12-سبتمبر-2015

22 تشرين الثاني/نوفمبر 2013 في مدينة نصر بالقاهرة (Getty)

في مقدمة كتابه "اشتهاء العرب"، ينتقد البروفيسور الفلسطيني، جوزيف مسعد، غياب التحليلات الاقتصادية عن سجالات أغلب مفكري العرب، الذين انشغلوا بالبحث عن أسباب هزيمة حزيران/يونيو 1967، وحصر هذه الأسباب في العوامل الثقافية فقط، باعتبار الثقافة عاملًا مستقلًا.

 عدم وضع المسائل الاقتصادية على قائمة الأولويات، ظل مستمرًا حتى زمن الانتفاضات العربية

يبدو أن عدم وضع المسائل الاقتصادية على قائمة الأولويات، ظل مستمرًا حتى زمن الانتفاضات العربية. فبالرغم من أن الشارع المصري الذي يعيش أكثر من 80% منه على خط الفقر أو تحته، كانت مطالبه اقتصادية، في المقام الأول. إلا أن الإخوان الذين تسلموا حكم مصر لعام واحد، لم تختلف سياساتهم الاقتصادية عن سياسات مبارك (وخصوصًا أن من تصدر المشهد من قيادات الإخوان هم الشق النيوليبرالي)، وحتى معارضوهم من الليبراليين واليساريين، على حد سواء، كان نقدهم أيضًا للإخوان من منطلق ثقافوي فقط. 

فلم نسمع نقدًا لسياسات الإخوان الليبرالية، بقدر ما سمعنا نقدًا لاذعًا لأيديولوجيا الإسلاميين، الذين يُوضعون دائمًا إلى جانب الليبراليين، في سلة واحدة، تجمع بين شيعة إيران وجماعة التبليغ والدعوة الهندية وجماعة الجهاد والإخوان المسلمين، فقط، لأنهم جميعا ملتحون. 

المبررات التي قدمتها هذه النخبة لاختيار الإطاحة العسكرية، بحكم الإخوان المسلمين، بدلًا من خيار المواجهة السياسية، وتبني رواية المؤسسة العسكرية عن "ميلشيات الإخوان"، التي ستُدخل مصر في قائمة دول الحرب، كسوريا وليبيا والعراق واليمن، كانت تنطلق من فكرة أساسية، مفادها أن المؤسسة العسكرية أكثر علمانية، على أية حال، بالنسبة للقسم الأكبر من العلمانيين المصريين، الذين دخلوا في تحالف رصين مع المؤسسة العسكرية والبورجوازية المباركية، برعاية خليجية، تقودها المملكة العربية السعودية. 

أدى هذا التحالف إلى الإطاحة العسكرية العنيفة، ليس فقط بأول رئيس مدني منتخب، بل بجماعة الإخوان التي عادت إلى السجون مرة أخرى، وصولًا إلى مذبحة "رابعة" وما تلاها من أحكام عشوائية بالإعدام وعودة للمحاكمات العسكرية، كل ذلك أيده القطاع الأكبر من العلمانيين، دون عضة من ضمير، مبررين ذلك بأن الإخوان هم الذين بدؤوا لعبة مفاوضة العسكر من أجل الوصول إلى الحكم. كأن مشكلة هذه النخبة كانت تتلخص في أن المؤسسة العسكرية جلست للتفاوض مع الإخوان، بدلًا منهم، وأنهم كانوا الأجدر بالتفاوض.  

وبعيدًا عن الدخول في مسمى ما حدث في 3 تموز/ يوليو 2013، والمظاهرات الحاشدة التي شاهدتها مصر في 30 حزيران/يونيو، يهمنا أن نبحث في المكاسب السياسية التي تم إنجازها من وراء هذا التحالف، بعد مرور ثلاثة أعوام. لأن أبرز هذه المبررات التي اتكأت عليها هذه النخبة، سواء كانت علمانية المؤسسة العسكرية أو خطورة ميلشيات الإخوان، تبدو اليوم واهنة، بصورة أوضح. وخصوصًا بعد صعود نجم الرئيس المتدين، أكثر من الإخوان، عبد الفتاح السيسي، والقبض على مرشد الميليشيا، محمد بديع، وصولًا إلى الجيل الثالث من شباب الإخوان.

"اعتصام المثقفين" هو صورة مصغرة لما حدث في مصر بشكل عام

من يسمون بالكُتَّاب الكبار في مصر، والأسماء الثقافية البارزة، لعبوا دورًا أساسيًا في هذا التحالف العلماني/ العسكري. فبعد اختيار الإخوان وزيرا للثقافة من خارج شلل المثقفين، وبمجرد إطاحته بأسماء ثقافية، تشوبها تهم فساد، قامت قيامة هؤلاء المثقفين، واعتصموا أمام مكتب علاء عبد العزيز، وزير ثقافة الإخوان، مطالبين بإسقاطه، بدعوى "أخونة الثقافة". ذلك المصطلح الفضفاض، الذي تم اختراعه على أيدي صبيان جابر عصفور، الذراع الأيمن لفاروق حسني، وزير ثقافة مبارك لربع قرن، الذي قام بتسييس مصطلح "التنوير" في مقابل "الظلامية" على مدار عقود، في محاولة لجرِّ المثقفين إلى معارك وهمية مع الإسلاميين بدلا من نقد السلطة.

لعل ما حدث في "اعتصام المثقفين" هو صورة مصغرة فيما حدث في مصر بشكل عام. تحالف المثقفين مع دولة مبارك، ضد أخونة الثقافة، كان جزءًا من التحالف العلماني/ العسكري ضد أخونة الدولة. وبغض النظر عن أن جميع القوى السياسية في مصر، الإسلامية والعلمانية، ساهمت في تصوير الصراع المصري باعتباره صراعًا إسلاميًا/ علمانيًا على حساب الصراع الاقتصادي، إلا أنه كان من المفترض أن نكون على موعد بعد تسعة أشهر مع انتخابات رئاسية، بعد مرور أربعة أعوام على حكم الإخوان، وكان من الممكن أن تتم إزاحتهم عن الحكم سياسيًا، عن طريق الصناديق، فهل أثمر تحالف "30 يونيو" عن أي شيء غير العودة خطوتين إلى الوراء؟