04-مارس-2020

يبحث بعض الصحافيين عن أكبر عدد من النقرات أو المشاهدات (Getty)

تذكر التقارير والإحصاءات أن عدد شهداء الكلمة في العراق بلغ 32 شهيدًا في عام 2006، وتذكر أيضًا أن التاريخ لم يشهد مثل هذا العدد من شهداء الصحافة في عام واحد وفي بلد واحد.

وصل هوس الشهرة أو ما يعرف بـ "الطشة" إلى حد بات معه تزوير الحقائق أمر جد طبيعي ممن يدعون انتماءهم للصحافة 

أطوار بهجت، علي الخطيب، رشيد والي، وآخرهم أحمد عبد الصمد، صحافيون ضحوا بحياتهم من أجل كلمة ومن أجل نقل الحقيقة كما هي دون أن تحرف، هذا هو الوجه الحقيقي لمهنة الصحافة (مهنة المتاعب كما يسميها البعض)، المهنة التي تعتمد على جمع وتحليل الأخبار والآراء (والتحقق من مصداقيتها) ومن ثم تقديمها للجمهور بشكل لائق، لكن ومع الأسف الشديد أصبح لهذه المهنة وجه آخر!

وبعد سيطرة مواقع التواصل الاجتماعي على الحياة بكل مفاصلها أصبحت أيضًا تسيطر على عقول المتابعين، ومع الأسف بعض الصحافيين، فقد وصل هوس الشهرة أو ما يعرف بـ "الطشة" إلى حد بات معه تزوير الحقائق أمر جد طبيعي ممن يدعون انتماءهم للصحافة لغرض الحصول على عدد أعلى من المشاهدات، وما يزيد الطين بلة هو أن معظم المحطات التلفزيونية المحلية أصبحت تبحث عمن لديه عدد متابعين رقميين أكثر، وحضور أوسع على مستوى الوشيال ميديا، دون الأخذ بعين الاعتبار نوع المحتوى الذي يبثه ليحصل على الآف وملايين من المتابعين! فكلما كان متابعوك أكثر كلما حصلت على عروض مغرية للعمل وبرواتب خيالية. 

اقرأ/ي أيضًا: حلم التغيير وشروطه الغائبة

وهذا مادفع العديد من الصحافيين إلى بث محتوى غير حقيقي أو محتوىً يتعلق بمواضيع حساسة جدًا دون أن يستند إلى قواعد العمل الصحافي، في مجتمع يغلب عليه الطابع العشائري والعادات والتقاليد، بهدف جذب أكبر عدد من النقرات أو المشاهدات.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو هل أن هؤلاء الأشخاص حقيقيون أولاً؟ وهل هذه القصة حقيقية أم لا؟ والجواب غالبًا لا، فتلك المواد غالبًا ما تصنع عبر اتفاق مع أشخاص يؤدون أدوارهم فيه مقابل مبالغ مالية من قبل الصحافي أو المراسل التلفزيوني، لتظهر المادة تحت عنوان "تحقيق استقصائي"!

لكن هذا لايعني أن المجتمع العراقي يخلو من المشاكل الاجتماعية الحساسة والأزمات الأخلاقية، فجرائم اغتصاب الأطفال وقتلهم أو الاتجار بالمخدرات والأعضاء البشرية والفتيات لأغراض الدعارة، قائمة على قدم وساق، لكن غالبية الضحايا إن لم يكن جميعهم يرفضون الظهور على القنوات التلفزيونية للحديث عما تعرضوا له، في ظل المجتمع العشائري الذي تحكمه العادات والتقاليد بشكل صارم.

تجرد بعض الإعلاميين من إنسانيتهم واستغلوا فقر طبقات اجتماعية سحقتها الأوضاع التي مرت بها البلاد لصناعة محتويات "الطشة"

والأدهى من ذلك أن بعض الإعلاميين تجردوا من إنسانيتهم واستغلوا فقر طبقات اجتماعية سحقتها الأوضاع التي مرت بها البلاد، لصناعة محتويات "الطشة"، مقابل تراجع المواد ذات المحتوى الاستقصائي، حيث يبحث غالبيتهم عن الربح السريع والشهرة، دون اعتبار لقداسة مهنة الصحافة وأخلاقياتها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

التنظيم السياسي.. وقاية من الدكتاتورية المضادة

صفاء السراي.. هذه قِبْلَتنا