ألترا عراق ـ فريق التحرير
قادت القفزة الأخيرة بأسعار العقارات ولا سيما في العاصمة بغداد، إلى فتح نقاش واسع في الأوساط الشعبية والأوساط المختصة والمهتمة، حول تحوّل بغداد إلى "بالونة على وشك الانفجار"، مع انعدام التوسعة في أراضيها والبنى التحتية الجديدة، والضغط المستمر عليها بتصاعد أعداد السكان فيها حتى بلغ 260% من الطاقة التصميمية لها.
شوارع العاصمة بغداد مصممة لاستيعاب 300 ألف سياة فقط فيما يتواجد في العاصمة أكثر من 2.5 مليون سيارة
ولم تشهد العاصمة بغداد توسعة حقيقية في المدن والطرق والبنى التحتية والخدمات بشكل كبير، ومازالت على وضعها المصمم لخدمة 3 ملايين مواطن وهي الطاقة التصميمية للعاصمة، في الوقت الذي يبلغ عدد سكانها حاليًا 8 ملايين مواطن، ما يعني أنّ الرقم الحالي يمثل 260% من الرقم التصميمي الأصلي، وسط استمرار الولادات والهجرة المستمرة من باقي المحافظات إلى العاصمة بغداد وشراء العقارات مما أدى إلى تضخم اسعار العقارات في العاصمة بشكل كبير، فضلًا عن تقسيم كل منزل إلى 4 وحدات سكنية بمساحات قد تصل أحيانًا الى 40 مترًا فقط.
ويزيد هذا الأمر من الضغط على البنى التحتية لكل منطقة وبالتالي انهيار الخدمات، فالشارع الذي تكون طاقته الكهربائية مصممة لـ10 منازل فقط وبتشغيل أجهزة كهربائية لهذا العدد من المنازل، أصبحت اليوم أمام 40 منزلًا فجأة نتيجة "الانشطار"، وأصبحت المحولات والأسلاك الكهربائية وشبكات المياه والمجاري وسعة الشارع مطالبة بأنّ تتحمل هذا الارتفاع المفاجئ بعدد السكان وارتفاع عدد السيارات أيضًا.
وعلى سبيل المثال، فإنّ شوارع العاصمة بغداد مصممة لاستيعاب 300 ألف سياة فقط، فيما يتواجد في العاصمة أكثر من 2.5 مليون سيارة، ما يعني أنّ عدد السيارات أكبر من القدرة التصميمة لشوارع العاصمة بأكثر من 800%.
وكتب عدد من المهتمين عدة آراء بشأن الوضع في العاصمة بغداد، وارتفاع أسعار عقاراتها نتيجة الطلب المستمر والمتزايد.
القطارات السريعة بوصفها حلًا
ويتحدث مصطفى أبو ضيف الله عن طريقة سريعة لتخفيض أسعار العقارات، و تسهم في إعادة توزيع الكثافة السكانية في العراق، ويقول إنّ "دراسات من جامعة كاليفورنيا وجامعة نيومكسيكو، وصندوق النقد الدولي وجدت أن نظام القطارات السريعة قد يساعد في إبطاء الارتفاع في تكاليف الإسكان في ولاية كاليفورنيا، حيث تعد لوس أنجلوس وسان فرانسيسكو وسان خوسيه من بين أغلى الأماكن في البلاد للعيش فيها".
وأظهرت الدراسة أنّ المُدن التي حصلت على خط السكك الحديدية الجديد يشير إلى تباطؤ كبير في ارتفاع أسعار الأراضي على مستوى المنطقة في العام التالي وبنسبة 33%.
ويوضح أبو ضيف الله، أنه "تنطبق هذه المحددات على ارتفاع أسعار العقارات في مناطق من العراق، كالعاصمة بغداد ومحافظات البصرة و الموصل ذات الكثافة السكانية العالية والأقضية والمحافظات القريبة منها، مبينًا "نجد أن هناك تفاوت كبير في أسعار العقارات يصل في بعض الأحوال إلى 300%، ففي وسط بغداد تكون قيمة العقار ذات مساحة 150م أكثر من 500 مليون دينار عراقي، وبنفس البناء والمواصفات قد يكون في ضواحي بغداد بسعر 75 مليون دينار عراقي، أو أدنى من ذلك في محافظات أخرى، وفي عموم العراق تشهد مراكز المُدن تضخمًا مفرطًا في أسعار العقارات عن ما هو منخفض في الضواحي ونواحي المُدن".
ويشير إلى أنه "إذا كنت تسكن كركوك سماوة نجف أنبار، قد تحتاج أقل من ساعة للوصول إلى وظيفتك في بغداد على متن قطار سريع يقطع 350 ك/س"، مشددًا على أنه "على العراقيين أن ينظروا للقطارات السريعة على أنها أداة مهمة لكبح التضخم في أسعار العقارات، وأثر واضح لنمو الناتج المحلي الإجمالي؛ قبل أن ينظر على أنها وسيلة نقل فقط".
بغداد أصبحت خارج "إمكانية المعالجة"
من جانبه، يرى المحلل الاقتصادي منار العبيدي أن العاصمة بغداد أصبحت خارج إمكانية المعالجة، ويقول العبيدي إنّ "العوامل الأساسية لأن يكون أي مكان قابل للعيش هي أربعة عوامل أساسية، وكل عامل يحتوي على عوامل فرعية"، مبينًا أنّ "هذه العوامل الأربعة هي، الاستعمال والنشاط، التآلف الاجتماعي، الراحة والانطباع، الوصول والترابط".
وتساءل: "حسب هذه العوامل هل نعتقد أن بغداد أو أي مدينة عراقية أخرى قادرة على استدامة العيش فيها حسب العوامل المبينة فيها، وهل يمكن أن تتم معالجة المشاكل في بغداد، أم أن الموضوع أصبح خارج إمكانية المعالجة؟".
ويرى العبيدي أنّ "بغداد أصبحت خارج إمكانية المعالجة ويجب التفكير في بناء مدن جديدة في غرب وجنوب العراق، والعمل على تقليل الضغط الحاصل على بغداد وإعادة معدل السكان فيها إلى حدود 3 مليون، ثم العمل على بناء مشاريع البنى المهمة فيها وتحقيق عوامل الاستدامة".
بالمقابل، لا يقتصر "تقصير" الجهات المعنيّة والحكومية، والمتمثلة بأمانة بغداد وهيئة الاستثمار ووزارة التخطيط على انعدام العمل على توسعة العاصمة وإيصال شبكات الطرق والخدمات لمناطق أطراف العاصمة لتوسيع المدينة، بل
تساهم هذه الجهات بزيادة الضغط والتكدّس في داخل العاصمة، فتعطي إجازات الاستثمار إلى المجمعات السكنيّة للبناء وسط الأماكن المزدحمة والشوارع الضيقة التي تعاني أصلاً من الزخم المروري والسكاني.