11-ديسمبر-2015

تشييع ضحايا سبايكر في 2015 (Getty)

عندما أعدم تنظيم "داعش" 1700 جندي عراقي، أو أكثر، بعد أسرهم في حزيران/ يونيو 2014، في مدينة تكريت، شمالي العراق، لم يكن وحده من شارك بقتلهم، هناك الملايين الصامتة لعبت دورًا في تغييب حقوق الضحايا وذويهم، مثلها فعلنا مع ما حدث للأيزيديين، وغيرها من الانتهاكات الكبيرة والكثيرة التي حدثت خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية.

لكي تشارك بالجريمة اصمت فقط على الفعل ولا تُدافع عن الضحايا

صار من السهل أن تحدث مجزرة ما، فنسمع بها ونكتب عنها قليلًا في عالمينا الافتراضيين الأزرقين، ثم ننسى. لأننا بكل تأكيد ننتظر مجزرة وجريمة وتهجير ونزوح ومأساة جديدة، فالعراقي أصبح يستسيغ الآلام مهما كانت قوتها، فهي جزء من حياته، أو ربما حياته أصبحت جزءًا منها.

دائماً ما أشاهد ذوي ضحايا مجزيرة سبايكر وهم يقفون، يقعدون، ينامون... على الطريق القريب من المنطقة الخضراء التي تضم مقارَ حكومية. أجد نفسي وأنا أشاهد الأمهات يبكين أولادهن واحدًا من المجموعة التي نفذت تلك الجريمة بهم، بصفتيَ مواطن – صحفي، لأنني جزء من الشعب الذي تناسى حقوقهم، ومن المؤسسة الصحفية العراقية التي لا تكف عن الترويج للساسة وتُغيب حقوق هؤلاء الضحايا. أن تٌشارك بالجريمة، لا يعني أنك بحاجة لسلاح، أو لحية طويلة، أو لباس أفغاني أسود، وشعر طويل أشعث، وخلفك راية تنظيم إرهابي. اصمت فقط على الفعل، ولا تُدافع عن الضحايا، ولا تكتب عنهم. هذا يكفي أن تكون واحداً من الجُناة أو المساهمين بذلك.

منذ أكثر من ستة أشهر غابت النشرات الإخبارية والبرامجية التلفزية وتغطيات الصحف العراقية عن أحداث سبايكر، كما غابت الأخبار التي تتحدث عن تداعيات نزوح الايزديين والمسيحيين وسكان الأنبار وصلاح الدين والموصل، وعاد كل شيء مثلما كان قبل العاشر من حزيران/ يونيو 2014، عندما كان يتصدر الساسة نشرات الأخبار.

المتورطون من الساسة بحادثة سبايكر متناغمون الآن مع الهدوء الإعلامي حول حادثة سبايكر، مثلهم المتورطون بتهجير الأيزديين والتسبب بسقوط الموصل وسرقة أموال النازحين من الأنبار وصلاح الدين، لأننا لم نعد نتطرق لتلك الأحداث، وكأنها أصبحت من المسلمات في حياتنا.

نحن مشاركون في مأساة الضحايا دون أن نعلم، فلا أحد يكتب قصة صحفية عن وجود عشرات العوائل كل اسبوع امام بوابة المنطقة الخضراء من ضحايا سبايكر، ولا برنامج تلفزيوني سُمي باسم هذه المجزرة يبحث عن الحقيقة، ولا عن هجرة المسيحيين والأيزديين التي تسبب بها سيطرة تنظيم "داعش" على الموصل. كُتاب المقالات الذي يشكلون على الأقل تأثيرًا في مواقع التواصل الاجتماعي غيبوا من دون قصد حقوق الضحايا وذويهم، وراحوا منشغلين يكتبون عن أمور ثانوية لا تتناسب وحجم الكارثة التي تعرض لها آلاف العراقيين من نزوح واختطاف وقتل وإغتصاب وتهجير.

ما نحتاجه الآن حتى لا نكون مشاركين في الجرائم التي حدثت للعراقيين، أن نعمل سوية على الكتابة بشكل مستمر عن ما حدث، وأن نحاول التقصي ولو بطرق بسيطة عن المتسببين بذلك، ولو أني على يقين أن التقصي صعب في ظل وجود مافيات سياسية كبيرة. علينا تحمل مسؤولية إثارة الرأي العام أكثر حتى لا نتعرض لمجازر جديدة ونكون مشاركين للإرهاب بصمتنا تجاهها.

اقرأ/ي أيضًا:

مفوضية حقوق الإنسان في العراق!

عراق تائه بين السفارات وتلفوناتها