17-يوليو-2022
صلاة الجمعة الموحدة

يترقب الوسط السياسي خطوات الصدر القادمة بعد صلاة الجمعة (Getty)

تبدو إقامة صلاة جمعة موحدة على مستوى عموم العراق، كاستئناف لتقليد سنوي يحرص عليه الصدريون منذ قرابة العشرين عامًا، مرتبط بإحياء ذكرى إقامة أول صلاة جمعة في البلاد بفتوى من المرجع الديني الراحل محمد الصدر أواخر تسعينيات القرن الماضي.

بدأ الصدر خطواته التصعيدية بإعلان الانسحاب من العملية السياسية ومن ثم خطاب نوافذه الإعلامية والعسكرية وأخيرًا إقامة الصلاة الموحدة

يمكن رؤية ذلك إذا جرى اقتطاع الحدث من سياقه الزمني والظروف السياسية والاجتماعية الراهنة التي تحيطه.

ولكن دعوة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، والتي وصفها بيانه بالدعوة للعودة إلى "أيام الله"، تأتي مثقلة بحمولة التوقيت والوقائع الراهنة، إذ تشهد الساحة السياسية منذ أكثر من 6 أشهر انسدادًا غير مسبوق، بعد إجهاض مشروع تشكيل حكومة الأغلبية للتحالف الثلاثي، وما تبعها من خطوات تصعيدية للصدر، والتي بدأها بإعلان الانسحاب من العملية السياسية ومن ثم تصعيد خطاب نوافذه الإعلامية والعسكرية وصولًا إلى إقامة الصلاة الموحدة.

وكانت مواقع التواصل الاجتماعي تداولت تسجيلًا مسربًا لرئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، يهاجم فيه الصدر وأتباعه، في وقت كان الشارع يترقب خطوات الصدر في صلاة الجمعة الموحدة.

إحياء ذكرى أم استعراض قوة؟

يميل مراقبون للشأن السياسي إلى أن اختيار الصدر لرمزية الجمعة في إيصال رسائله السياسية لم يكن اعتباطيًا؛ بل له دلالات يريد تثبيتها كملامح لمساره بعد الانسحاب من العملية السياسية.

ويرى الناشط السياسي محمد عبد الرضا أن "مقتدى الصدر تعمد استعمال دلالات تثير عند أنصاره الحنين إلى فترة بروز والده السيد محمد الصدر في محاولة إلى توحيدهم وجمعهم حوله، وتأتي هذه الصلاة الموحدة في السياق ذاته، أي في سعيه الدائم نحو استعراض ورقة قوته المتمثلة برصيده الجماهيري".

يرى مراقبون أن صلاة الجمعة الموحدة بمثابة شعور لأنصار الصدر بالكثرة والتوحّد خلف زعيمهم

"لصلاة الجمعة مركزية في الذاكرة الصدرية بوصفها أبرز نشاط شبه سياسي يتميز به التيار الصدري منذ نهايات عقد التسعينات"، وعلى هذا الأساس "اختارها مقتدى الصدر أول خطوة في مشروعه المعارض للنظام السياسي"، يقول محمد عبد الرضا.

ويضيف في حديث لـ"ألترا عراق" أن "هذه رسالة إلى خصومه السياسيين، فهي حافز لأنصاره في محاولة لإعطائهم شعورًا بالثقة في كثرتهم وتوحّدهم خلف مقتدى الصدر".

وشهدت الجمعة الموحدة التي أقيمت في مدينة الصدر بحضور عشرات الآلاف من أتباع التيار الصدري، دعوة لزعيم التيار تطرق فيها لمعالجة ملف الحشد الشعبي عبر إعادة تنظيمه وحل الفصائل المسلحة معتبرًا أن "لا منة" للحشد الشعبي في تحرير المناطق التي سقطت بيد تنظيم داعش.

الناشط السياسي عبد الرضا يعتبر خطوة الصدر "أكبر من كونها رسالة سياسة، بل تتعداه إلى حدود الفعل السياسي المباشر، فهي تلويح مباشر ضد الخصوم السياسيين، والتي  ستستعمل كثيرًا في المرحلة المقبلة، إضافة لفعاليات شبيهة، في التأثير على المجال السياسي وفقًا للأهداف التي يسعى إليها الصدر".

رسائل سياسية: الإطار على رأس المستهدفين

 

بينما يرى مراقبون آخرون أن أبعادًا أخرى تنطوي عليها خطوة الصدر الأخيرة باستعراض جمهوره عبر الصلاة الموحدة، فالباحث عقيل عباس يرى أن "خطوة الصدر هي محاولة لقياس قدرته على التحشيد، أي أنه يريد أن يعرف كم يستطيع أن يحشّد. هل لديه القدرة على إخراج مليون أو مليوني شخص؟ فهذا هو معيار قوة في العراق".

أراد الصدر إرسال رسالة سياسية لخصومه بأنه قادر على أن يحرك حشودًا كبيرة بحسب مراقبين

أما عن المستهدف الأساس من هذه الخطوة، يقول عقيل عباس في حديثه لـ "ألترا عراق"، أن "المستهدف الأول من هذه الرسائل السياسية هو الإطار التنسيقي، بمعنى أنه يريد أن يقول لهم أنه ما يزال فاعلًا ويستطيع أن يحرك حشودًا كبيرة يدفعها إلى الشارع لإنجاز خطوات سياسية، في حالة عدم إنجازها برضاهم وعبر الطرق المؤسساتية من جانب الإطار".

وكانت أولى ردود الفعل عقب انتهاء الصدريين من صلاتهم الموحدة قد جاءت من طرف الإطار التنسيقي على لسان القيادي في الإطار علي الفتلاوي، والذي ذكر لـ "ألترا عراق" أن "الصدر قد أفاد وأثرى في الكثير من الجمل والقراءات والنقاط التي من خلالها من الممكن إجاد حل للانسداد السياسي الذي بات واضحًا"، مؤكدًا أن " الإطار التنسيقي يتعامل مع طروحات الصدر بجدية عالية".

ومن المتوقع أن تكون "الصلاة الموحدة" خطوة أولى في مسار تصاعدي يتبعه الصدر في الفترة المقبلة لتسخين الأجواء وخلق عراقيل كبيرة في طريق تشكيل "حكومة إطارية"، بحسب محللين سياسيين

.

ويقول عقيل عباس: "بعد أن فقد التيار الصدري ذراعه البرلماني، أصبحت استراتيجية التيار تستهدف إجراء انتخابات مبكرة وعدم انتظار موعد الانتخابات الدوري في العام 2025، ولذا فهو من الآن فصاعدًا سيعتمد سياسة دفع القوى السياسية نحو خيار اللجوء إلى الانتخابات المبكرة بدلًا من فسح المجال أمام تشكيل حكومة بقيادة الإطار التنسيقي".

ويضيف عباس في حديث لـ"ألترا عراق"، أن "التيار الصدري يتوقع أن دخوله إلى الانتخابات المبكرة سيفرز فوزًا كبيرًا قبالة خسارة كبيرة لخصومه".

بعد فقدان الذراع السياسي.. ماذا عن المسلّح؟

تُعد خطوة الصدر بشكلها العام حركةً مكررةً بغض النظر عن السياق المختلف الذي جاءت فيه، إذ اعتاد الصدر توظيف قوته الجماهيرية وقدرته على حشد أنصاره بسهولة في أكثر من مناسبة سابقة، والتلويح بها كورقة ضغط تستثمر سياسيًا. ولكن وفقًا للظروف الحالية، وفي ظل فقدان التيار الصدري لذراعه السياسي، يعني أن ذراعه الجماهيرية باتت الذراع الوحيدة إذا ما استثنينا ذراعه المسلح.

يرى مراقبون أن الصدر أراد قياس قدرته على التحشيد وإمكانية إخراج مليون أو مليوني شخص

ورغم أن الصدر في مواقف مشابهة لم يلجأ إلى زج ذراعه المسلح وتوظيفه سياسيًا بشكل مباشر، إلا أن السؤال يبقى راهنًا: هل سيضطر الصدر إلى استخدام سلاحه لتعويض نقص القوة الذي تركه فقدان ذراعه السياسي؟

في الإجابة عن هذا السؤال، يحدد الناشط السياسي محمد عبد الرضا عاملين يمنعان الصدر من المضي بخيارات صدامية ضد منافسيه السياسيين، ويقول: "لعل من الاعتبارات المهمة التي تمنع الصدر من اتخاذ مسار العنف هو علاقته المتوازنة مع المرجعية التي لا تشجع إطلاقًا سير الأمور باتجاه العنف، فرغم أن العلاقة بين الصدر والمرجعية غامضة نوعًا ما إلا أن كلاهما يشتركان في نقاط جوهرية هي خلافية في المجال السياسي العراقي وهي رفض التدخلات الإقليمية ورفض تولّي نوري المالكي لرئاسة الحكومة".

في مرتين سابقتين خلال أقل من عام لوح الصدر باستخدام ميليشيا "سرايا السلام"، حيث كانت المرة الأولى حين قرر إعلان انسحابه من السباق الانتخابي والتي عمد حينها إلى رفع رايات الفصائل المرتبطة به أثناء إلقائه كلمة الانسحاب.

أما المرة الثانية فكانت بعد تقديم الاستقالة الجماعية لنواب الكتلة الصدرية، إذ جاءت هذه المرة على لسان المسؤول العام على "سرايا السلام" الذي كتب على حسابه الشخصي عبارة "جاهزون فانتظرونا".

وعن العامل الثاني الذي يشخصه محمد عبد الرضا، في حديثه لـ"ألترا عراق"، يقول إن "المكاسب التي حققها كافة المتحاصصين السياسيين والتي ستنهار عند إطلاق أول رصاصة، ولذا سيستخدم الصدر كافة أوراق الضغط التي يمتلكها، باستثناء السلاح"، ويرجح أن "هذه الصلاة الموحدة قد تكون أولى الخطوات للضغط باتجاه إجراء انتخابات مبكرة على أمل إنتاج معادلة حكم أخرى"

.