05-أبريل-2021

رقعة في مناطق سيئة تتمايزعلى نظيراتها (Getty)

ألترا عراق ـ فريق التحرير 

يرتقي ملف ارتفاع أسعار العقارات في العراق إلى مرتبة "اللغز غير المفكك"، والذي يعد أحد أهم الأسباب التي تقف وراء أزمة السكن في البلاد، حيث يصل سعر المتر في بعض المناطق إلى ما يفوق أسعار المتر في أكبر الدول، والمدن المتقدمة في العالم، ومن بينها لندن وباريس، مقارنة ببلد مثل العراق يحتل المراتب المتقدمة في إحصائيات اسوأ مدن ودول للعيش.

تكاد لا تخلو منطقة في العاصمة بغداد من احتوائها على مساحة معينة تحتوي على عشرات أو مئات المنازل تعرف بـ"المربع الذهبي"

وبينما يعد ملف العقارات في العراق لغزًا غير مفكك بحد ذاته في حال النظر إليه من الخارج، إلا أنه لا يخلو من المفارقات والألغاز حتى  عند دخول هذا العالم، حيث تنخفض وترتفع أسعار المتر الواحد لما يفوق الألف دولار من سعر المتر لمجرد عبور شارع واحد لا يتجاوز عرضه 20 مترًا، لتنتقل من منزل يقدر سعر المتر منه 950 دولارًا، إلى منزل آخر يقدر سعر المتر فيه 2000 دولار رغم أنه لا يبعد عنه سوى مسافة تقدر بـ20 أو 40 مترًا.

اقرأ/ي أيضًا: شقة في بغداد تساوي "فيلا" تركية.. ما هي أسباب ارتفاع أسعار عقارات العاصمة؟

مصاديق كثيرة تتعلّق بهذه الحقائق تترجمها نظرة بسيطة على خرائط مناطق العاصمة بغداد، حيث لا يفصل منطقة البياع التي يقدّر سعر المتر فيها نحو 1200 دولار، عن منطقة القادسية التي يبلغ سعر المتر فيها أحيانًا أكثر من 3 آلاف دولار، سوى عشرات الأمتار.

وربما يعد تغيّر الأسعار وارتفاعها وانخفاضها عند الانتقال لمسافة عشرات الأمتار فقط، مفهومًا بفعل الخروج من منطقة والدخول بمنطقة أخرى، إلا أن عالم العقار ولا سيما في العاصمة بغداد يشهد مفارقة أخرى متمثلة بتغير كبير في الأسعار داخل المنطقة الواحدة، تحت مفهوم متداول يعرف بـ"المربع الذهبي".

وربما تكاد لا تخلو منطقة في العاصمة بغداد من احتوائها على مساحة معينة تحتوي على عشرات أو مئات المنازل تعرف بـ"المربع الذهبي"، يتسيّد فيها هذا المربع على عرش هذه المنطقة، ويتمتع بأسعار ينفرد بها عن باقي المربعات أو المنازل في المنطقة الواحدة، لتصل أسعار المنازل في هذا المربع بما لا يتلائم مع المنطقة الشاملة التي يتواجد ضمنها، أي أن أسعار المنازل في هذا المربع قد تضاهي أسعار منازل في مناطق أخرى، أفضل من المنطقة التي يتواجد فيها هذا المربع.

حي الشباب، الدورة، أبو دشير، حي الجهاد، حي السلام، منطقة الغدير، جميعها مناطق في العاصمة بغداد تحتوي على "مربع ذهبي"، ترتفع أسعار المنازل فيه لمستويات عالية مقارنة بباقي المنازل والشوارع في هذه المناطق، حيث بلغ سعر منزل بمساحة 150 متر في المربع الذهبي بمنطقة حي الجهاد 320 مليون دينار (نحو 280 ألف دولار) في الوقت الذي لا يتجاوز سعر المنزل بهذه المساحة في منطقة حي الجهاد خارج المربع الذهبي الـ170 مليون دينار، فيما يعتبر بعض المواطنين في المنطقة أن هذا المبلغ يؤهلهم لشراء عقار بمناطق أخرى أفضل من منطقة حي الجهاد، وبمواصفات تفوق مواصفات المربع الذهبي بهذه المنطقة.

ما ميزة المربع الذهبي.. ومن الذي يحدده؟

هذا الارتفاع في الأسعار، وتسيّد عدد محدود من المنازل على باقي الشوارع والمنازل في ذات المنطقة، يطرح تساؤلات عن سبب هذا التميّز وشروطه، ومن يحدّد المربع الذهبي من غيره.

يقول حسن رافد 38 عامًا، وهو صاحب محل عقار ببغداد لـ"ألترا عراق"، إن "مساحة المنازل أو قطع الأراضي فضلًا عن الموقع، يحددان تسمية المربع الذهبي على مساحة معينة داخل أي منطقة سكنية"، ويطرح مثالًا عن قطع أراضٍ لا زالت لم تشهد بناءً، ولا خدمات تقع قرب علوة الرشيد، ليبيّن أن "المربع الذهبي في هذه المقاطعة المفروزة حديثًا سميت بهذا الاسم بسبب موقعه، حيث لا توجد منطقة أمامه، وعلى يساره تقع كلية دجلة ويقع على يمينه شارع 40 التجاري".

وحول الجهة التي حددت هذا المربع بأنه "ذهبي" دون غيره، يشير حسن إلى أن "الدلالين هم من يحددون المربع الذهبي في أي منطقة ما زالت قيد الإنشاء، وذلك بفعل معرفتهم بميزاته وما يتمتع به من موقع ومساحات لتبقى التسمية سائدة"، مبينًا أن "فارق السعر بين هذا المربع وباقي المربعات في المقاطعة تصل إلى 15 مليون دينار للقطعة العادية التي يبلغ مساحتها 200 متر، فيما يرتفع السعر إذا كان موقع القطع مميزًا، كأن يكون موقعها ركن أو في مقدمة الشارع".

يستبعد مواطنون وجود "مربع ذهبي" حقيقي في العاصمة بغداد لأن جميع المناطق افتقدت للشروط التي تجعل المربع ذهبيًا

إلا أن الموظف في إحدى بلديات العاصمة بغداد أمير سلمان (41 عامًا) طرح سرديّة أخرى عن الجهة التي تحدد المربع الذهبي تفوق صلاحيات الدلالين ومحال بيع وشراء العقارات، حيث يبيّن في حديث لـ"ألترا عراق"، إن "تسمية المربع الذهبي تسمية تطلقها البلديات على المربع الذي يكون بواجهة المقاطعات السكنية وبمدخلها، وتكون المرتسمات في هذا المربع متميزة بعرض شوارعها ومرتسم واجهات القطع، كأن يكثر فيها مساحات التشجير والقطع البطحية والزنجيل".

للمواطنين معايير مختلفة

لا يخفي المواطنون البغداديون في مختلف مناطق العاصمة استيائهم من "لعبة المربع الذهبي"، حيث يرى كثيرون منهم أن هذه التسمية التي يحددها تجار العقار، ترفع من أسعار المنازل لمستويات لا تتناسب مع طبيعة وجودة المنطقة التي يتواجد فيها هذا المربع.

اقرأ/ي أيضًا: البابا والفصائل المسلحة.. هل تكفي جولة واحدة ضد "المغتصبين"؟

ويترك الكثير من الباحثين عن شراء عقار أو منزل تعليقات ساخرة على أي إعلان بمواقع التواصل الاجتماعي يتعلّق ببيع منزل في "المربع الذهبي" بمختلف المناطق، فضلًا عن التفاعل مع المنشورات التي تحمل إعلانات بيع منازل في المربعات الذهبية بـ"الوجه المندهش أو الساخر" بفعل الأسعار المذكورة للعقار المعروض للبيع.

يقول المواطن فراس محمد، والمطلع على واقع العقارات بفعل تعامله المستمر مع سوق العقارات، إنه "يستبعد وجود مربع ذهبي حقيقي في العاصمة بغداد لأن جميع المناطق افتقدت للشروط التي تجعل المربع ذهبيًا".

ويبيّن محمد في حديث لـ"ألترا عراق"، إن "من شروط المربع الذهبي أن تكون مساحة المنازل فيه لا تقل عن 200 متر، وهو أمر غير متحقق، حيث لا توجد منطقة في بغداد لم تقسم منازلها إلى منازل صغيرة بمساحة 50 مترًا".

ويضيف أن "من شروط المربع الذهبي الأخرى فضلًا عن مساحات المنازل، هو أن لا يقل عرض الرصيف أمام المنزل عن الـ3 أمتار، وأن لا يقل عرض الشارع عن 15 مترًا"، بالإضافة إلى "المستوى الثقافي والاجتماعي للسكان، وعدم وجود ثقافة الفصل العشائري ومربي الطيور في أسطح المنازل، وبعيد عن أي سوق شعبي، ولا توجد محلات تجارية ضمن المنازل"، وهي الشروط التي نادرًا ما تجتمع في منطقة بالعاصمة بغداد في الوقت الحالي، بحسب محمد.

أصل التسمية قد يتعلق بـ"الملاذ الآمن" للقوات الأمريكية!

لا تتوفر معلومات كافية لدى تجار ودلالي العقارات عن أصل هذه التسمية، وبدء إطلاقها في العاصمة بغداد، حتى أصبحت مصطلحًا شائعًا ومتداولًا بشكل متفق عليه، إلا أن رواية من إحدى مناطق بغداد تعود لسنوات تواجد القوات الأمريكية بعد 2003 قد توحي لأصل التسمية.

تعود تسمية "المربع الذهبي" إلى إطلاق قوات الاحتلال الأمريكي على منطقة في بغداد كانت ملاذًا آمنًا لهم 

في منطقة المشتل شرقي العاصمة بغداد، يوجد مربع ذهبي أسوة بباقي مناطق العاصمة بغداد، فيما يروي أحد سكنة المنطقة، والذي يدعى علي أسعد في حديث لـ"ألترا عراق"، أن "هذا المربع الذي يتمتع بمواصفات جيدة من ناحية الموقع وطريقة بناء المنازل والمستوى الثقافي والاجتماعي الجيّد لسكانه، حاز على تسمية المربع الذهبي من قبل القوات الأمريكية في فترات التصادم مع المسلحين شرق بغداد، حيث كان هذا المربع (الملاذ الآمن) للقوات الأمريكية، ولا يواجهون أي تعرّض أو هجمات فيه"، الأمر الذي يكون قد تسبب بانسحاب هذه التسمية على جميع المربعات في مختلف مناطق العاصمة بغداد التي تتشارك مع المربع الذهبي في منطقة المشتل بالمواصفات الجيدة.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

قدرة العراقيين الشرائية.. من مغامرات صدّام إلى فقدان 790 مليار دولار!

الفردوس العراقي المفقود