06-فبراير-2019

المدينة القديمة في الموصل (Getty)

بعد عام ونصف من حرب مدمرة في الموصل تركت آثارها على كل شارع وزقاق في المدينة، لا تزال التفجيرات والخروق الأمنية، والتهديدات التي تصل إلى المواطنين مستمرة، إضافة إلى الحدث الأبرز، هو عمليات التهريب والابتزاز، وأشياء قد تزيد النقمة عند الناس الذين لا يزالون في محاولاتهم للتخلص مما تركته الحرب عليهم.

انتهت الحرب لكن آثارها في الموصل لا تزال باقية من دون أي تغيير أو إرادة للنهوض بالمدينة

 استعاد العراق محافظة الموصل، وتمكّن من دحر تنظيم داعش بعد ثلاث سنوات من اجتياحها، في معركة أسفرت عن تدمير أكثر من 80 % من المدينة التاريخية في الموصل، ونحو 20% من باقي أجزاء المدينة. لكن الحياة عادت سريعًا، إلا أن الأحزاب السياسية والميليشيات المنضوية في الأحزاب وفصائل تابعة للحشد الشعبي، بدأوا يوسعون نفوذهم بالمدينة من خلال ما يعرف بـ"المكاتب الاقتصادية للأحزاب"، وهمها الأساس هو الاستيلاء فعليًا على الأراضي وفرض الاتاوات على الأهالي، وتلقين من لا يوالونهم وﻻ يذعنون لهم دروسًا قاسية، حيث أن السلطة الأولى هي بأيديهم، وفق ما صرّح به برلمانيون ومسؤولون عن نينوى لـ"ألترا عراق".

اقرأ/ي أيضًا: بيروقراطية الشر.. كيف أدار داعش مدينة الموصل؟

فيما يرى مراقبون أن التفجيرات والخروقات الأمنية التي تحصل في المحافظة هي نتيجة لما تفعله الأحزاب في "مكاتبها الاقتصادية"، لكن على ما يبدو أن تلك المكاتب ليست في مدينة الموصل وحدها، وإنما في جميع مدن محافظة نينوى، التي يسكنها خليط قومي ومذهبي، لكن قيادات في الحشد الشعبي ترى أن الاتهامات عارية عن الصحة بوجود محاولات "لإخراجهم من المدينة" التي يقولون إنهم "شاركوا في تحريرها".

بهذا السياق، يقول عضو مجلس النواب العراقي عن محافظة نينوى شيروان الدبورداني، إن "التفجيرات التي وقعت في الموصل والقيارة وتلعفر، وإبلاغ الأهالي بوجود عمليات تهديد ومساومة، دفعنا للمطالبة الفعلية بتشكيل لجنة نيابية للتحقيق في الوقائع المشار إليها"، مضيفًا في حديثه لـ"ألترا عراق"، أن "اللجنة شكلت بأمر نيابي، بعضوية نواب من نينوى ومحافظات أخرى، وباشرت عملها وتمكنت من استدعاء نحو 45 قائدًا أمنيًا ومسؤولًا سياسيًا في المحافظة ومن هم على تماس بملف نينوى، وثبت فعليا وجود سلسلة كارثية من الأحداث، وفي حال استمرت فأن المحافظة ستنهار بسببها مجددًا".

 وتابع الدبورداني، أن "هناك عمليات سطو على أراض تعود للأوقاف السنية من قبل الوقف الشيعي، إضافة إلى سيطرة متنفذين في نينوى وخارجها على أراض مهمة ومميزة، فضلًا عن عمليات تهريب النفط بواقع 100 برميل يوميًا من القيارة، وعمليات تهريب للأغنام من سنجار، وكذلك إدخال مواد مخدرة إلى المحافظة وجعل نينوى طريقًا لتجارة المخدرات".

أوضح الدبورداني، أن "بعض الجهات التابعة للمكاتب الاقتصادية لتلك الأحزاب تدخل إلى مباني المحافظة الإدارية بأسلحتها حتى تأخذ ما تريد من دون أي ردع أو استهجان على الأقل من قبل الإدارة المحلية، وإن قيادة العمليات المشتركة وقيادة عمليات نينوى على إطلاع من دون أن تحرك ساكنًا"، مبينًا أن "هناك 7 ملايين طن من السكراب والحديد هرب من المحافظة وبيع من قبل تلك الأحزاب ومكاتبها الاقتصادية".

الأحزاب ومكاتبها الاقتصادية في الموصل تابعة إلى "الحشد الشعبي"  أو محمية منه وستقدم تفاصيل بهذا الشأن إلى البرلمان

أشار الدوبرداني إلى أن "تلك الأحزاب تؤكد أنها تتبع الحشد الشعبي أو محمية منه، فيما ينفي الحشد صلته بها، ولكن تلك الأحزاب ومكاتبها الاقتصادية موجودة فعليًا في المحافظة ومدينة الموصل، ونحن جمعنا كل التفاصيل وسنقدمها إلى البرلمان العراقي، الذي بدوره سيبلغ بها رئيس الوزراء".

 الجانب الآخر من الأزمة يتمثل في قيادات الحشد الشعبي، والتي ضمت شخصيات منها إلى لجنة تقصي الحقائق، لكن كما يبدو أنها غير مقتنعة بحديث أعضاء اللجنة الآخرين، متهمة إياهم بأنهم تعرضوا لضغوط خارجية لغرض التصريح بالضد من الحشد الشعبي، على حد وصفها.

 وأصبح الحشد الشعبي في نينوى بشكل رسمي، جزءًا من المنظومة الأمنية وهناك ثلاثة ألوية منتشرة في المحافظة، هي لواء 30 من الشبك ولواء 50 من المسيحيين، ولواء 52 من التركمان، وانتشرت بموازاة الحشد مكاتب اقتصادية تعود لتنظيمات في الحشد الشعبي مثل العصائب وكتائب الإمام علي، بالإضافة إلى فصائل أخرى مثل النجباء وسرايا الخراساني في نينوى.

وبهذا الصدد، قال عضو مجلس النواب العراقي والقيادي في الحشد الشعبي "منظمة بدر" مختار الموسوي، إننا "لم نصل إلى نهاية التحقيق بشأن الوضع في الموصل، واتهام الحشد من قبل نواب قد تكون تحت التهديد الخارجي لتشويه صورة الحشد، إضافة إلى أن المتهمين هم العصائب وجهات أخرى، وهم يقولون إنهم غير تابعين لنا"، في إشارة إلى المكاتب الاقتصادية.

اقرأ/ي أيضًا: تحت الموصل القديمة.. هكذا تعامل جثث جنود البغدادي

تابع الموسوي، أن "علاقة الحشد الشعبي النظامي جيدة بالناس في نينوى، وألوية 30 و 50 و 52 جميعهم من المحافظة، ولا يوجد من خارجها، لذلك فأن الحرب على الحشد تعد إعلامية، ولا يمكن اتهام أية جهة بأنها السبب بتدمير الموصل، من دون الحصول على النتائج النهائية معززة بالوثائق"، متهمًا بالوقت نفسه، الحكومتين المحلية والاتحادية في ما يجري بالموصل.

 ومع استمرار لجنة تقصي الحقائق عملها في نينوى، ظهر النائب أحمد الجبوري، العضو النيابي في تحالف البناء، التي يشكل الحشد الشعبي عامودها الفقري، ليعلن أن مهرب النفط من القيارة هو رجل ينتمي إلى كتائب الإمام علي، المنضوية في الحشد الشعبي ويدعى ابو رقية.

"ألترا عراق"، ألتقى بأبو رقية حيث يسكن في أربيل، للحديث عن أسباب اتهامه، حيث قال إن "من يتهمه هو من كان يهرب النفط عن طريق اشقائه"، مبينًا أن "الـ 100برميل التي تهرب من القيارة جنوبي الموصل إلى البصرة، قصة لا يمكن تصديقها باعتبار أن هناك المئات من حواجز التفتيش لمختلف صنوف الجيش والشرطة والحشد الشعبي والعشائري، متسائلًا "فكيف بإمكان شخص أن يهرب النفط بكل سهولة من دون أن يحاسب".

بينما يؤكد النائب، أحمد الجبوري في حديثه، أن "القوات الأمنية حاولت أكثر من مرة أن تمنع تهريب النفط لكنها عجزت خشية من الصدام مع الفصائل، لافتًا إلى أن "أحد الضباط الذين حاولوا أن يمنعوا التهريب قتل، وتحولت قضيته إلى "ضد مجهول".

اقرأ/ي أيضًا: تهريب نفط العراق.. أهلًا في "مزرعة" الحشد الشعبي!

يقول أبو رقية، إنه "لا ينتمي إلى أية جهة في الحشد وأنه تاجر نفط، ومستهدف لسبب واحد، وهو أنه من خارج نينوى، وهو جزء من القضية لكن كمعتدى عليه وليس معتدي" على حد تعبيره، فيما لا تزال الأسباب مجهولة عن أسباب عمل أبو رقية في نينوى وليس في مكان آخر.

حاول "ألترا عراق"، الحصول على تعقيب من أحمد الجبوري باعتباره من أثار هذه القضية واتهم فصيل من الحشد بـ"تهريب النفط"، لكنه رفض الإدلاء بأي تصريح قائلًا "يكفي ما كشفته سابقًا".

وعن عمليات تهريب مختلف الأشياء من نينوى، يرى محمد نوري العبد ربه، أن "عمليات التهريب تتم حسب نوعية المهرب، حيث أن السكراب "مواد حديدية ونحاسية" يتم تهريبه إلى إقليم كردستان العراق، مستدركًا في حديثه لـ"ألترا عراق"، لكن "ما يخص النفط فأنه يهرب إلى إيران، وفيما يخص السكائر والأغنام فأنها تهرب إلى سوريا"، لافتًا إلى أن "هناك وثائق رسمية تثبت عمليات التهريب، والحكومة المحلية في نينوى على علم بذلك".

 فيما يعتقد أستاذ العلوم السياسية في جامعة الموصل، بيان علي أغوان، أن "ما يجري في الموصل من أخطر الأحداث والشارع الموصلي يترقب ما يجري، وإن الحشود ومكاتبها الاقتصادية جزء كبير منها وتشير معلومات الحكومة إلى أن هناك استغلال لمناصب وأراض وآبار نفطية، وكثير من النفوذ الموجود تحت طائلة الحشد الشعبي".

أضاف أغوان، "نحن أمام تحدي مصداقية رئيس الوزراء بمكافحة الفساد وتحدي مصداقية لجنة تقصي الحقائق، حيث أن الشارع الموصلي ينتظر النتائج الحقيقة للتحقيقات وينتظر الإجراءات أيضًا".

يهرب "السكراب" من الموصل إلى إقليم كردستان ويهرب النفط إلى إيران فيما تهرب السكائر والأغنام من المحافظة إلى سوريا

لفت الأكاديمي إلى أنه "من الصعب أن تكون هناك مواجهة حقيقية بين السلطة التي يمثلها رئيس الوزراء والحشود لأن الطرف الأقوى والأشرس على الأرض هو الحشود، مشيرًا إلى أن "الحكومة العراقية لن تستطع أن تواجهه على المدى المنظور بخطوة سريعة ودقيقة إلا بدعم دولي".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

هل النصر في الموصل عسكريًا فقط؟

لماذا لن تنتهي "داعش" بعد الموصل؟