14-نوفمبر-2021

لا تتماشى مع القدرة الشرائية للعراقيين (فيسبوك)

عشرات البنايات السكنية الاستثمارية بدأت ترتفع من الأرض في العاصمة بغداد والمحافظات الأخرى، بوصفها إحدى الحلول لأزمة السكن المستعصية في العراق، إلا أن الحيرة لم تُرفع عن وجوه التائهين الذين يبحثون عن "وطن صغير" بعد، وهم يملأون مواقع التواصل الاجتماعي بأسئلة رجاء تبحث عن معلومة بشأن أي مجمع سكني تتناسب أسعاره مع مدخولهم الشهري وتعيد لهم الأمل.

يصل سعر الشقة الواحدة أحيانًا داخل بغداد إلى أكثر من 200 ألف دولار أي قرابة 300 مليون دينار عراقي

أمر مستغرب أن تكون إحدى حلول "أزمة السكن" سببًا لتعميقها وإدامتها، وزيادة الإحباط والحزن في نفوس الباحثين عن سكن، ففي الوقت الذي كان الأمل منقطعًا بالحصول على سكن، كان الشعور بالراحة أكثرمن الوقت الحالي الذي فرض على اليائسين مشاهدة فرص كثيرة قد تنقذهم من التشرّد وشبح الإيجار، إلا أن هذه الفرصة لم تخلق لهم.

اقرأ/ي أيضًا: شقة في بغداد تساوي "فيلا" تركية.. ما هي أسباب ارتفاع أسعار عقارات العاصمة؟

فيما عدا مجمّع بسماية الذي تستثمره الدولة العراقية عبر هيئة الاستثمار، والذي يعتبر المجمع السكني الاستثماري الوحيد الذي يناغم حاجة العراقيين للسكن وقدرتهم على شراء الوحدات السكنية بما يناسب قيمة دخلهم الشهري، فإن جميع المجمعات السكنية الأخرى تعد وسيلة تجارية، أي أن الطرفين (البائع والمشتري) لديهم أهداف تجارية وراء عملية البيع والشراء هذه، لكن الباحثين عن سكن من العوائل العراقية فهم ليسوا أطرافًا بهذه المعادلة.

وعند الاطلاع على المجمعات السكنية هذه، ولا سيما تلك التي انشأت في أماكن داخل العاصمة بغداد، مثل المجمعات السكنية المنشأة في الكاظمية والمنصور وشارع مطار بغداد وغيرها من الأماكن المأهولة والتي ترتفع فيها أسعار العقارات، توفرالمجمعات السكنية وحدات سكنية عبارة عن شقق بمبالغ تضاهي أسعار المنازل، ليصل سعر الشقة أحيانًا إلى اكثر من 200 ألف دولار أي قرابة 300 مليون دينار عراقي، وعلى شكل دفعات بفترة تسديد لا تصل في أحسن الأحوال إلى 5 سنوات، وهو رقم يعد "خياليًا" لا تتمكن الفئات المستهدفة التي تعاني من أزمة سكن من توفيره، حيث أن توفير مبلغ 300 مليون دينار خلال 5 سنوات يتطلب توفير 5 ملايين دينار شهريًا، وهو ما لا تستطيع توفيره الفئات التي تعاني من أزمة سكن، والتي غالبيتها من الموظفين والمشتغلين بالقطاع الخاص أو الكسب اليومي والذي لا يفوق مدخولهم الشهري عمومًا المليون دينار عراقي.

وعلى سبيل المثال، يوفر مجمع سكني في منطقة العطيفية ببغداد، شقق بمساحات 155 و180 و205 متر مربع، وبسعر 1050 دولار للمتر الواحد، ما يعني أن الشقة بمساحة 155 متر مربع، تبلغ قيمتها نحو 163 ألف دولار، أي قرابة 250 مليون دينار عراقي، ويوفر القائمون على المجمع الاستثماري آليتين للدفع، الأولى الدفع نقدًا على شكل 4 دفعات لمدة سنة ونصف، ما يعني توفير قرابة 14 مليون دينار شهريًا.

أما الآلية الثانية للدفع، فهي عبر قرض المصرف العقاري، فيتمّ دفع 25% من قيمة الشقة كمقدمة، أي نحو 63 مليون دينار، ومن ثمّ يتمّ استحصال قرض من المصرف العقاري قيمته 125 مليون دينار يتمّ تسديده على شكل أقساط شهرية لمدة 20 عامًا، أي بأقساط شهرية تبلغ نحو 600 ألف دينار عراقي، والمبلغ المتبقي من سعر الشقة والبالغ 62 مليون دينار يتم تقسيطه على 20 شهرًا، أي بدفعة شهرية تبلغ أكثر من 3 ملايين و100 ألف دينار، وعلى هذا الأساس؛ فإن من يريد شقة سكنية بمساحة 155 متر في هذا المجمع، سيكون مطالبًا بدفع 63 مليون دينار كمقدمة، ومن ثم دفع أقساط شهرية لمدة عامين مجموعها 3 ملايين و700 دينار، ومن ثم دفع 600 ألف دينار للـ18 عامًا المتبقية لتسديد قرض المصرف العقاري.

وما عدا الدفعات والمقدمات المالية الضخمة، فحتى تلك المجمعات التي توفر قسطًا ماليًا شهريًا بفترة تسديد طويلة، تكون فيها الدفعات الشهرية كبيرة إذا ما قيست بنسبة وتناسب مع مقدارالدخل الشهري، حيث تصل إلى أكثر من 50%، حسبما يشير الباحث في الشأن الاقتصادي مرتضى العزاوي.

ويقول العزاوي في حديث لـ"ألترا عراق"، إن "مؤشر الإسكان ميسور التكلفة يعرف بأنه السكن الذي لا تتجاوز تكلفته 30% من إجمالي دخل الأسرة، حيث تحولت كندا إلى قانون 25% بدلًا من قانون 20% في الخمسينيات، واستُبدل بقانون 30% في الثمانينيات، وتستخدم الهند قانون 40%".

ويضيف أنه "في واقعنا العراقي قامت الدولة بالذهاب نحو الاستثمار لحل أزمة السكن وبناء المجمعات السكنية من قبل القطاع الخاص وبيعها للمواطنين من خلال القروض المصرفية، ويبلغ معدل سعر الوحدات السكنية في المجمعات الاستثمارية هو 100 ألف دولار، أي 150 مليون دينار، وقامت الدولة مؤخرًا بتوفير قروض مصرفية 125 مليون دينار بدون فوائد لشراء هذه الوحدات تدفع في 20 عامًا".

ويبيّن أن "تسديد هذا المبلغ على شكل أقساط شهرية منتظمة يتطلب دفع 520 ألف دينار شهريًا، وإذا كان متوسط دخل العائلة العراقية هو مليون دينار شهريًا، فهذا يعني أنهم سيدفعون أكثر من 50% من دخلهم الشهري من أجل هذه المساكن وهو رقم كبير ناهيك عن تكاليف الخدمات الأساسية الأخرى".

مخصصة للباحثين عن المتعة والتجارة

وبينما لا تستطيع الشرائح المستهدفة التي تعاني من أزمة سكن أو أي موظف بسيط من دفع مبالغ كهذه لشراء وحدات سكنية في المجمعات الاستثمارية، فأنه من المستبعد أن تكون الفئات القادرة على دفع هذه المبالغ وحجز وشراء وحدات سكنية في هذه المجمعات، هي فئات تعاني من أزمة سكن فعلًا، بحسب خبراء اقتصاديين، الذين يشيرون إلى أن من يبلغ مدخوله الشهري نحو 5 ملايين دينار سيتمكن من توفير هذه الدفعات، لشراء منزل بمساحة 100 متر على الأقل خلال فترة عامين ولا ينتظرمجيء هذه المجمعات السكنية التي ستوفر له شقة سكنية والتي لا يمكن أن تقارن بمنزل سكني أفقي على الأرض.

وعلى هذا الأساس، تطرح تساؤلات عن هدف هذه المجمعات الاستثمارية، وكيف تتمكن من بيع وحداتها السكنية وفق هذه المبالغ، وما إذا كانت الفئات التي بدأت بشراء هذه الوحدات السكنية هي فئات لا تعاني من أزمة سكن أصلًا، وما هدفهم من شراء هذه الوحدات أصلًا؟

 الباحث في الشؤون الاقتصادية، إيفان شاكر يتحدث عن ما يصفهم بـ"المستثمرين الهواة" والذين يقسمهم لـ3 أصناف، هؤلاء هم من يشترون الوحدات السكنية من هذا النوع مهما كان ثمنها، وهم ذاتهم من تسببوا بأزمة السكن ورفع أسعار العقارات في العراق عبر خلق ما يسمى بـ"الطلب الوهمي".

ويبيّن شاكر في حديث لـ"ألترا عراق"، أن "أصحاب الأموال في العراق من مختلف الطبقات وحتى الطبقات المتوسطة الذين يصبح لديهم خزينًا من الأموال أول ما يفكرون به هو الاستثمار بالعقارات، فيلجأون لشراء الكثيرمن المنازل والشقق والوحدات السكنية الأمرالذي يتسبب بطلب وهمي بالرغم من ارتفاع الأسعار".

ويوضح أنه "لو بقي الأمر على الطبقات التي تبحث عن سكن  مع هذه الأسعار المرتفعة، فإن البيع سيتوقف وبالتالي كون العرض أكبر من الطلب مما يتسبب بانخفاض أسعار العقارات، إلا أن المستثمر الهاوي الصغير مستمر بشراء العقارات لتأجيرها أو بيعها، فتستمر عملية البيع والشراء ويكون الطلب مرتفعًا ولكنه يبقى طلبًا وهميًا". 

وكذلك الحال بالنسبة للمجمعات السكنية الاستثمارية، حيث يشير شاكر إلى أن "أسعار الوحدات السكنية في هذه المجمعات غير واقعية"، مبينًا أن "المطورين العقاريين أسعارهم لا تتماشى مع القدرة الشرائية للفرد، ويحققون أرباحًا فاحشة، بسبب المستثمرين الهواة الذين يشترون هذه الشقق".

ويصنف شاكر المستثمرين الهواة أو الفئات التي تقوم بشراء هذه الوحدات السكنية إلى 3 أصناف، وهم صنف السياسيين الذين يشترون هذه الوحدات السكنية بأسعار مرتفعة لغسيل الأموال، فضلًا عن "أصحاب المكاتب العقارية وهؤلاء يقومون بشراء 50 أو 100 شقة لغرض الربح ويشكلون طلبًا وهميًا، فضلًا عن أصحاب الدخل الجيد الذين يستثمرون أموالهم بشراء هذه الشقق لبيعها في وقت لاحق، وهؤلاء هواة وغير محترفين لأنهم يتسببون بأزمة اقتصادية للبلد وللأشخاص ذوي الدخل الحدود". 

ويوضح شاكر أن "حل هذه المشكلة بيد الحكومة التي تفتقر للتخطيط، فالحل يكمن بتأسيس شركات مساهمة، ودفع أصحاب هؤلاء الأموال لشراء أسهم في الشركة المنفذة لمشاريع المجمعات السكنية حيث تتم الاستفادة من سيولة أموال هؤلاء المستثمرين وجعلهم يمتلكون أسهمًا فيها بدلًا من استخدام أموالهم لشراء الوحدات السكنية ويخلقون طلبًا وهميًا مرتفعًا، بل يكونوا مساهمين في المشروع ويأخذون أرباحهم بعد بيع هذه الوحدات السكنية للمواطنين حصرًا، وهذا سيخفض التضخم بنسبة 50%".

أسعار العقارات "الخيالية" في بغداد والمحافظات لا تتماشى مع القدرة الشرائية للعراقيين 

فضلًا عن فكرة المستثمرين، تتداول الأوساط المطلعة والعاملة في هذه المجمعات أن معظم هذه الشقق يقدم على شرائها ضبّاط ومسؤولين وأعضاء مجلس النواب و"مشهورين"، حيث أكد عاملون بهذه المجمعات لـ"ألترا عراق"، إن "ضباطًا ومسؤولين بدأوا يشترون شققًا في هذه المجمعات الاستثمارية، خصوصًا وأن هذه الأموال والدفعات التقسيطية للمجمعات تعد بسيطة مقارنة مع ما يستحصلوه من صفقات الفساد والأتاوات والرشاوى التي يحصلون عليها يوميًا بعيدًا عن رواتبهم الرسمية في الدوائر الحكومية".

 

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

"المربع الذهبي".. تسمية ابتدعها الأمريكان وتحولت لعرف بعالم العقارات في بغداد

توضيح مفصل من المالية بشأن تغيير سعر الصرف ومستقبل الاقتصاد