ما إن هبطت طائرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وزوجته ميلانيا في قاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار غرب العراق في آواخر شهر كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي بهدف توجيه الشكر لقواته على "خدماتهم وإنجازاتهم وتضحياتهم"، حتى أثيرت قضية التواجد الأمريكي بجدية داخل الأروقة السياسية، خصوصًا بعد تصريحات ترامب المثيرة للجدل كالمعتاد، إذ قال إن الولايات المتحدة لا تخطط لسحب قواتها من العراق.
ترامب: الولايات المتحدة لا تخطط لسحب قواتها من العراق
وجاءت زيارة ترامب إلى العراق بعد أيام من إعلان وزير الدفاع الأمريكي (ماتيس) استقالته، التي قال عنها البنتاغون، إنها "جاءت بسبب عدم تطابق رؤيته لإدارة السياسات الدفاعية مع قناعات ترامب"، كما أن ماتيس قدم استقالته بعد يوم واحد من إعلان ترامب سحب القوات الأمريكية من سوريا.
أمريكيون في شارع المتنبي!
صحا العراقيون على صورٍ تُظهر تجول لعساكر أمريكان بزيهم العسكري دون سلاح في شارع المتنبي وسط العاصمة برفقة قائد عمليات بغداد الفريق الركن جليل الربيعي في الرابع من شهر كانون الثاني/يناير، الأمر الذي فجّر الحديث في الأوساط السياسية والإعلامية والشعبية عن التواجد الأمريكي في العراق.
اقرأ/ي أيضًا: ترامب "يفتح النار" على قواته في العراق مجددًا
قيادة عمليات بغداد أصدرت بيانًا توضيحيًا حول هذه الزيارة بعد موجة من الانتقادات، قالت فيه إن "الصحافية الأمريكية جان آراف من إذاعة "أن بي آر" قدمت في وقت سابق طلب إجراء جولة ميدانية في العاصمة بغداد من أجل الاطلاع على الواقع الأمني فيها"، موضحة أن "عددًا من قوات التحالف رافق الصحافية، ولم يكونوا بمهمة عسكرية، وإن مهمتهم اقتصرت على مرافقتها وليس تأمين الحماية لها".
لكن بيان قيادة العمليات لم يُقنع الكثير من المتابعين والمراقبين، فضلًا عن بعض الكتل السياسية، إذ عده تحالف سائرون المدعوم من مقتدى الصدر "تحديًا للإرادة الوطنية، وخرقًا جديدًا للسيادة العراقية، وتصرفًا سيئًا يكشف الوجه القبيح للإدارة الأمريكية التي تنتهك كل القوانين والأعراف الدولية".
وحذر سائرون في بيانه، القوات الأمريكية من "مغبة تكرار هكذا سلوكيات همجية"، مطالبًا الحكومة العراقية بـ"توضيح للشعب العراقي بخصوص هذه الواقعة".
احتكاك مع الحشد
صور أخرى ومقاطع فيديو تداولها ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي، أظهرت احتكاكًا بين القوات الأمريكية، وعناصر من الحشد الشعبي في مدينة الموصل بمحافظة نينوى في الواحد من شهر شباط/فبراير من العام الحالي.
قيادة عمليات الحشد الشعبي في نينوى قالت في بيان إنها "منعت إجراء جولة ميدانية راجلة في مناطق مدينة الموصل". فيما اعتبر نائب قائد العمليات رضوان العنزي هذا العمل "استفزازًا مقصودًا جاء تغطية للفشل الذي تعرضت له قواتها في سوريا بعد الانسحاب"، ما استدعى التدخل والاعتراض وتحذير القوات الأمريكية بصورة مباشرة، على حد تعبيره.
التحرك الأمريكي العسكري في الموصل يستهدف استفزاز الحشد الشعبي وجره للصدام
العنزي بيّن أن "حالة ذعر وخوف شديد لوحظت على القوات الأمريكية، الأمر الذي دعا القوة إلى طلب غطاء جوي لها تحسبًا لأي عمل ضدهم"، فيما رأى المحلل السياسي جمعة العطواني في تصريح تلفزيوني أن "التحرك الأمريكي العسكري في الموصل يستهدف استفزاز الحشد الشعبي وجره للصدام"، أما الخبير الأمني هشام الهاشمي، قال في تصريح تلفزيوني، إن "فصائل الحشد الشعبي لا تريد الدخول في معارك جديدة"، مبينًا أن "القوات الأمريكية في سوريا والعراق لم تتعرض لرصاصة واحدة منذ أيلول/ سبتمبر 2014".
اقرأ/ي أيضًا: تصفية معلنة لحسابات طهران وواشنطن على مائدة العراق.. بومبيو "يتحرش" بالحشد
محافظ نينوى السابق أثيل النجيفي، وفي أوّل تعليق من القيادات السنية على الحادثة، تسائل في الثاني من شهر شباط/فبراير وبتغريدة على حسابه الشخصي في تويتر، عن سبب "سماح الحكومة العراقية بهذا الاحتكاك بين الحشد الشعبي والقوات الأمريكية داخل الموصل؟".
النجيفي لمّح إلى سعيٍ لخلق صراع جديد في الموصل بالقول "أم المطلوب جعل الموصل ساحة صراع مرة أخرى؟".
أمريكا في العراق لمراقبة إيران
في الثالث من شباط/فبراير ضاعف رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب الجدل حول التواجد الأمريكي العسكري في العراق بتأكيده على أهمية احتفاظ الولايات المتحدة بهذا الوجود، مبينًا أن "الوجود العسكري في العراق يُمكّن أمريكا من مراقبة إيران كونها تمثل مشكلة حقيقية".
وكعادته في الحديث عن الأموال، قال ترامب إن "الولايات المتحدة أنفقت ثروة على قاعدة عين الأسد الجوية غرب العراق، ويجب علينا الاحتفاظ بها"، لافتًا إلى أن "بعض القوات التي ستنسحب من سوريا ستذهب إلى العراق لمراقبة أي استئناف لنشاط تنظيم الدولة الإسلامية والجماعات المتشددة الأخرى".
وجود أمريكا في العراق "فتنة"!
برلمانيون وسياسيون عبّروا من خلال بيانات وتصريحات عن رفضهم للوجود الأمريكي وتصريحات ترامب، إذ قال النائب عن تحالف الفتح بقيادة هادي العامري، محمد كريم البلداوي في تصريح صحفي يوم التاسع من شباط/ فبراير إن "تصريحات ترامب تجاوزت اللياقة والأدب والعرف السائد بين الدول في احترام سيادة بعضها"، كاشفًا عن "وجود شبه إجماع برلماني وحكومي على ضرورة إخراج القوات الأمريكية ورفض تصرفاتها غير المسؤولة".
هناك شبه إجماع برلماني وحكومي على ضرورة إخراج القوات الأمريكية من العراق
البلداوي وصف تواجد القوات الأمريكية على الأراضي العراقي بأنه "يهدد الأمن العراقي"، مبينًا أن تلك القوات "تريد استغلال أراضينا كساحة لتصفية حساباتها بالمنطقة وتشعل حروبًا لا تنتهي بغية إنعاش الماكنة العسكرية الأمريكية من خلال بيع الأسلحة التي لديهم".
فيما اعتبر النائب عن تحالف سائرون سلمان الغريباوي، أن الوجود الأمريكي على الأراضي العراقية "فتنة" يُراد منها زعزعة أمن المنطقة، مشيرًا إلى أن "تحالف سائرون يرفض رفضًا قاطعًا وجود أي قوات أجنبية في العراق ولا يسمح أن يكون العراق ساحةً للصراعات الإقليمية"، مشددًا على "قدرة القوات الأمنية والحشد الشعبي على حماية العراق" .
حراكٌ برلماني
النائب الأول لرئيس مجلس النواب حسن الكعبي، والذي ينتمي لتحالف سائرون، قال ببيان رسمي في الثالث من شباط/ فبراير إن "مجلس النواب سيعمل خلال الفصل التشريعي المقبل على تشريع قانون يتضمن إنهاء العمل بالاتفاقية الأمنية مع أمريكا، فضلًا عن إنهاء تواجد المدربين والمستشارين العسكريين الأمريكيين والأجانب في الأراضي العراقية"، وخاطب الكعبي، ترامب، بالقول "سنخرج قواتك ومستشاريك بالقانون والإرادة الوطنية".
اقرأ/ي أيضًا: جنرالات البنتاغون في شارع المتنبي.. الاحتلال لم يصل "السوشال ميديا"
لتتوالى البيانات والتصريحات التي تؤكد هذا الحراك، إذ قالت النائبة عن تحالف الإصلاح والإعمار يسرى رجب في تصريح صحفي بالتاسع من شهر شباط/فبراير إن "البرلمانَ عازمٌ في الفصل التشريعي المقبل على تشريع قانون بخصوص التواجد الأمريكي والقوات الأجنبية في العراق"، مبينة أن "الواجب الوطني والشرعي والقانوني يحتم على أعضاء مجلس النواب أن يقفوا وقفة جادة تجاه هذا التواجد ورفض التصريحات الأمريكية المسيئة لسيادة العراق".
الفتح وسائرون .. ماضون أم متراجعون؟
أكبر كتلتين في البرلمان، تحالف سائرون، وتحالف الفتح، اجتمعا لمرتين متتاليتين بهدف "تذليل العقبات واستكمال الكابينة الحكومية وبحث التواجد الأميركي".
وفي مؤتمر صحفي مشترك في الحادي عشر من شهر شباط/فبراير، قال رئيس وفد سائرون نصار الربيعي إن "سائرون اتفق مع الفتح على عدم القبول بتواجد أي قوات أجنبية في العراق، وتواجدها مرهون بما تعلنه الحكومة عن حاجتها لبقاء مستشارين أو غيرهم، بحسب الحاجة"، فيما لفت رئيس تحالف الفتح هادي العامري في ذات المؤتمر إلى أن "بقاء القوات الأجنبية والأمريكية يحتاج إلى اتفاقية جديدة لأن القوات الموجودة حاليًا لا مبرر لبقائها بعد مغادرتها العراق في عام 2011".
بينما يرى مراقبون أن الموقف الذي عبر عنه القياديان في التحالفين يعد تراجعًا نسبيًا عن التهديدات التي أطلقها قياديو ونوابُ الكتلتين، فلم تمضِ سوى تسعة أيام على تصريح نائب رئيس البرلمان عن سائرون حسن الكعبي الذي قال فيه "سنخرج القوات الأمريكية والمستشارين"، فيما رأى آخرون أن هذا الموقف هو رمي للكرة في ملعب رئيس الوزراء.
تخوفٌ سني
بدا النواب السُنة في حيرة من أمرهم، إذ أن الغالبية السُنية في مجلس النواب متحالفة مع تحالف الفتح ودولة القانون وبقية الأجنحة المقربة من إيران، والتي تُعارض الوجود الأمريكي، في الوقت الذي تتخوف بعض القيادات السنية من انسحاب القوات الأمريكية أو مواجهة مع الحشد الشعبي في مناطقهم.
بعض النواب السنة يتخوفون من انسحاب الأمريكان لكن البعض الآخر في حيرة من أمره لأنه متحالف مع الفتح والقانون!
النائب عن محافظة نينوى أحمد الجربا أصدر بيانًا في التاسع من شباط/ فبراير حمل رسالة إلى أعضاء مجلس النواب بشأن التواجد الأمريكي قال فيها، إن "الوقت الآن غير مناسب للخوض في تفاصيل موضوع القوات الأمريكية والقواعد العسكرية في العراق لأن ظروف البلد الأمنية لم تستقر استقرار كامل إلى حد هذه اللحظة".
لكن عضو تجمع القوى العراقية للإنقاذ مصطفى الدليمي قال في تصريح تلفزيوني إن "القوات الأمريكية ضمانٌ لأمن العراق من العصابات، والحكومة العراقية لا تستطيع مواجهة الدولة العميقة، إذ تمتلك الأحزاب أجنحة مسلحة"، مبينًا أن "الولايات المتحدة أركعت دولًا عظمى ولا يُمكن للعراق بوضعه الهش الاستغناء عنها".
داعش.. العصا والجزرة
ومنذ مدة ليست قصيرة تتحدث التقارير الصحفية والرسمية الأميركية عن تحركات لتنظيم الدولة داعش في العراق، وإعادة عناصر التنظيم ترتيب صفوفهم.
اقرأ/ي أيضًا: قوات أمريكية جديدة في الأنبار.. ما حقيقة دولارات واشنطن في البرلمان؟
النائب عن تحالف سائرون علاء الربيعي قال في تصريح تلفزيوني إن "وجود القوات الأمريكية في العراق قد يؤدي إلى عودة دخول "داعش" إلى العراق"، الأمر الذي أكده السياسي البارز عزت الشابندر، بالقول إن "الولايات المتحدة لا تتورع عن إعادة داعش إلى العراق في حال ذهب العراق باتجاه المعكسر الإيراني".
النائب الآخر عن تحالف سائرون محمد الغزي قال لـ"ألترا عراق" إن "داعش ومنذ البداية هي العصا التي تلوح بها أميركا ضد الشعب العراقي"، مبينًا أن "من قاتل داعش هم أبناء الشعب العراقي، والشهداءُ هم من العراقيين، لذا لا توجد رهبة لدينا من عودتهم".
وزير الدفاع الأمريكي بالوكالة يصل بغداد
في الثاني عشر من شهر شباط/فبراير وصل وزير الدفاع الأميركي بالوكالة باتريك شاناهان إلى العاصمة بغداد في زيارة غير معلنة، أعلن أنها تهدف إلى "تأكيد أهمية سيادة العراق" وبحث مستقبل القوات الأمريكية هناك".
قال شاناهان "نحن في العراق بدعوة من الحكومة ومن مصلحتنا بناء قدرات الأمن العراقية"، مضيفًا "أريد أن أسمع منهم بنفسي عن مخاوفهم والعوامل السياسية التي تواجههم ثم سنأخذ ذلك بوضوح في الاعتبار في تخطيطنا".
النائب عن تحالف سائرون محمد الغزي علق على زيارة شاناهان لـ"ألترا عراق" بالقول "زيارة وزير الدفاع الأمريكي بالوكالة ستناقش آلية وجود القوات الأمريكية، لكن تحالف سائرون لا ينظر إلى نتائج هذه الزيارة"، مبينًا أن "قرار سائرون ثابتٌ برفض وجود قوات أجنبية على الأرض العراقية".
وفي مساء ذات اليوم، أعلن رئيس الوزراء عادل عبد المهدي في بيان من مكتبه الإعلامي "عدم قبول أية قواعد أجنبية على الأراضي العراقية"، موضحًا أن "ما يُطرح عن التواجد الأمريكي حقائق غير مكتملة لا تتطرق لرأي الحكومة".
سيخرجون بالقانون أو بطرق أخرى!
لعل الأيام المقبلة، وحال عودة مجلس النواب الذي يتمتع بعطلته في الفصل التشريعي الثاني مطلع شهر آذار/ مارس القادم، ستكون القول الفصل فيما يخص تواجد القوات الأميركية في العراق.
النائب الغزي عن سائرون أشار لـ"ألترا عراق" إلى أن "الاتفاق بينهم وبين تحالف الفتح هو الرفض التام للوجود الأمريكي"، مضيفًا "اتفقنا على مخاطبة رئيس الوزراء للاستفسار عن عدد القوات الأجنبية الموجودة وأماكن تواجدها والغاية من وجودها، وما إذا كانت هناك حاجة لتلك القوات".
ينتظر موضوع تواجد القوات الأمريكية في العراق وإخراجها انتهاء عطلة الفصل التشريعي لمجلس النواب في مطلع شهر آذار/ مارس المقبل
لفت الغزي إلى أن "وجود القوات الأجنبية هو احتلالٌ بوجه قانوني، لذا نرفض بشدة وجودهم، وسنتبع الطرق القانونية لإخراجهم، وإن لم نصل لذلك فلدينا حلول أخرى".
اقرأ/ي أيضًا:
تفاصيل لقاء عبد المهدي ووزير دفاع ترامب حول القوات الأمريكية وإيران
ما حقيقة زيادة القوات الأمريكية في العراق؟.. "العمليات المشتركة" توضح