عندما يتكلم البعض عن الحرب الأوكرانية ـ الروسية التي مضى على اندلاعها عدة شهور، يستحضر الأحداث والمواقف المختلفة ليربطها بموقفه من الحرب، أو يبرر موقفه على ضوئها: كمساندة الروس في زمن الاتحاد السوفيتي للعرب في الحروب مع إسرائيل، أو دور أوكرانيا في الحرب على العراق عام 2003، أو يضع موقفه نكاية بالموقفين الأمريكي والبريطاني حلفاء أوكرانيا في هذه الحرب، أو يربط موقفه بالقول المأثور فليسقوا من الكأس الذي سقينا منه أي كأس الحروب والدماء والخراب والمعاناة، وما إلى ذلك.
وبتقديري أن هذا الأمر خاطئ كليًا لسببين أساسيين: الأول؛ أن وجود مواقف روسية جيدة من قضايانا لا ينفي وجود مواقف مغايرة أيضًا، لأنّ روسيا حالها حال البلدان الأخرى تبني مواقفها على ضوء مصالحها الخاصة، وهذا ما يتضح من تغير مواقفها المستمر تبعًا لتغير هذه المصالح، ففي ما يخص موقفها من الصراع العربي – الإسرائيلي المرتبط بقضية فلسطين، وقفت روسيا في العهد السوفيتي كداعم لإسرائيل طوال السنوات العشر الأولى التي تلت عام 1948، وقدمت لها مساعدات كبيرة كانت بأمس الحاجة لها، كما كان الاتحاد السوفيتي الذي تمثله روسيا اليوم من أولى الدول التي أعلنت الاعتراف بإسرائيل، لكنها غيرت مواقفها لتساند العرب بعد أن اشتد أوار الحرب الباردة بينها وبين الغرب التي بدت إسرائيل وكأنها قريبة من الدول الغربية التي تواجهها روسيا، وهذا ما يصح على أوكرانيا أيضًا التي لها مواقف متباينة أيضًا من قضايانا، وثانيًا؛ أن موقفنا من الحروب يجب أن يكون موقفًا مبدئيًا حتى يكون موقفًا ثابتًا مرتبطًا مع مبادئ الحق والعدل بالدرجة الأساس.
من هنا: ما دامت روسيا هي من قامت بغزو أوكرانيا، وقامت باحتلال جزء كبير من أراضيها، وبالتالي باتت بعرف القانون الدولي تعد دولة معتدية، فإنّ موقفنا المبدئي يجب أن يتمثل بإدانة هذا الغزو والتعاطف مع أوكرانيا بصفتها ضحية له، إذ لا يجب أن يمنعنا من اتخاذ هذا الموقف وجود سبب لهذا الغزو، بعد أن دأبت روسيا على ربط غزوها لأوكرانيا بسعيها منع الأخيرة من الانضمام لحلف الناتو الذي عدته تهديدًا لمصالحها وتحديًا لنفوذها، لأنّ هذا الأمر حتى وإن كان صحيحًا لا يعطي شرعية للغزو، ولا يعطي المبرر له أبدًا، و يجب أن يشمل موقفنا التعاطف مع كل المعاناة التي سببها ويسببها الغزو كونها معاناة إنسانية، بغض النظر عن حزننا على ما تعرضنا له من معاناة في ظل أحداث مماثلة من دون أن نحظى بذات التعاطف الذي حظيت به أوكرانيا، ولكن هذا لا يقيدنا من أن نظهر النفاق العالمي في التعاطي مع الأزمات الإنسانية، لأنّ تعاطف الغرب مع المعاناة التي سببتها الأزمة الأوكرانية كان مختلفًا للأسف عن تعاطفه مع أزماتنا وأزمات الدول الآسيوية والأفريقية الأخرى.