04-يونيو-2019

يحب الموصليون الحياة ويبثونها في الأعياد والمناسبات على الرغم من الحروب والأزمات (Getty)

ضربها الموت باستمرار منذ قرون، لكنها تنهض مجددًا، تصر في كل مرة على حفظ طقوسها عاداتها وتقاليدها، مستمدة قوتها من تاريخها وخصوصيتها، هنا الموصل حيث لعيد الفطر طعم وشكل آخر تزينه "الكليجة" و"الكبة" و"الدولمة"، لكن دون نسيان ضحايا الأزمات والفساد والحروب.

تتحدى الموصل الأزمات والفجائع والحروب منذ قرون بإحياء طقوس العيد بما يحمله من خصوصية للمدينة

لم يمض طويلًا منذ آخر فاجعة شهدتها المدينة بسقوط مئات الضحايا بحادثة العبارة، إلا أن شارع الدواسة في المدينة القديمة في الجانب الأيمن (الغربي) من المدينة اكتظ ليلة العيد بالموصليين، يتهيأون للاحتفال كعاداتهم منذ الأزل، بشراء الملابس الجديدة وتحضير الحلويات، فلا جديد بشأن الأزمات منذ المغول والحياة هنا تأبى أن تتوقف، كما يقول أبناء المدينة.

اقرا/ي أيضًا: يكدره "عناد" أربيل.. العيد ينعش كردستان بعد سنوات الادخار

تقول أم موسى، وهي أم لثلاثة شبان وفتاة، عادوا مؤخرًا مع زوجها إلى حي المثنى، أحد أحياء الموصل الراقية، بعد سنوات قضوها في تركيا، إن "العيد لم يختلف هنا، منذ سنوات بعيدة، الجميع يشتري الملابس للأولاد"، مضيفة وهي تحضر "الكليجة"، أن وجبات العيد المميزة جزء من الاحتفال ومنها الكبة الموصلية والدولمة، فيما يتميز فطور صباح العيد بـ "القيمر العراقي والقشفي الموصلية (القشطة الموجودة أعلى لبن الزبادي)".

تبين أم موسى، أن "زيارة المقابر جزء أساسي من طقوس صباح اليوم الأول للعيد، ومن ثم زيارة الأقارب، فيما يخصص اليوم الثاني والثالث للتنزه في المناطق المفتوحة والآثار"، مؤكدة أنها استعدت لهذا العيد كأحسن ما يكون للاستمتاع به ضمن طقوس الموصل المميزة.

يستمد الموصليون قوة التغلب على الحزن والفقد من عقيدتهم، كما يقول أبو محمد الجبوري، الذي فقد نجله قبل نحو شهرين في حادثة العبارة، مبينًا أن "الدين الإسلامي يشدد الحث على إدخال الفرحة على الأطفال، والأحياء أولى من الأموات"، فيما يرى في حديث لـ "الترا عراق"، أن من الضروري "الاحتفال، وكذلك تذكر الأحباب بزيارة قبورهم طلب الرحمة لهم، فسعادتهم ستكون أكبر لو تجاوزنا أحزاننا".

يحتفل الفقراء والنازحون الموصليون بالعيد بما يتيسر لهم من إمكانيات في ظل بعض المبادرات الإنسانية

عيد النازحين!

إلى أطراف المدينة حيث مخيمات النزوح، يتخذ الاحتفال الموصلي بالعيد طابعًا أكثر بساطة، في ظل الفقر وصعوبة توفير القوت اليومي للأسر التي شردتها الحرب. يقول محمد سنجاري، أحد شيوخ الموصل لكنه يعيش في في مخيم بحركة داخل أربيل الى جانب أسرته منذ سنوات، إن سكان المخيم يحتفلون بالعيد بأبسط المتطلبات، يشترون الملابس من سوق "البالة" في لأطفالهم، ويقدمون الفاصوليا والرز كما يقدمها الكرد هنا كل صباح عيد.

اقرا/ي أيضًا: ذكرى حادثة مجمع الليث.. قصص من انفجار أحرق ملابس العيد!

صعوبة أوضاع الكثير من أبناء الموصل داخل المدينة وخارجها، دفع عدد من الناشطين إلى تنظيم حملات ومبادرات لمساعدتهم، منهم الأستاذة الجامعية ليلى المولى، والتي تسكن في دهوك. تقول المولى لـ "الترا عراق"، إنها تحضر منذ فترة لمشروع "فرحة عيد" لبث الفرح بين أطفال الفقراء في الموصل ومخيمات النزوح في كردستان، وكذلك أطفال الشهداء، تتضمن توزيع الهدايا وإشراكهم في احتفالات.

"القفشي والكبي" يهزمان الموت!

من جانبه يعزو الباحث الاجتماعي إبراهيم العلاف تفاعل الموصليين مع العيد على الرغم من كل المآسي والأزمات، إلى "حبهم للحياة، وليس أكثر"، مبينًا أن "طبيعة المجتمع الموصلي إسلامية، مع اعتزاز بعروبته في محيط كردي وإلى جانب أحياء مسيحية، لذا فإن بهجة الاحتفال بالعيد وطقوسه تكون مميزة، ويتم الحفاظ عليها في الموصل من كل تلك المتغيرات في المحيط".

يضيف العلاف في حديث لـ "الترا عراق"، أن "الموصلين يحرصون في كل، حتى الذي تزامن مع الحرب ضد داعش، على التسوق استعدادًا للعيد، واستقباله بوجبة من الكاهي والقفشي، والتي تخلو منها الأسواق مبكرًا صبيحة العيد، ثم زيارة المقابر، كما يتميز غداؤهم بالكبي المصلاوية (الكبة) والباجة والدولمة، وباقي الأطباق الدسمة للعائلة والضيوف، وفي المساء تقدم الكليجة، قبل أن يتوجه الناس إلى الحدائق مثل حديقة الشهداء والغابات ومدن الألعاب والآثار ونهر دجلة".

تعد الوجبات الدسمة "القفشي، الكبة، الباجة، والدولمة" من طقوس العيد الأساسية في الموصل التي تعود لأكثر من 100 عام

يؤكد العلاف، أن "الموصل مرت بالموت مرات عدة، ضربها الطاعون والنار والحرب، ولكنها عادة تقف من جديد"، موضحًا بالقول: "صحيح أن بعض الطقوس تطورت، لكن أصولها تعود إلى أكثر من 100 سنة تتجدد باستمرار".

 

اقرا/ي أيضًا:

العاصمة تتعافى: لأول مرة يستقبل البغداديون عيدًا بمزايا "فريدة"

أعياد العراق.. أفراح منقوصة