مع اقتراب كل انتخابات برلمانية في العراق، تعكف الأحزاب، الرئيسة منها خصوصًا على ضخ المزيد من الدعايات المختلفة لجذب الناخبين، وهي ظاهرة طبيعية في كل النظم التي تُمارسه فيها عملية اقتراع سواء أكانت ديمقراطية حقة أو مثل ديمقراطيات العالم العربي، فالحاجة إلى إقناع المواطنين أو الناخبين ضرورة سياسية.
شرعت بعض الصفحات بتغيير أسمائها من صفحات اعتيادية إلى مؤيدة لبعض المرشحين للانتخابات بعنوانين من قبيل "محبو .. أنصار .. مؤيدو.. المرشح الفلاني"
يختلف الحال في العراق، بوصفه دولة ريعية تستحوذ الأحزاب على مقدراتها وتتحاصص المناصب وتوزع الوظائف والعطايا على المواطنين بهدف كسب صوتهم في الانتخابات، بدءًا من وسائل الإعلام التقليدية، المحطات الفضائية والإذاعات والصحف وصولًا إلى مواقع التواصل الاجتماعي، تستخدم الأحزاب المساحات المتاحة للوصول إلى الجماهير، إضافة إلى التوظيف وتوزيع الهدايا.
اقرأ/ي أيضًا: احتيال الدعاية المبكرة القانوني.. لماذا لا تحاسب المفوضية "المقدمين للترشيح"؟
وباتت مواقع التواصل إحدى أهم الوسائل التي يستخدمها السياسيون حول العالم في الوصول إلى الجماهير بل وضرب خصومهم رغم محاولات الشركات الكبرى مثل "فيسبوك" الحد من استخدام مواقعها الاجتماعية لأغراض سياسية وما يتعلق بها.
الجيوش الإلكرونية
ساد مصطلح الجيوش الإلكترونية في العراق ما إن بدأ العراقيون ينضمون أفواجًا لهذا العالم الافتراضي ويسجلون حسابات إلكترونية لتصبح تلك المواقع الافتراضية ساحةً لجذب الناخبين، وتصفية الحسابات السياسية في الوقت ذاته.
انتقال المعركة الواقعية إلى افتراضية استدعى تشكيل لجان إلكترونية تضطلع بمهمة الترويج للحزب أو الشخصية السياسية، خصوصًا مع فقدان الأحزاب الرئيسة شعبيتها تدريجيًا بأثر الفشل السياسي والاقتصادي والأمني.
ساعد "الجيوش الإلكترونية" دخول خدمة "الممول" إلى مواقع التواصل، حيث بإمكان الصفحات الناشئة حديثًا أن تروّج لمحتواها عبر دفع الأموال والطلب من الموقع إظهار المنشور لعدد محدد وفق قيمة الأموال المدفوعة، وعلى رقعة جغرافية يختارُها صاحب الصفحة.
صفحات للبيع!
رغم خاصية الممول المذكورة، إلا أن الطريقة القديمة لا زالت تعمل، لأسباب عديدة، وذلك عبر شراء الصفحات الجاهزة الجماهيرية أو الترفهية أو الخدمية، وتغيير أسمائها إلى أسم المشتري الجديد المرشح للانتخابات البرلمانية.
في الآونة الأخيرة، عكزت إحدى الصفحات المشهورة بمتابعة الأخبار المزيفة على موقع فيسبوك، على تتبع الصفحات التي شرعت بتغيير أسمائها من صفحات اعتيادية إلى مؤيدة لبعض المرشحين للانتخابات بعنوانين من قبيل "محبو .. أنصار .. مؤيدو.. المرشح الفلاني"، وصارت الصفحة المذكورة تنشر الحسابات التي تُغير عنوانها علنًا.
يقول (ح.ع) أحد المتخصصين في رصد التلاعب في صفحات فيسبوك، فضّل عدم الكشف عن أسمه لأسباب أمنية، إن "أسباب عدم اللجوء إلى التمويل وشراء الصفحات القوية والحصول على جمهور جاهز مختلفة، بين العَجَز، واختصار الوقت، والخوف من تهمة السرقات التي تلاحق المنشورات الممولة"، في حال أقدم الحزب أو السياسي المرشح على ضخ المزيد من الأموال لتمويل المنشورات بغية انتشار الصفحة.
تكون العملية أسهل، والحديث للمتخصص، بشراء صفحات ممتلئة بالمتابعين الذين ستصلهم المادة دون أن يضغطوا على زر "الإعجاب" بصفحة المرشح الجديدة إن نشأت، وبالتالي، نشر المادة الانتخابية من خلال الصفحة القديمة بعد تغيير أسمها.
وفي عملية احتيال تُجنب تلك الصفحات وصول إشعار لمتابعي الصفحة بتغيير الاسم، تُقدم بعض الصفحات طلب تغيير اسمها ثم تخفي الصفحة، وتحظر العراق من متابعيها حتى لا يصل إشعار بتغييرها إلى المتابعين العراقيين، ثم ترفع الحظر وتظهر مجددًا للنطاق الجغرافي العراقي، حسب ما أوضح مركز الإعلام الرقمي، الذي أشار إلى وجود "اهتمام وتركيز من جانب مرشحي الانتخابات لاستغلال مواقع التواصل الاجتماعي في الترويج لأنشطتهم السياسية لإدراكهم أهميتها في مخاطبة الجمهور العراقي".
جيوش تحارب جيوشًا
لا تستخدم الأحزاب الجيوش الإلكترونية في جذب الناخبين، بل في الصراعات داخل الأوساط السياسية والتسقيط. وللمفارقة، فإن الأحزاب ذاتها تتهم بعضها البعض باستخدام الجيوش الإلكترونية في الدعاية الانتخابية والتسقيط السياسي.
وفي رصد سريع، يُلاحظ أحد المواقع التي تناولت مسألة شراء الصفحات بتقرير يسلط الضوء على سياسيين معينين يقدمون على تلك العملية دون ذكر غيرهم، وبالإمكان معرفة الجهة التي تقف خلف صاحب الموقع والتقرير الذي ينتقد ظاهرة التسقيط والدعاية الانتخابية "السوداء" من خلال حصر الفئة السياسية التي يتناولها التقرير، وهم خصوم واضحون لجهة معلومة. فالمتهمون في التقرير الذي لا يُعرف كاتبه ولا يكشف الموقع عن هويته، يستهدف الخنجر والكربولي والسامرائي والفهداوي والجميلي، فمن الذي يدفع للكتابة ضدهم؟
يقول غالب الشابندر إن العملية السياسية في العراق فاشلة لذا من الطبيعي أن تكون أدواتها الدعائية الفجّة بهذا المستوى
في هذا الصدد، يقول الكاتب السياسي غالب الشابندر إن الانتخابات العراقي هي "بمستوى المرشحين"، ودليل الشابندر هو "المعارك بين القوى ذاتها". ويشير في حديث تلفزيوني تابعه "ألترا عراق" إلى أن "العملية السياسية في العراق فاشلة، وتشرف عليها قوى هالكة لا تستند إلى رؤى قومية أو وطنية، لذا من الطبيعي أن تكون أدواتها الدعائية الفجّة بهذا المستوى".
اقرأ/ي أيضًا:
بين "التسيّب" و"استغلال الوظيفة".. كيف عطلت الدعاية الانتخابية جلسات البرلمان؟
"معقبو معاملات وليس لهم رأي".. لماذا لا يقوم النائب العراقي بدوره الحقيقي؟