شهد العراق خلال الأسابيع القليلة الماضية تراجعًا ملحوظًا في مياه نهري دجلة والفرات بعموم المحافظات، منذرًا بجفاف أقسى من العام الماضي سيجتاح البلاد في الصيف الجديد. وعلى غرار الأعوام السابقة، تواصل كل من تركيا وإيران مسلسل قطع التدفقات المائية من أراضيها نحو العراق، الأمر الذي قد تسبّب سابقًا بجفاف شديد في معظم المناطق وأجبر الحكومة على تقليل المساحات المزروعة.
يحذر خبراء في المياه من كارثة إنسانية قد يشهدها العراق خلال الصيف المقبل
وأظهرت العديد من الصور انخفاض مستوى المياه بشكل كبير في نهري دجلة والفرات بمناطق جنوبي العراق، الأمر تزامن مع استمرار التحذيرات بشأن إمكانية إفلاس العراق مائيًا العام المقبل.
العراق على وشك السقوط
ويحذر مختصون وخبراء من "كارثة إنسانية" قد تحل خلال الصيف المقبل، خصوصًا وأن نتائجها باتت تظهر سريعًا على العراق هذه الأيام.
الخبير في مجال المياه والزراعة، عادل المختار، رأى أنّ العراق لم يشهد هطول أمطار غزيرة خلال فصل الشتاء الماضي، "ما جعله عرضة للجفاف مرة أخرى"، مبينًا أنّ "العراق أقدم على خزن 250 مليون متر مكعب من مياه الأمطار من خزانات تبلغ مساحتها 93 مليار متر مكعب من المياه".
ويقول المختار لـ"ألترا عراق"، إنّ "العراق يملك الآن خزينًا مائيًا في جميع المحافظات يبلغ أقل من 7 مليارات ونصف المليار فقط وهذه أقل كمية منذ ثلاثينيات القرن الماضي"، مؤكدًا أنّ "المساحات المزروعة الآن بانتظار الرية الثالثة ومن ثم الرابعة والخزين لا يكفي حتى لسد العجز المائي في هذا الجانب".
وتوقع الخبير المائي أن تضطر الحكومة إلى إيقاف الخطة الزراعية في العراق خلال الصيف بسبب الجفاف، مشيرًا إلى أنّ "تشكيل خلية أزمة من قبل الخبراء والمختصين هي آخر الحلول المطروحة أمام الحكومة لتلافي كارثة الجفاف في البلاد".
وسيشهد الصيف المقبل ـ والكلام للمختار ـ انقطاعًا تامًا للمياه الصالحة للشرب "في حال عدم تحسن كميات الأمطار خلال فصل الشتاء القادم أو زيادة الإطلاقات المائية من قبل إيران وتركيا".
ويأمل العراق من تركيا زيادة الإطلاقات المائية بعد حلول فصل الصيف وبدء ذوبان الثلوج في الجبال والمناطق المتجمدة الأخرى، لكن المختار رأى أنّ "هذا الأمل بعيد المنال كون أن حكومة أنقرة ستعمل هي أيضًا على خزنها للمياه خوفًا من فصل الصيف".
وفي الأسبوع الماضي، أظهرت صورًا ومقاطع فيديو متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي عبور مواطنين نهر دجلة في محافظة ميسان سيرًا على الأقدام وممارسة ألعاب رياضية جراء الجفاف الذي ضرب النهر.
نهر دجله في مدينة العماره ــ محافظة ميسان ,
وين الزلازل و السدود اللي فتحوها ......!!!؟ pic.twitter.com/j6MTdLRMfX— Emad M Mola (@MolaEmad) February 25, 2023
♦️مشاهد تبين مدی شدة جفاف نهر دجلة في محافظة #ميسان #بالفيديو جفاف نهر دجلة حيث قاع النهر ظاهر للعيان حسبنا الله ونعم الوكيل pic.twitter.com/8ufOyk1nBc
— فايز (@faiez48987602) February 25, 2023
توجيه حكومي حول المفاوضات
يمتلك العراق 19 سدًا في جميع المحافظات، معظمها على نهري دجلة والفرات، في حين تعتمد هذه السدود على النهرين وروافدهما والتي تنبع من تركيا وإيران.
ويصف المتحدث باسم وزارة الموارد المائية، خالد شمال، ملف أزمة المياه في العراق، بـ"متشابك"، كاشفًا عن توجيه حكومي لـ"اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لتفعيل ملفات التفاوض مع تركيا وإيران وسوريا".
المتنبئ الجوي المعروف، صادق عطية، وجه نصيحة عبر صفحته في "فيسبوك"، قائلًا: "حافظوا على ما هو متوفر من المياه، فموسم الصيف اللاهب والجاف قادم".
ووفقًا لمعطيات المتنبئ الجوي الحالية، فإنّ "شحة مياه نهري دجلة والفرات وجفاف أغلب روافدهما تنذر بموسم صيف هو الأشد جفافًا".
جفاف مصحوب بتلوث
تشير المعطيات كذلك إلى أنّ مساحات الجفاف خلال فصل الصيف ستكون أكبر مقارنة بالعام الماضي، بحسب الخبير المائي، سلمان خير الله.
ويقول الخبير المائي لـ"ألترا عراق"، إنّ "مناطق جنوب العراق ستكون هي المتضررة الأكبر من الجفاف المائي المتوقع"، لافتًا إلى أنّ "هذا الجفاف سيرفع معدلات التلوثات البيئية في عموم المحافظات".
ويحتاج العراق سنويًا إلى 70 مليار متر مكعب من المياه، وفقًا لخير الله الذي أضاف أنّ "البيانات والخرائط الملتقطة عبر الأقمار الصناعية توضح تراجع انغمار المساحات بالمياه مقارنة بنهاية العام الماضي".
وبحسب خير الله، فإنّ العراق يصرف قرابة الـ 54 مليار متر مكعب، في حين أن الخزين الآن لا يتجاوز الـ 5 مليار متر مكعب فقط في جميع السدود والخزانات الأخرى.
وأصبحت السدود العراقية ـ والكلام لخير الله ـ مرعى للحيوانات البرية بعد جفافها بشكل كامل خلال الأيام القليلة الماضية، محذرًا من أن العراق مقبل على "خطر كبير جدًا في فصل الصيف".