18-مارس-2017

يعتمد غالبيّة طلبة العراق على الدروس الخصوصية (حيدر هادي/ الأناضول)

وجد أحمد مازن، الطالب العراقي المقيم في بغداد، نفسه في متاهة التناقض في تقييم مستواه الدراسي بين البيت والمدرسة. ففي حين يحدد والدا طالب المرحلة الثالثة من الدراسة الثانوية مستواه في المواد الأساسية بأكثر من جيد جدًا، تأتي علاماته الدراسية الشهرية متدنية وتضعه في خط خطر عدم الدخول في الامتحانات العامة "البكالوريا".

يعتمد غالبيّة طلبة العراق على الدروس الخصوصية، ولاسيما طلبة السنة الأخيرة من المرحلة الثانوية لدخول الجامعة التي تستهويهم

والد أحمد، وهو مهندس ميكانيكا، راجع إدارة مدرسة ابنه عدة مرات، وفي كل مرة كان يصطدم بذريعة طرق تدريس المناهج وعدد الطلاب المرتفع في الصف الواحد، إلى أن وصل إلى قناعة مفادها أن ابنه ما لم يدخل دورة دروس خصوصية عند أحد مدرسي مدرسته فإنه لن يتخطى مرحلة الامتحانات التمهيدية لدخول الامتحانات العامة، وهكذا صار يقتطع مبلغ الدروس الخصوصية من مرتبه الذي بالكاد يسد احتياجات العائلة.

اقرأ/ي أيضًا: الدروس الخصوصية.. هوس طلاب الثانوية العامة في غزة

وتعرف ظاهرة التدريس الخصوصي بأنه كل جهد تعليمي إضافي يتلقاه الطلبة بدافع من أنفسهم أو نتيجة لظروف خارجة عنهم، ويقوم أحد مدرسي المدرسة أو من خارجها سواء كان ذلك بصورة فردية أم جماعية داخل المدرسة أم خارجها، بعيدًا عن الخطة الدراسية والجدول المدرسي ويكون ذلك مقابل أجر.

وإذ لا يختلف الخبراء حول تعريف الظاهرة، فإنهم يختلفون حول إيجابياتها وسلبياتها. لكن الرأي الغالب هو أن سلبياتها أكثر من إيجابياتها، كما أنها ظاهرة نتجت عن تدني مستوى التعليم بشكل عام من حيث المناهج وإعداد المدرسين وضعف رواتبهم مما ينعكس على مكانتهم الاجتماعية وكذلك ضعف مستوى الطلبة وتسربهم من المدارس وضعف دور الرقابة الأسرية إضافة إلى ضعف إدارات المدارس في متابعة غيابات الطلبة وزاد في ذلك الظروف الأمنية التي يمر بها البلد والتحريض على عدم الدوام واختطاف المدرسين والطلبة.

ونتيجة لكل هذا، أخذ غالبيّة طلبة العراق بالاعتماد على الدروس الخصوصية، ولاسيما طلبة السنة الأخيرة من المرحلة الثانوية لغرض الحصول على معدلات عالية تؤهلهم لدخول الجامعات والكليات التي تتطلب معدلات عالية مثل المجموعة الطبية والهندسية واللغات.

غير أن البعض يبرر ظاهرة الدروس الخصوصية بعدم استقرار الوضع الأمني وكثرة العطل الوطنية والدينية في العراق التي تكاد توقف الدوام بما يعادل ربع العام الدراسي. وفي الامتحانات الوزارية لا يراعي واضعو الأسئلة هذه المعوقات، كما أنهم لم يراعوا ما إذا كانت هذه المدرسة أو تلك لم تكمل المنهج المقرر خصوصًا وأن بعض المدارس تشكو من وجود الشواغر الذي قد يستمر طيلة العام الدراسي.

ودفاعًا عن المدرسين الذين يمتهنون الدروس الخصوصية، يقول أحد مدراء المدارس "لا ألوم زملائي المدرسين الذين يعطون دروسًا خصوصية لأني على يقين بأن رواتبهم لا تكفي لسد متطلبات المعيشة في ظل الارتفاع الكبير لأسعار السلع والخدمات خصوصًا وأن الكثير منهم أصحاب عوائل كبيرة"، لافتًا إلى أن "على وزارة التربية التي تمنع التدريس الخصوصي، أن توفر للمدرسين أولًا سبل العيش الكريم ثم لتتشدد معهم عند إخلالهم بواجباتهم التربوية".

اقرأ/ي أيضًا: طلاب مصر .. "صفر" في القراءة والكتابة

يبرر البعض ظاهرة الدروس الخصوصية في العراق بعدم استقرار الوضع الأمني وكثرة العطل التي تكاد توقف الدوام

ورغم العدد الكبير في شواغر الدرجات التدريسية في العراق، فإن التعيين ضمن ملاكات وزارة التربية يمر بطرق وعرة أولها السماسرة الذين يطلبون مبالغ كبيرة لتوظيف الخريجين كمدرسين ومدرسات أو معلمين ومعلمات في المدارس العراقية وليس آخرها المبالغ المضافة للتعيين في المدارس القريبة من سكن هؤلاء، وإلا فإنهم يواجهون ما يشبه حالة النفي نحو مدارس النواحي والبلدات البعيدة، ونتيجة عجز بعض هؤلاء عن دفع "المعلوم"، وجدوا أنفسهم مضطرين للعمل كمدرسين خصوصيين في منازلهم.

زينة عادل، التي تخرجت منذ عامين من قسم الفيزياء في كلية العلوم، لم تجد بدًا من بيع مصوغات أمها الذهبية لتوفير مبلغ ألفي دولار وهو الثمن الذي طلبه أحد سماسرة وزارة التربية لتوظيفها كمدرسة في المدارس الإعدادية.

لكن فرحة زينة بالتعيين لم تكتمل، إذ أخبرها السمسار أن موظفين كبار في الوزارة رفعوا المبلغ إلى ستة آلاف لتوظيفها كمدرسة وخمسة آلاف دولار لتعيينها معلمة في المدارس الابتدائية، وسبب التطور الجديد بحسب السمسار هو الإقبال الشديد من قبل الخريجين على إيجاد وظيفة تدريسية لما لها من امتيازات في المرتب والمخصصات، إضافة إلى العطلتين الربيعية والصيفية اللتين تمتدان لأشهر.

وسط حيرتها، تلقت زينة مقترحًا من إحدى جاراتها يقضي بإعطائها دروسًا خصوصية لطلبة المرحلتين المتوسطة والثانوية ضمن اختصاصها. ترددت زينة في بادئ الأمر خوفًا من محيطها الاجتماعي الذي لا يرحم حالة دخول وخروج الشباب من الطلبة إلى البيوت، حيث تنشط الأقاويل والشائعات التي تنهش الأعراض، لكنها حزمت أمرها وبدأت الخطوة الأولى في مرحلة التدريس الخصوصي التي فاجأتها بالتصاعد السريع لعدد الطلبة الذين يحتاجون دروسًا خصوصية في المواد العلمية مثل الفيزياء والكيمياء والرياضيات.

تقول زينة إنها ليست جشعة ولا تثقل كاهل عوائل الطلبة ماديًا، فهي تتقاضى خمسين ألف دينار، نحو "خمسة وثلاثين دولارًا" عن كل مادة شهريًا. لكنها تؤكد أن عدد الطلبة المسجلين لديها وتعدد المواد يدر عليها مبلغًا قد يوازي، إن لم يفق، راتب المدرس الحكومي. وعن المواد التي يسعى الطلبة إلى تلقيها عند المدرس الخصوصي، تقول زينة إنها المواد العلمية بشكل عام تليها مادة اللغة الإنجليزية ثم العربية وتأتي مواد التاريخ والجغرافيا في نهاية القائمة.

ووسط اللغط الحاصل حول مدى سلبية وإيجابية الدروس الخصوصية، يحتفظ المدرس بجزء من الحق بممارسة الدروس الخصوصية، فيما يحتفظ الطالب بكامل الحق في تعاطي الدروس الخصوصية نتيجة طموحه وعائلته في نيل أعلى الدرجات لدخول كليات المجموعتين الطبية أو الهندسية، وهو طموح مشروع لا تحققه المدارس التي تعاني من نقص في الكادر التدريسي ومستلزمات الدراسة، إضافة إلى فوضى العطل الرسمية الوطنية والتي تشكل في العراق أعلى معدل سنوي مقارنة بمختلف دول العالم.

اقرأ/ي أيضًا: 

عن مجانية التعليم في مصر وعوالم موازية

التعليم المهني بغزة.. بوابة فرص