25-مارس-2023
التلوث في دجلة

ترمى نفايات سامة وكيميائية في دجلة مسببة تلوثًا شديدًا (Getty)

تتسابق مياه أنابيب الصرف الصحي الثقيلة في جميع المحافظات على نهر دجلة، حتى بات يتحول إلى مستنقع ملوث بالمياه الآسنة، ومن الجانب الآخر أصبح النهر يصارع الموت جراء الجفاف الذي ضرب العراق خلال السنوات الماضية.

يصارع نهر دجلة المزيد من الملوثات وبالذات في العاصمة بغداد

ويعتمد العراق لتلبية المزيد من احتياجاته المائية على نهر دجلة الذي ينبع من جبال طوروس في تركيا ويمتد داخل الأراضي السورية بطول 50 كلم ثم يبلغ الأراضي العراقية ويسير بطول 1400 كلم، قبل أن يلتقي مع نهر الفرات في منطقة القرنة ويكوّنا شط العرب.

لكن النهر الشهير يتعرض إلى كميات كبيرة من المواد الملوثة حتى صار أكثر المتأثرين، خصوصًا في بغداد، إذ يجري التخلص من النافيات السامة والكيميائية بصورة مباشرة في النهر عبر أنابيب.

 

مأساة إنسانية

مواطنون في بعض مناطق العاصمة يشكون من ظاهرة إلقاء المياه الثقيلة في نهر دجلة، معتبرين أنها بدأت تسبب لهم أزمة صحية، وسط عجز حكومي لإيجاد الحلول لهذا الملف الشائك منذ سنوات.

ويقول أبو عمر، وهو من سكنة منطقة البوعيثة في الدورة (جنوبي بغداد)، إن "منطقتهم تحتوي على أنبوب يمتد إلى نهر دجلة ويرمي عن طريقه المياه الثقيلة في النهر منذ سنوات طوال"، مبينًا أن "الجفاف الذي تعرض له النهر جعل من تصريف وجريان هذه المياه الملوثة أبطأ، ما حوّل النهر إلى مستنقع ملوث".

ويضيف صاحب 63 عامًا في حديث لـ"ألترا عراق"، أن المنطقة أصبحت الآن تتعرض إلى موجات كبيرة من الحشرات بسبب التلوث قرب ضفاف النهر جراء عدم سريان مياه الصرف الصحي"، داعيًا الجهات المعنية إلى "حل هذه الأزمة التي قد تتحول إلى ملوث جديد يهدد أهالي المنطقة".

 

مؤسسات حكومية تشارك بالتلوث

في حين، يقول موظف في وزارة الصحة طلب عدم الكشف عن أسمه لأسباب وظيفية، إن "بغداد تحتوي على أكثر من 18 محطة مجاري تلقي بالمياه الثقيلة من دون معالجة في نهر دجلة أبرزها محطة الكاظمية ومحطة ماء الكرامة".

ترمي وزارة الصحة مخلفات طبية ملوثة في نهر دجلة

وفي حديث لـ "ألترا عراق"، يؤكد أن "وزارته هي الأخرى تعمل على رمي المخلفات الطبية التي قد تكون أحيانًا ملوثة كيميائيًا في النهر دون معالجة"، مشيرًا إلى أن "الجهات المعنية لا تعطي أهمية لهذا الملف الذي يعد الأخطر بالنسبة للتلوث خصوصًا وأن العراق يتعرض إلى موجة جفاف قاسية".

من جانبه، يقول المتحدث باسم وزارة البيئة أمير الحسون، في حديث لـ "ألترا عراق"، إن "ملف فتح أنابيب مياه الصرف الصحي في نهر دجلة موجود منذ ثمانينيات القرن الماضي"، لافتًا إلى أن "بغداد منذ الثمانينيات لغاية العام 2003 لم تشهد أي مشروع خاص بالمجاري".

ويوضح المسؤول الحكومي، أن "أمانة بغداد والجهات ذات الصلة بعد العام 2003 هي أيضًا لم تنفذ مشاريع ترتقي بالمستوى المطلوب لمعالجة ملف رمي المياه الثقيلة في نهر دجلة"، مبينًا أن "وزارته رقابية وغير معنية بقضية تنفيذ هكذا مشاريع وأن عملها يقتصر على وضع الخطط والاستراتيجيات".

لكن الوزارة رفعت دعاوى قضائية، والكلام للحسون، ضد بعض البلديات التي لا تعمل على إيجاد الحلول السريعة لمعالجة قضية فتح مياه الصرف الصحي في النهر.

 

وبحسب متحدث البيئة، فإن فتح هذه المياه في النهر يسبب تلوثًا بيئيًا كبيرًا، خصوصًا مع الأزمة المائية التي يمر فيها العراق والتراجع الكبير في تدفقات المياه من قبل تركيا وإيران، اللتان قطعتا منذ العام 2021، معظم التدفقات المائية نحو العراق، الأمر الذي دفع الحكومة إلى وضع خطة طارئة تضمن في وقتها تقليص المساحات الزراعية بـ 50%، والاعتماد على مياه الآبار.

ويتابع الحسون، قائلًا، إن "الحكومة الجديدة استطلعت بالأرقام جميع الملوثات العامة في بغداد ومن ضمنها ملف تلوث مياه نهر دجلة، في حين أنها ضمت فقرة ومبالغ مالية ضمن موازنة 2023 لمعالجة هذه القضايا التي لها تأثيرات سلبية على حياة العراقيين".

 

دجلة.. الأكثر تلوثًا

في المقابل، يقول الخبير البيئي، أحمد صالح، إن "نهر دجلة يعد من أكثر الأنهر في المنطقة تضررًا من ناحية التلوث"، إذ أن "90% من ملوثات نهر دجلة تتحملها الحكومة العراقية، بدءًا من نهر تنجيرو في السليمانية الذي تصب فيه مياه الآسنة المتحللة من مكب النفايات الكبير الموجود في المحافظة".

يتعرض نهر دجلة لمياه آسنة مستمرة من أمانة بغداد والبلديات ووزارة الصحة

ويضيف الخبير البيئي في حديث لـ "ألترا عراق"، أن "نهر دجلة يتعرض إلى العديد من الملوثات في جميع المحافظات، إلا أن النهر في بغداد الأكثر تضررًا"، كما أن "أمانة بغداد والبلديات ووزارة الصحة جميعها لها أنابيب من المياه الآسنة مفتوحة على نهر دجلة".

ووفقًا لحديث صالح، فإن تلوث المياه ينتج عنه أمراض عديدة أبرزها السرطان، فضلًا عن الأمراض الكبيرة التي تصيب الثروة الحيوانية التي يتغذى عليها العراقيون بشكل عام.

"محافظة ميسان أدرجت مشروعًا جديدًا ضمن موازنة 2023 لنقل أنابيب مياه الصرف الصحي التي تصب في نهر دجلة إلى منخفض الديمة الذي يقع غرب مدينة العمارة، وهذا يعني أنها أول محافظة بدأت بمعالجة الملف"، بحسب الخبير البيئي.

الجفاف سيفاقم التلوث

وتراجعت مناسيب المياه في نهري دجلة والفرات خلال الأسابيع الماضية، في عموم محافظات العراق، ما ينذر بجفاف أقسى خلال الصيف القادم، الأمر الذي "سيرفع معدلات التلوثات البيئية في عموم المحافظات"، بحسب خبراء، في وقت تؤكد  ممثلة الأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت، أن البلاد تعاني من "أزمة مياه حقيقية".

وبحسب تقديرات حكومية سابقة، فإنّ الملوحة أصبحت تهدد نحو 54% من الأراضي الزراعية بالتزامن مع اجتياح التصحر لأكثر من 39% من الأراضي العراقية خلال العامين الماضيين.

من المتوقع زيادة خطر الجفاف خلال الصيف القادم في العراق، ما يرفع التلوث البيئي

وكان البنك الدولي قد حذّر نهاية العام الماضي، من انخفاض بنسبة 20% في الموارد المائية للعراق بحلول عام 2050 بسبب التغير المناخي، فيما دعت بلاسخارت، دول المنطقة إلى بدء حوارات حول تقاسم المياه، في ظل الأزمة المائية التي تعصف في البلاد.