيق أمريكي: ضابط في المخابرات يكشف عن قتلة هشام الهاشمي