28-فبراير-2021

مع تشوه الطابع العمراني للعاصمة وقلّة الخدمات (فيسبوك)

تثير أسعار العقارات في العاصمة بغداد الاستغراب، مقارنة بمدن تتفوق عليها في التصنيف العالمي للمدن المناسبة للعيش، والذي يعتمد على معايير عديدة مثل الاستقرار، والرعاية الصحية، والثقافة والبيئة، والتعليم، والبنية التحتية، والتي تتذيل بغداد وفقها القائمة.

مناطق زيونة والكرادة وشارع فلسطين يصل فيها سعر المتر المربّع إلى ثلاثة آلاف دولار

وبحسب أصحاب مكاتب عقارات، فإن الأسعار تتفاوت بين منطقة وأخرى بحسب تقييم خدماتها وموقعها، إذ يبلغ سعر المتر المربع في منطقة الجادرية قرب المنطقة الخضراء نحو خمسة آلاف دولار، فيما يبلغ سعر المتر المربع في منطقة القادسية التي يفصل نهر دجلة عن الأولى نحو 2500 دولار، وترتفع الأسعار كلما اقتربت من مناطق اليرموك والحارثية والمنصور في الكرخ.

اقرأ/ي أيضًا: رئيس الحكومة: احتياطي النقد الأجنبي سيرتفع بقيمة 4 مليارات دولار

ويراوح سعر المتر المربع في مناطق جنوب بغداد وغربها في الكرخ ما بين 800 و1800 دولار، وباستثناء مناطق زيونة والكرادة وفلسطين التي يصل فيها سعر المتر المربّع إلى ثلاثة آلاف دولار، فإن سعر المتر المربع في الرصافة لا يتجاوز 1200 دولارًا بسبب المشاكل الخدمية والاجتماعية والأمنية التي تعاني منها، فيما يبدأ سعر فيلا في مناطق ساحلية في العاصمة التركية أسطنبول من 200 ألف دولار صعودًا، بكامل فرشها وملحقاتها، أما نظيرتها في العاصمة بغداد فيتجاوز سعرها النصف مليون دولار، ناهيك عن الخدمات والطقس وسهولة الحياة في أسطنبول، بحسب صاحب مكتب عقار في أسطنبول، والذي رأى أن الكثيرين "في بغداد قاموا ببيع عقاراتهم أو تأجيرها، والهجرة إلى دول الجوار"، وتعتبر أسطنبول من أكثر المدن التي يقصدها العراقيون.

علي حسن قام بتأجير داره في الكرادة بألف دولار، وهاجر إلى أسطنبول، استأجر شقة مع فواتيرها بنصف الألف دولار تفوق داره، بحسب وصفه، ويقول "سكني وفواتيري وجميع مصروفاتي لا تتجاوز الألف دولار أنا وزوجتي وطفلتي، بينما في العراق بالكاد يوصلنا راتبي أنا وزوجتي إلى نهاية الشهر".

وأضاف حسن لـ"ألترا عراق"، أنه "قبل هجرتي كنت بحاجة لمنزل أكبر، وعندما بدأت بحساب المال وجدت أن تكلفة شراء قطعة الأرض مع البناء بحاجة لمبلغ غير قادر على جمعه لمدة عشرين سنة، فكانت الخطة الأجدى أن استأجر منزلي وأستقر في أسطنبول"، لافتًا إلى أن "الحياة هناك أفضل بكثير من ناحية الخدمات والهدوء والوضع الأمني".

غياب البناء العمودي

وحول الأسباب التي تجعل من عقارات العاصمة بغداد غالية، قال صاحب مكتب عقارات يعمل بين بغداد وأسطنبول محمد برهان، إن "قلة البناء العمودي في بغداد ساهم بشكل رئيسي برفع الأسعار، ففي أسطنبول ومدن أخرى تنتشر ثقافة البناء العمودي، مجمعات سكنية مجهزة بأحدث الخدمات، بالإضافة إلى الدعم الحكومي للاستثمار بهذا الجانب بشكل واضح، والقروض التي تمنحها البنوك للمواطنين بتسهيلات كبيرة"، لافتًا إلى أن "المواطن العراقي مضطر إلى توفير مبلغ شراء قطعة الأرض ومن ثم الحصول على قرض للبناء بعد سلسلة إجراءات بيروقراطية، وغالبًا ما لا يكفي هذا المبلغ للبناء".

يقول صاحب مكتب عقارات إن بناء 100 متر في العراق يكلف نحو 100 مليون دينار عراقي

وتابع برهان في حديثه لـ"ألترا عراق"، أن "الدول الأخرى تتوفر فيها جميع المواد الأولية المستخدمة للبناء، ولا تستورد أي شيء، ما يجعل أسعارها مقبولة، بينما في العراق لا يتوفر سوى الطابوق والأسمنت، ويتحمل المستهلك مصارف الشحن والضريبة والجمارك، فضلًا عن كون البضاعة بيد التجار وهم من يتحكمون بأسعارها، مثلًا بناء 100 متر في العراق يكلف نحو 100 مليون دينار عراقي، بينما لو توفرت المواد من داخل العراق فستصل إلى نحو 40 مليونًا".

اقرأ/ي أيضًا: نظام جديد لضبط رواتب الموظفين.. ماذا عن إقليم كردستان؟

ويستشهد برهان بالقول، "هناك مجمع سكني جديد في بغداد سعر الشقة في تصل إلى نحو 200 ألف دولار، وهذا سعر فيلا في أسطنبول، أو ثلاثة شقق، إذ قام كثيرون بشراء ثلاثة شقق، سكنوا واحدة وأجروا اثنين"، مشيرًا إلى أن "ارتفاع أسعار الأراضي وتكاليف البناء ساهم، بشطر المساحات لبناء أكثر من منزل في قطعة واحدة، حتى انخفضت المساحة إلى 70 مترًا، مما أدى إلى تشوه الطابع العمراني للعاصمة وبعض الأحياء المعروفة".

استثمار آمن

يعتقد الخبير الاقتصادي علي السلمان، أن عدم وجود سوق استثمار فعال، وقلق الكثير من المواطنين من مخاطره في قطاعات أخرى، دفعهم إلى الاستثمار في مجال العقار، حيث تسود ثقافة بناء أو شراء العقارات وتأجيرها لدى المواطنين، خاصة مع توفر الأراضي غير الرسمية مثل الطابو الزراعي، وما يعرف بالـ"المرقم".

وتابع السلمان في حديثه لـ"ألترا عراق"، أن "المصارف العراقية لم تتخذ خطوات عملية لتوطيد الثقة بينها وبين المواطنين، خاصة وأن الثقافة المصرفية ما زالت ضعيفة في البلاد، إذ دخلت شريحة كبيرة من الأثرياء الجدد سوق العقارات بمبالغ كبيرة في أحياء راقية داخل العاصمة".

وأشار السلمان إلى أن "الهجرة الداخلية باتجاه العاصمة بغداد، جراء الظروف الأمنية في المناطق الساخنة، أو طلبًا للعمل، شكل عاملًا آخر في ارتفاع أسعار العقارات، بالإضافة إلى الزيادة السكانية التي شهدتها العاصمة".

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

من مترو بغداد إلى القطار المعلّق.. وعود عمرها 40 عامًا

البنك المركزي: المصارف الخاصة أطلقت قروض الـ15 مليون دينار