بعد مرور 11 عاماً على وضع الحجر الأساس لتشييد دار الأوبرا في العاصمة بغداد، عاد الحديث مجددًا حول إعادة العمل بالمشروع المتوقف منذ سنوات، على نحو مفاجئ من قبل الحكومة الحالية.
وضع الحجر الأساس لمشروع دار الأوبرا في بغداد في 2012 لكنه ما زال أرضًا إلى الآن
فقد ناقش رئيس الحكومة محمد شياع السوداني مع عدد من المسؤولين إحياء مشروع دار الأوبرا في بغداد من جديد، حسب بيان صادر عن مكتب رئيس مجلس الوزراء.
معلومات عن دار الأوبرا العراقية
يقع موقع المشروع، على ضفاف نهر دجلة في منطقة الصالحية وسط بغداد وتحديدًا قرب مبنى نقابة الصحفيين وجوار مبنى الإذاعة والتلفزيون (المنطقة المحصورة بين جسري السنك والجمهورية)، بمساحة تقدر بنحو 80 ألف متر مربع، وبمبلغ يقارب 67 مليار دينار بحسب ما أعلنته الدائرة الهندسية في وزارة الثقافة، وخلال مدة سنة ونصف السنة على أكثر تقدير.
وفي العام 2011، أبرمت وزارة الثقافة العراقية عقدًا لتنفيذ المشروع الذي تضمن إنشاء دار للأوبرا والموسيقى، فضلًا عن دار للطباعة والنشر ومقرا للوزارة، لكن بعد مرور عام، وضع وزير الثقافة سعدون الدليمي آنذاك الحجر الأساس للمشروع الذي لا يزال عبارة عن أرض لغاية الآن.
لكن ملف دار الأوبرا العراقي رُكن على غرار العديد من القضايا الأخرى التي طالتها شبهات فساد، إذ بلغت يتجاوز عدد المشاريع المتلكئة 1400 مشروع بكلفة تقارب 275 تريليون دينار.
إنعاش المشروع بعد سنوات من التلكّؤ
بعد كل هذه السنوات عقد رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني في 20 شباط/فبراير 2023، اجتماعًا حضره وزير التخطيط، ووزير الثقافة، ومستشار رئيس الوزراء للشؤون الثقافية، والمديرون العامّون في وزارة الثقافة، لمناقشة مشروع تشييد دار الأوبرا المتعطل منذ العام 2013.
ووجه السوداني "بضرورة إنهاء هذا الملف وإيلائه الأهمية التي تتناسب مع الدور الثقافي والمكانة الرمزية لهذا المشروع"، كما ذكر بيان من مكتب رئيس الحكومة أنه "اطلع على أهمّ المشاكل والمعوقات التي واجهت المشروع، ووجه الجهات ذات العلاقة بتهيئة المتطلبات الإجرائية وإدراجه بخطة المشاريع التي تتبناها الحكومة ضمن موازنة العام الحالي".
شبهات فساد
يقول المتحدث باسم وزارة الثقافة، أحمد العلياوي، إن "المشروع متلكئ منذ سنوات رغم تخصيص المبالغ المالية الكاملة له دون معرفة الأسباب التي حالت دون تنفيذه"، مبيناً أن "الأرض والمخططات الهندسية الخاصة بالمشروع موجودة".
قالت وزارة الثقافة في تعليق عن تلكؤ إنشاء دار الأوبرا إن شبهات الفساد طالت العديد من المشاريع
وبحسب حديث العلياوي لـ"ألترا عراق"، فإن الوزارة وعلى مدار الفترة الماضية أجرت مراجعة شاملة لجميع المشاريع المتوقفة لمعرفة الأسباب وراء التلكؤ، وأضاف أن "هناك شبهات فساد طالت العديد من المشاريع المتوقفة خلال السنوات الماضية".
وكان وزير الثقافة السابق حسن ناظم أرجع، في حزيران/يونيو 2021، توقف مشروع إنشاء دار الأوبرا إلى "الفساد".
ويشير المتحدث الحكومي، إلى أن "الحديث عن هذا المشروع المهم جاء بالتزامن مع قرب تمرير الموازنة المالية للبلاد"، لافتًا إلى أن "الوزارة ستعمل خلال الفترة المقبلة للوقوف على أسباب عدم تنفيذ المشروع لغاية الآن".
المعلومات حول المشروع قليلة، والكلام للعلياوي، لأن العقد الذي أبرم بشأن تشييد دار الأوبرا كان في العام 2011، مؤكدًا في ذات الوقت أن "اجتماع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وبعض الوزراء الذي بينهم وزير الثقافة كان مغلقًا".
ودخلت وزارة الثقافة في معارك قضائية بشأن مشروع دار الأوبرا، حيث قالت في 22 تشرين الأول/أكتوبر 2020، إنها تتابع قرارًا تمييزًا مرفوعًا ضدها بشأن عقد مشروع إنشاء الدار بعد اثبات إخلال الشركة المتعاقد معها بشروط التعاقد، مشيرة إلى أن محكمة التمييز الاتحادية نقضت قرار محكمة استئناف بغداد الكرخ والقاضي بإلزام وزارة الثقافة بدفع نحو 12 مليار دينار عن إنشاء المشروع.
كما كشف وزير الثقافة السابق حسن ناظم خلال لقاء تلفزيوني في حزيران/يونيو الماضي، عن توقف مشروع إنشاء دار الأوبرا في العام 2014، موضحًا أن المشروع لم يلغَ ووزاراته تحاول معالجة الموضوع لكنها بحاجة إلى مخصصات مالية.
مجمع ثقافي كامل
فكرة إنشاء دار الأوبرا في العراق تعود إلى خمسينيات القرن العشرين، حيث طلب الملك فيصل الثاني من المعماري الأمريكي فرنك لويد رايت، تنفيذ تصاميم خاصة وعصرية للمشروع، وفعلًا تم تخصيص أرض في بغداد (جزيرة الأعراس) حاليًا، كما رصد مبلغ 1.5 مليون دولار لتشييد المشروع.
وفي هذا الصدد، يقول نقيب الفنانين جبار جودي، إن "المشروع يدعى دار الأوبرا بالمسمى، لكن بالحقيقة هو مجمع ثقافي مهم يحتوي على مسارح وسينما وغيرها من المرافق الثقافية الحيوية".
"أموال كبيرة دفعت خلال سنوات سابقة من أجل تنفيذ هذا المشروع وبالتالي لابد من استكمال المشروع الذي سيكون عبارة عن صرح ثقافي مهم في البلاد"، وفقًا لجودي، الذي أضاف خلال حديثه لـ "ألترا عراق"، أن "العراق والعاصمة تحديدًا بحاجة إلى هكذا مشاريع والتي ستكون بوابة لاستضافة فرق عالمية تحيي هذا النوع من الفنون في البلاد".
ويتحدث نقيب الفنانين عن مكاسب إنشاء المشروع، قائلًا إن "حضور الفرق العالمية المتخصصة بهذا النوع من الفنون يفتح الباب أمام تطوير هذا الفن في العراق".
ويجمع "فن الأوبرا"، العديد من أشكال الفنون مثل الغناء والتمثيل والموسيقى والرقص والدراما، والمناظر الطبيعية، ويتكون دار الأوبرا من مسرح كبير يستخدم للعروض ويحتوي على منصّة مساحة للأوركسترا ومقاعد للمشاهدين ومرافق خلف المنصة للأزياء ومتطلبات العروض، فيما تعود جذور هذا الفن إلى إيطاليا في نهاية القرن 16.
واجهة حضارية
"دار الأوبرا في جميع بلدان العالم يمثل واجهة حضارية للشعوب لأنه فن يلخص التطور المسرحي والموسيقي والأدبي عبر التاريخ"، هذا ما يراه أمين سر اللجنة الوطنية العراقية للموسيقى دريد فاضل.
ويقول خلال حديثه لـ "ألترا عراق"، إن "وجود الدار في بغداد سيتيح للعراق إمكانية تطوير هذه الفنون"، مؤكدًا حاجة البلاد إلى "تقديم هكذا نوع من الفنون"، فالعراق لا يمتلك فرق أوبرا متخصصة، والكلام لفاضل، الذي أشار إلى "أهمية تشكيل فريق من الخريجين الشباب وإرسالهم عبر بعثات رسمية للدول التي تهتم بهذا الفن من أجل كسب المعرفة التطبيقية والعملية".
دُفعت أموال كبيرة لإنجاز مشروع دار الأوبرا في بغداد خلال السنوات الماضية
ويضيف فاضل، أن "تنفيذ مشروع الأوبرا في العامصمة بغداد سيكون له آثار إيجابية عديدة على واقع العراق كونه يقدم فنًا يخاطب العقل الإنساني بشكل معاصر"، مبينًا أن "المشروع سيفتح الباب أمام إمكانية استضافة المهرجانات العربية وحتى العالمية".