12-أبريل-2017

فن إسلامي من القاهرة

ترجم هذا المقال، بشيء من التصرف، عن موقع صحيفة إيكونومست.


قبل آلاف السنين، كانت المدن العربية الكبرى بغداد ودمشق والقاهرة تسبق العالم الغربي بمراحل. وكان الإسلام والابتكار توأمين. كانت الخلافة العربية من القوى العظمى الديناميكية التي تعد منارة التعلم والتسامح والتجارة. ولكن العرب اليوم في حالة بائسة. وفي الوقت الذي تتقدم فيه آسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا، يعوق الشرق الأوسط الاستبداد وتزاحم الحروب. وفي حين ارتفع منسوب الأمل منذ عدة سنوات، عندما أدت موجة من الاضطرابات في المنطقة إلى الإطاحة بأربعة مستبدين في تونس، ومصر، وليبيا، واليمن، وإلى نزاع من أجل التغيير في أماكن أخرى، ولا سيما في سوريا، إلا أن فاكهة الربيع العربي قد تعفنت نتيجة تجدد الحكم الذاتي القديم والحرب. وكلاهما يولد البؤس والتعصب اللذين يهددان اليوم العالم أجمع.

فاكهة الربيع العربي قد تعفنت نتيجة تجدد الحكم القديم والحرب

فلماذا فشلت الدول العربية في خلق الديمقراطية وتحقيق السعادة لسكانها البالغ عددهم 350 مليونًا؟ تعد هذه واحدة من الأسئلة العظيمة في عصرنا. ما الذي يجعل المجتمع العربي عرضة للأنظمة الخبيثة والمتعصبين العازمين على تدميرها، مع حلفائها في الغرب؟ لا أحد هنا يفترض أن العرب كشعب يفتقرون إلى المواهب أو يعانون من الكراهية المرضية للديمقراطية، لكن حتى يستيقظ العرب من كابوسهم، وحتى يشعر العالم بالأمان، يجب أن تتغير أقدار كبيرة هنا.

لعبة اللوم

واحدة من المشاكل المهمة هنا أن مشاكل الدول العربية واسعة جدًا في نطاقها. فالواقع أن سوريا والعراق لا يمكن حتى أن يطلق عليهما اليوم صفة الدولة أصلًا. وقد أعلنت جماعة من الجهاديين أن حدود الدولتين باطلة، لتولد بدلًا من ذلك خلافة إسلامية جديدة لاحتضان العراق وسوريا الكبرى (بما في ذلك إسرائيل وفلسطين ولبنان والأردن وبعض من أراضي تركيا)، وفي الوقت المناسب العالم كله. ويسعى قادتها إلى قتل غير المسلمين ليس فقط في الشرق الأوسط بل أيضًا في شوارع نيويورك ولندن وباريس. وقد عادت مصر إلى الحكم العسكري. أما ليبيا، وبعد الزوال العنيف لمعمر القذافي، فقد وقعت تحت رحمة الميليشيات الجامحة. ويمر اليمن اليوم بحالة من التمرد والقتال الداخلي وتدخلات لقوى خارجية كالقاعدة. بل إن دولًا مثل السعودية والجزائر، التي تحفظ نظمها بثروة من النفط والغاز وتدعمها أجهزة أمن الدولة القاسية، أكثر هشاشة مما تبدو عليه. إن تونس وحدها، التي فتحت محاولة العرب للحرية قبل عدة سنوات، قد بدأت الطريق نحو ديمقراطية حقيقية.

اقرأ/ي أيضًا: الأصالة الفلسفية الإسلامية.. أشكلة النقل والترجمة

الإسلام، أو على الأقل إعادة تفسيره الحديث، هو في صميم بعض المشاكل العميقة للعرب. ادعاء الإيمان، الذي تروج له العديد من الحركات، للجمع بين السلطة الروحية والدنيوية، مع عدم الفصل بين المسجد والدولة، قد تؤدي إلى تقزم تطوير المؤسسات السياسية المستقلة. كما أن هناك أقلية مسلمة محاصرة في البحث عن الشرعية من خلال تفسيرات أكثر تعصبًا من القرآن. وقد لجأ مسلمون آخرون، مهددون بعنف الميليشيات والحرب الأهلية، إلى طوائفهم. فمثلًا في العراق وسوريا كان الكثير من الشيعة والسنة يتزاوجون. بينما يلجؤون اليوم في الغالب إلى تشويه صورة بعضهم البعض. وانتشر هذا الانحراف العنيف لتفسير الإسلام إلى أماكن بعيدة مثل شمال نيجيريا وشمال إنجلترا.

ولكن التطرف الديني هو قناة للبؤس، وليس جوهر قضيته الأساسي. في حين تؤدي الديمقراطيات الإسلامية في أماكن أخرى (مثل إندونيسيا) أداء حسنًا، يبدو أن نسيج الدولة الأساسي في العالم العربي ضعيف جدًا. ولم يكن هناك تاريخيًا سوى عدد قليل من الدول العربية التي نجحت لتشكل أمة حقيقية لفترة طويلة، ولا بد أن نأخذ بالاعتبار هنا التأثير السلبي للإمبراطورية العثمانية في المنطقة، ومن بعده كارثة الاستعمار البريطاني والفرنسي في المنطقة بعد الحرب العالمية الأولى. 

في معظم أنحاء العالم العربي، استمرت القوى الاستعمارية في السيطرة على الأحداث أو التأثير عليها حتى الستينات من القرن الماضي. ولم تنجح الدول العربية حتى الآن في تعزيز الشروط المؤسسية الأساسية للديمقراطية - وإعطاء الخطاب البرلماني، وحماية الأقليات، وتحرير المرأة، والصحافة الحرة، والمحاكم المستقلة، والجامعات، والنقابات العمالية حقها.

تونس وحدها، التي فتحت محاولة العرب للحرية قبل عدة سنوات، بدأت ديمقراطية حقيقية

غياب دولة ليبرالية يعني غياب اقتصاد ليبرالي. بعد الاستقلال، كانت العقيدة السائدة ترتكز على التخطيط المركزي، المستوحى غالبًا من السوفيات. وقد خنقت الحكومات العربية اقتصاداتها واتبعت سياسات مناهضة للسوق، ومكافحة للتجارة الحرة، ومؤيدة للتنظيم الحكومي. وترأست الدولة القوة الاقتصادية، خاصة حيثما كان النفط مادة الاقتصاد. وما إن تم رفع القيود الاشتراكية ما بعد الاستعمارية، استقر نوع من الرأسمالية المبنية على المحسوبية واستخدام الأجنبي، كما حدث في السنوات الأخيرة من مصر حسني مبارك. فكانت الخصخصة موجهة إلى المعارف العاملين في الحكومة. لم تكن هناك أسواق حرة، بالكاد استطاعت أي شركات ذات مستوى عالمي أن تتطور، واضطر العرب الذين أرادوا التفوق في الأعمال التجارية، أو المنح الدراسية، أن يذهبوا إلى أمريكا أو أوروبا للقيام بذلك.

اقرأ/ي أيضًا: التاريخ الضائع للتسامح الثقافي

أدى الركود الاقتصادي إلى حالة من السخط وعدم الرضا. كما دافع الملوك والرؤساء عن أنفسهم بتوظيف أجهزة الشرطة السرية. وأصبح المسجد مصدرًا للخدمات العامة وأحد الأماكن القليلة التي يمكن فيها للناس أن يجتمعوا ويسمعوا الخطب. كان خطاب الإسلام المطروح حينها متطرفًا، والرجال الغاضبون الذين كرهوا حكامهم صاروا يكرهون الدول الغربية التي تدعم وجود هؤلاء الحكام. وفي الوقت نفسه، تزايد وجود الشباب الغاضب بسبب البطالة.

وبفضل وسائل الإعلام الإلكترونية، أصبحوا يدركون بشكل متزايد أن آفاق وجودهم خارج الشرق الأوسط كانت تحمل آمالًا أكبر بكثير. وليس من العجب أنهم خرجوا إلى الشوارع في الربيع العربي، لكن العجب أنهم لم يفعلوا ذلك في وقت أبكر.

الكثير من الخراب

وهذه الأخطاء لا يمكن تصحيحها بسهولة أو بسرعة؛ فالقوى الخارجية التي غالبًا ما يتم جرها إلى المنطقة كغزاة ومحتلين، لا يستطيعون ببساطة القضاء على الجهادية أو فرض الرخاء والديمقراطية. وهذا يجب أن يكون واضحًا، على الأقل، بعد الغزو الكارثي واحتلال العراق في عام 2003. على العكس فإن الدعم العسكري - وتوريد الطائرات بدون طيار وعدد قليل من القوات الخاصة - قد يساعد على إبقاء الجهاديين في العراق. وقد تتحول هذه الحالة إلى وضع دائم. وحتى لو لم يكن من المرجح أن تصبح الخلافة الجديدة دولة معترفًا بها، فإنها قد تنتج لسنوات عديدة جهاديين قادرين على تصدير الإرهاب.

الدعم العسكري، وتوريد الطائرات بدون طيار وعدد قليل من القوات الخاصة، قد يساعد على إبقاء الجهاديين في العراق

ولكن العرب فقط هم الذين يستطيعون عكس مسار اتجاههم الحضاري، وليس هناك في الوقت الراهن أمل كبير يذكر في حدوث ذلك. المتطرفون لا يقدمون شيئًا، وشعار الملوك والعسكريين هو "الاستقرار". في وقت من الفوضى، مفهومة الأسباب، لا يصير القمع والركود أفضل الحلول. لم تنفع هذه السبل من قبل. بل في الواقع شكلت السبب الجذري للمشكلة. حتى لو انتهت الصحوة العربية في الوقت الراهن، فإن المحركات القوية التي أدت إلى تلك الحالة لا تزال موجودة. فلا يمكن وقف وسائل الإعلام الاجتماعية التي أثارت هذه الموجة من الثورات، كما ويحتاج رجال القصور وداعموهم الغربيون إلى فهم أن الاستقرار يتطلب الإصلاح.

اقرأ/ي أيضًا: علم النفس.. تأسيس إسلامي

هل هذا أمل بلا جدوى؟ التوقعات اليوم تشير إلى دماء ودمار. ولكن المتعصبين في نهاية المطاف يلتهمون أنفسهم. وفي الوقت نفسه، فإن السنة المعتدلين الذين يشكلون غالبية المسلمين العرب بحاجة إلى أن جعل أصواتهم مسموعة. وعندما تأتي اللحظة، تحتاج هذه الأغلبية إلى أن تعيد إلى عقولها القيم التي جعلت العالم العربي عظيمًا في يوم من الأيام. فقد كان هذا العالم صاحب الأسبقية في الطب والرياضيات والهندسة المعمارية وعلم الفلك. وازدهرت فيه التجارة الرائعة للتوابل والحرير وغير ذلك. وكان العالم العربي في أفضل حالاته ملاذا عالميا لليهود والمسيحيين والمسلمين من طوائف عديدة، حيث تعزز التسامح الإبداع والاختراع.

التعددية والتعليم والأسواق المفتوحة: كانت هذه القيم العربية فيما مضى وبإمكانها أن تكون كذلك مرة أخرى. اليوم، وفيما السنة والشيعة يمزقون بعضهم في العراق وسوريا، ويستقر عسكري جديد على عرشه في مصر، تبدو الآفاق البعيدة مأساوية. ولكن بالنسبة للشعب الذي عانى من العديد من الأخطاء، فإن هذه القيم لا تزال تشكل رؤية لمستقبل أفضل.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الثورات العربية بين التحرر والحرية

الثورات وصعود التيارات الإسلامية