21-يناير-2023
سوشيال

علاقات "الفاشينستات" قد تميّع العدالة (فيسبوك)

لا يمتلك العراق القوانين الحديثة والمعاصرة لزمن الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، ولازال قانون العقوبات العراقي الذي مر على إقراره أكثر من نصف قرن، هو الحاكم والفيصل في منازعات الدولة مع المواطنين، وكذلك بين المواطنين أنفسهم.

أطلقت وزارة الداخلية منصة الكترونية تحت عنوان "بلّغ" لما اسمته بـ"المحتويات الإعلامية التي تتضمن إساءة للذوق العام

مع ذلك، لم يوقف هذا الأمر القوات الأمنية في العراق من اعتقال أشخاص أطاحت بهم مواقع التواصل الاجتماعي، سواء نتيجة لمحتوى معيّن يبثونه عبر حساباتهم، أو توثيقهم أثناء القيام بفعل ما يثير الجدل والضجة والغضب على مواقع التواصل، حتى مع عدم وجود شكوى واضحة، وغالبًا ما كانت هذه الاعتقالات من صنف واحد، حيث أنّ معظم هذه الاعتقالات كانت تطال أشخاصًا تتعلق محتوياتهم بالجانب الديني، أو اتُهموا بأنهم بـ"الإساءة للعقيدة أو للمذهب" أكثر من أي شيء آخر، ولعل أشهرهم "علوش جرمانة" في محافظة النجف التي تعود قضيته للعام 2019.

واليوم، ووفقًا لنشطاء، تتوجه وزارة الداخلية العراقية إلى جعل هذا الأمر "أكثر تنظيمًا" وارتقى إلى ما يمكن وصفه بـ"الحملة"، حيث لم تعدّ وزارة الداخلية تنتظر حدوث ضجة ما على مقطع فيديو أو محتوى معين على مواقع التواصل الاجتماعي، بل عمدت في 10 كانون الثاني/يناير الجاري إلى إطلاق منصة الكترونية تحت عنوان "بلّغ" تتيح للمواطنين الإبلاغ عما يعتقدون أن محتوياتهم الإعلامية المنشورة في مواقع التواصل الاجتماعي "تتضمن إساءة للذوق العام وتحمل الرسائل السلبية التي تخدش الحياء وتزعزع الاستقرار المجتمعي"، بحسب تعبير إعلان وزارة الداخلية المنشور على صفحتها الرسمية في "فيسبوك".

ومن غير المعروف ـ حتى الآن ـ سبب التوجه المفاجئ هذا لوزارة الداخلية، إلا أنّ عديدين ربطوا مجيئه بالتزامن مع أحداث رافقت بطولة خليجي 25 وسوء التنظيم وحرمان آلاف المشجعين ممن يمتلكون تذاكر دخول المباراة، مقابل دخول مايعرف بـ"الفاشنيستات" ومشهورات مواقع التواصل الاجتماعي إلى مقصورة الـ"VIP" في ملاعب البصرة وعبر عجلات خاصة رباعية الدفع، حيث أنّ مقاطع الفيديو التي قمن بنشرها من داخل الملاعب وفي طريقهن إليها وتصدرهن بشكل كبير خلال أيام البطولة أثارت ضجة واسعة ضد المؤسسات الأمنية والمنظّمة للبطولة، في الوقت الذي كان العراق يحاول تصدير صورة "غير مخجلة" أمام الجماهير الخليجية والعربية من خلال خليجي 25.

وجاء توجه وزارة الداخلية مدعومًا بـ"استياء" العراقيين من "الفاشنيستات" اللواتي أثرن أسئلة بتمكنهن من دخول الملاعب بسهولة وعبر عجلات خاصة والوصول إلى مقاعد "الشخصيات"، الأمر الذي هيأ لإعلان الداخلية وتوجهها، أن يحوز على دعم جماهيري، حتى انطلقت حملة إعلامية متوازية مع حملة الداخلية تحت عنوان "تصحيح"، الغرض منها مقاطعة المحتويات "السيئة" والإبلاغ عنها عبر منصة الداخلية.

وفي 16 كانون الثاني/يناير، أعلنت وزارة الداخلية، "تشكيل لجنة لمتابعة المحتويات في مواقع التواصل ومعالجة الهابط منها وتقديم صانعيها للعدالة"، مبينة أنّ "القضاء دعم مقترحات الأجهزة الأمنية حول ملف المحتوى في السوشل ميديا".

وأضافت أن "اللجنة باشرت عملها وحققت عملاً في الوصول إلى صنَّاع المحتوى الهابط والقبض عليهم".

بالتوازي مع ذلك، نشرت الوزارة في ذات اليوم، مقطع فيديو يتضمن عددًا من مقاطع الفيديو لمحتويات بعض مستخدمي مواقع التواصل المشهورين بمحتوياتهم المثيرة للجدل، لتعلق الداخلية عليه بـ"المحتوى الهابط إلى أين؟".

من يحاسب "الفاشينستات"؟

رغم الدعم الذي حصلت عليه وزارة الداخلية بحملتها الأخيرة، خصوصًا وأنها تزامنت مع "الغضب" الجماهيري من "الفاشينستات"، إلا أن آخرين طرحوا عدة إشكاليات وتساؤلات من بينها "التمييز" الذي سيجعل الإجراءات تطبق على شخص دون غيره ومحتوى دون آخر.

يستغرب "محمد أمين" وهو أحد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، "إقدام الداخلية على هذه الخطوة، في الوقت الذي تحتوي هذه المؤسسة على ضباط متهمين بتكوين علاقات مع الفاشينستات وصاحبات المحتوى الذي يوصف بالهابط، ويقدمون الدعم والتسهيلات لهن، ودخول الملاعب ومقصورة الشخصيات في بطولة خليجي 25 أكبر مثال على ذلك"، بحسب تعبيره.

ويضيف أمين في حديث لـ"ألترا عراق"، أنّ "هذه الحملة كما غيرها من الإجراءات الأمنية التي تتخذها القوات الأمنية في العراق ستكون تمييزية وستطال نماذج معينة دون غيرها"، معتبرًا أنه "من الأولى على الداخلية أن تراقب ضباطها والتحقيق بكيفية وصول الفاشينستات وغيرهن من المشهورات على مواقع التواصل الاجتماعي بمحتواهن المثير للجدل إلى داخل الملاعب في البصرة والدخول بالعجلات الحكومية، في الوقت الذي كان مئات الآلاف من الجماهير تتدافع أمام بوابة جذع النخلة ما أدى لتسجيل وفيات وعشرات الإصابات".

ووسط غياب المواد القانونية التي تحكم ضوابط مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أنّ صورة تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي لأحد المعتقلين من أصحاب المحتوى المثير للجدل في مواقع التواصل الاجتماعي والمعروف بـ"سيد علي"، تظهر أنه اعتقل وفق المادة القانونية 403 من قانون العقوبات.

 

 

وتنص هذه المادة، على أنه "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تقل عن مائتي دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من صنع أو استورد أو صدر أو حاز أو أحرز أو نقل بقصد الاستغلال أو التوزيع كتابًا أو مطبوعات أو كتابات أخرى أو رسومًا أو صورًا أو أفلامًا أو رموزًا أو غير ذلك من الأشياء إذا كانت مخلة بالحياء أو الآداب العامة".

لا معايير واضحة.. من يحدد نوع المحتوى المسيء؟

وتبقى المسألة الأكثر جدليّة، هي آليات ومعايير تصنيف المواد والمحتوى بأنه مسيء أو مخل بالآداب والذوق العام، التي ستتبعها وزارة الداخلية، وما إذا كان سيتم اعتماد التصنيفات عبر مراجعة المحتوى المبلغ عنه قبل الشروع بأصدار مذكرة القبض، أم يتم اعتقال الشخص المقصود فور تقديم التبليغ عنه من قبل المواطنين عبر المنصة الالكترونية، ويبقى التقييم مرهون بالقاضي بعد صعود المعتقل إلى المحكمة.

وتواصل "ألترا عراق" بهذا الشأن مع المتحدث باسم وزارة الداخلية خالد المحنا، الا أنه لم يجب على طلبات التعليق.

من جانب آخر، يقول مسؤول إعلام وزارة الداخلية اللواء سعد معن في حديث لـ"ألترا عراق"، إنّ "قرارًا قضائيًا صدر بتشكيل لجنة من الداخلية وتشكيل محكمة خاصة بالنشر"، مبينًا أنّ "اللجنة باشرت بعملها ومستمرة برصد المحتوى، وتم تحرير مذكرات قبض وتم اعتقال بعض الذين يروجون للمحتوى السلبي الهدام الذي يدعو للانحلال ولا ينسجم مع المجتمع العراقي".

وأكد أنّ "لجنة الداخلية استقبلت أيضًا عبر المنصة التي أطلقتها للإبلاغ، مئات الدعاوى والمحتويات"، معتبرًا أنّ "القصة لا تتعلق بحرية الرأي والتعبير، والعراق بلد مصانة به حرية الرأي والتعبير، لكن اليوم نتكلم عن الإساءة والمحتوى السلبي الهدام".

قالت وزارة الداخلية إنها مستمرة برصد المحتوى "الهابط" وتم اعتقال بعض أصحاب "المحتوى السلبي"

بالمقابل، يؤكد عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية ياسر أسكندر، في حديث لـ"ألترا عراق"، أن "بعض القضايا الأمنية تكون الحكومة التنفيذية أكثر معرفة وإحاطة بها من السلطة التشريعية، ولا نريد التدخل كلجنة أمن ودفاع في كل شيء"، مبينًا أنّ "هنالك تجاوزات بدأت تظهر في الآونة الأخيرة وانفلات يحتاج للضبط".

لكنّ أسكندر أوضح أنّ "الداخلية يجب أن تشكل لجنة تضع المعايير والضوابط الواضحة لهذا الأمر، وإذا لم يتم تحقيق هذا الشرط، فإننا في لجنة الأمن والدفاع لن نسمح لهذا الأمر بالمضي".