08-نوفمبر-2021

لا يخطئ من يعوّل على تاريخ الأوطان في تخليصها من السموم (تعبيرية/فيسبوك)

زراعة عضو في جسدٍ، عملية شاقّة مؤلمة، وسيغدو الألم أكبر والمشقة أشدّ إن رفض الجسد هذا العضو الغريب. لا ينتهي الأمر عند هذا الحدّ. علينا الآن أن نباشر بعملية أخرى لإزالة الزائدة التي أصبحتْ مادة قاتلة، عدوًّا يفتك بالجسد من داخله. وعملية كهذه أخطر على المريض من الأولى.

منذ تشرين العراق الذي أعقبه تشرين لبنان صار واضحًا أن ساعة إزالة الورم الإيرانيّ قدْ حانتْ

استنبتتْ إيران في الدول المحيطة بها خلايا بدتْ أول الأمر متناغمة مع تحديات تلكم الدول ورهاناتها السياسية: تتذكرون كيف تقبّل العالمُ مطوّلًا وجود حزب الله في مقابل إسرائيل، كما تقبّل وجود أنصار الله قبالة السعودية والإمارات وتدخلهما السافر في اليمن، واستمرأ كيان الحشد الشعبيّ الواقف في وجه داعش و"الاحتلال" معًا، بينما كانت مهمة النبت الإيراني في سوريا مختلفة بعض الشيء وتتمثل في حماية نظام البعث من السقوط.

اقرأ/ي أيضًا: الإرهاب الذي يهدد شيعة العراق

كانت إيران توزّع أعضاء لزراعتها في أجساد البلدان المحيطة بها، وبدا أن أدبيات الطائفة الشيعية المعادة صياغتها وفقاً لمنطق ثوريّ "مناهضة الاحتلال ومقارعة الاستكبار" كافية لأن يندغم العضو الجديد في الجسد القديم وتتقبل الدولة هذا التغيير في هويتها، وهو تغيير من شأنه أن يجعل القرار الإيراني داخلاً في صلب تكوين كلّ دولة من هذه الدول.

لكنّ دولاً عريقة كاليمن والعراق وسوريا ولبنان حفرتْ ملامحها رياح التاريخ التي تهبّ عليها منذ آلاف السنوات ليست جثثًا في درس التشريح كما يريد أن يفهمنا الكتّاب المروجون للمشروع الإيراني. وتغيير هويات بلدان لا يتمّ في مختبر ساعةَ حماس وشعور بالتفوّق، أو ساعة صعود أسهم التشيّع في بورصة الطوائف. ولهذا فإن الانتفاضات "التي تمثلها ثورتا لبنان والعراق خير تمثيل" هي انتفاضاتُ جسدٍ يريد القول إنّ العضو الجديد الذي زرعته يد الجراح الإيرانيّ ليس ملائمًا البتة للجسد.

منذ تشرين العراق الذي أعقبه تشرين لبنان صار واضحًا أن ساعة إزالة الورم الإيرانيّ قدْ حانتْ. تهدر كانت هذه الدول تهدر مقدراتها وتتجرع حقائقها المؤلمة التي جعلتها أكثر الدول فسادًا وأكثرها فقرًا وبطالة وانعدام أمن وأكثر دول الله فقدانًا للسيطرة على قرارها، عارفة في ذات الوقت أن ذلك يحدث من أجل مشروع ملحميّ لا علاقة لها به: مشروع إيران المهيمنة على المنطقة بشعار نبويّ وسلاح نوويّ.

رفض الجسدُ العضو الهجين لكنّ موعد إجراء عملية التخلص منه جرى تأجيله مرارًا وتكرارًا. خطر فشل العملية قائم، لكنّ خطر عدم إجرائها مميت حتمًا.

عسير على جمهورية إيران الإسلامية تقبّل خسارتها، يشقّ عليها أن تصمد هويّات هذه الدول أمام خبرتها الجراحية، ولا تصدق أن سحر الطائفة بدأ يتهافت ويضمحلّ.

إيران الحديثة صنعتها طائفتها، صنعت دستورها وحكومتها وديموقراطيتها الخاصة، وربما لهذا السبب بالغتْ كثيرًا في التعويل على الطائفة لصنع دول الآخرين. لكنها الآن تخسر بسبب هذه المبالغة في التقدير.

لا يخطئ من يعوّل على تاريخ الأوطان في تخليصها من السموم. التاريخ للدول كالضمير بالنسبة للفرد، قد يُنسى تحت وطأة الحاجة لكنه سيعذب صاحبه مديدًا إلى أن يعيده مرة أخرى إلى نفسه.

في العراق كما في لبنان وصل تبكيت الضمير الوطني إلى أقصى مدياته.

نتائج الانتخابات في بغداد، والمواجهات بين الفصائل والدولة التي بلغتْ ذروتها في محاولة اغتيال رئيس الوزراء، والرأي العام الذي خلقته ثورة تشرين وهو رأي مناهض لإيران، ووقوف إيران ممثلة بأعلى قادتها ضدّ تلك الثورة، ومشاهد القتل والقنص وشيطنة المتظاهرين.

عسير على إيران تقبّل خسارتها ولا تصدق أن سحر الطائفة بدأ يتهافت ويضمحلّ

ذلك وسواه يقول إن موعد إجراء العملية الكبرى حان. لا نتائج مضمونة لكنها أهون من الإبقاء على الغدّة السميّة تستوطن الجسد وتنخره لتتركه رميمًا.

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

محاكمة "فرقة الموت".. فتوى اغتيال أحمد عبد الصمد "صدرت من خامنئي"

مواجهة مع "فرقة الموت".. عائلة أحمد عبد الصمد تطلب المساندة