02-سبتمبر-2019

عاقبت هيئة الإعلام قناة "الحرة" بتعليق رخصتها لـ 3 أشهر (فيسبوك)

الترا عراق - فريق التحرير

مستندًا إلى محورين رئيسيين، وجه تحقيق تلفزيوني أمريكي اتهامات بـ "الفساد" إلى المرجعية الدينية العليا في العراق بقطبيها السني والشيعي، ليثير غضبًا عارمًا في الأوساط السياسية وأخرى مقربة من المرجعيات، مقابل مساندة محدودة حظي بها معد التحقيق، وهو عراقي يحمل الجنسية الأمريكية، من قبل صحفيين، مع إشارات إلى أن التحقيق لم "يكن من نسج الخيال" بل أنه تطرق إلى ما يعرفه الكثيرون لكن "لا يجرؤون" على قوله.

بثت قناة "الحرة" الأمريكية تحقيقًا تلفزيونيًا من محورين وجه اتهامات بالفساد إلى رئيس الوقف السني وممثلي المرجع علي السيستاني في كربلاء  

تضمن المحور الأول وثائق حول رئيس الوقف السني، عبد اللطيف الهميم، تشير إلى بقائه في المنصب على الرغم من صدور حكم قضائي بحقه في قضية تتعلق بالفساد، وهو ما يحظره القانون العراقي، كما استعرض وثائق أخرى قال معد التحقيق إنها "تثبت تورط الهميم بهدر مئات الملايين من الدولارات"، ولم يفوت الفرصة فذكّر بماضي الهميم ضمن رجال الدين الذين كانوا تحت عباءة رئيس النظام السابق صدام حسين.

اقرأ/ي أيضًا: الحرة تفرز طواقمها بين الالتزام بالمسار الإماراتي وتهمة "الطائفية"

لقطة من تقرير قناة "الحرة" في المحور الخاص بالهميم

طرح التحقيق في شقه المتعلق بالوقف السني، قضية أخرى وهي ممتلكات الوقف، والتي منحت للاستثمار وفق آلية "غير واضحة"، فيما أشار إلى أن كل ذلك لم يكن كافيًا لمحاسبة رئيس ديوان الوقف السني، لما يتمتع به من حصانة بدأت بمشروع وضعه رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، واستكملت بعلاقات مع فصائل مسلحة يديرها قاسم سليماني.

حتى هذه النقطة، كان التحقيق يمكن أن يمر دون التفات كبير أو ربما كان الوقف سيصدر بيانًا للرد، لكن ما جاء بعد ذلك فتح النار على محطة "الحرة" الأمريكية ومعد التحقيق "معن الجيزاني"، حيث طرح التحقيق في محوره الثاني سؤالًا خطرًا للغاية يدور في أوساط الصحفيين والناشطين العراقيين كثيرًا، لكن لا يجرؤ الكثيرون على طرحه في مواد صحفية رصينة خوفًا من التعرض لهجمات شرسة، فضلًا عن صعوبة الحصول على المعلومات ورفض أغلب المحطات والوكالات المحلية نشر مثل تلك المواد التي تحتك بـ "المقدسات".

صورة من التحقيق الأمريكي بشأن الصافي والكربلائي

يقول السؤال: أين تذهب الأموال التي تجبى للعتبتين الحسينية والعباسية في كربلاء، وعائدات المشاريع الاستثمارية الهائلة التي تديرها العتبتان، والتي تتغذى وتنمو وتكبر من "رحم المال العام؟، لم يتوصل التحقيق إلى إجابات شافية حول ذلك، حيث أشارت شهادات استعرضها إلى أن تلك الأموال الضخمة لا تخضع إلى رقابة الدولة، ومصيرها مجهول، في حين تمنح الحكومة تخصيصات إضافية للعتبات كما تحصل على الخدمات العامة مجانًا.

أثار التحقيق ردودًا غاضبة جدًا من أغلب الأطراف السياسية مع مطالبات بالتحرك ضد المحطة الأمريكية بتهمة "ضرب معتقدات" العراقيين

أشار معد التحقيق في محوريه، إلى رفض الطرفين المتهمين في التحقيق الرد على الأسئلة حول موضوع البحث الصحفي ورفض إجراء مقابلات للحديث عن الشبهات التي تدور حولها، وهو ما يتبعه أغلب المسؤولين للتهرب من الإجابة عن الأسئلة التي تتعلق بالتقصير أو الفساد، ثم يصدرون بيانات تدعو إلى تحري الدقة واستقاء المعلومات من مصادرها الرسمية مقابل كل تقرير أو مادة صحفية تسلط الضوء على الأزمات في البلاد.

ردود "نارية".. وصمت حكومي!

ردود الفعل جاءت غاضبة من أغلب الأطراف السياسية من أحزاب وكتل، فضلًا عن قياديين في الحشد الشعبي وحتى رئيس البرلمان، على ما وصف بـ "التطاول" على مقامات المرجعية الدينية في العراق، حيث طالبت تلك الأطراف في بيانات غاضبة بمحاسبة المحطة الأمريكية، فيما أكدت السفارة الأمريكية في بغداد حق الحكومة في مساءلة قناة "الحرة" عن "أي تقرير ترى أنه تضمن معلومات غير دقيقة أو بعيدة عن المهنية، أو تتعارض مع السياسات الأمريكية".

كما عدت الأطراف القريبة من الحشد الشعبي التحقيق، ضمن سياق "الهجمة" التي يتعرض لها العراق من قبل واشنطن وتل أبيب، بعد الضربات الجوية التي استهدفت مخازن سلاحه، بهدف "ضرب" عقائد العراقيين وزعزعة موقفهم من المرجعيات الدينية.

من بين الأطراف التي أصدرت بيانات استنكار، حزب الدعوة، الذي تصدر حكم البلاد لنحو 15 عامًا، هُدر خلالها مئات المليارات من الدولارات ضمن مشاريع وهمية وصفقات فساد وفق تقارير دولية موثقة، فضلًا عن تيار الحكمة الذي أعلن انتهاج المعارضة، حيث جاء البيان باسم زعيمه عمار الحكيم، دون أن يعطي فرصة أو يوجه أعضاء كتلته في البرلمان بمتابعة الملف وتحري حقيقة الاتهامات التي وردت ضد الأطراف المتهمة، باعتبار ذلك في صلب مهامه كمعارضة.

أما الطرف الأول والمعني الأبرز، رئيس الحكومة ومجلس مكافحة الفساد، عادل عبد المهدي، فقد اتبع اسلوبه المعتاد بالصمت، وكذلك الحال بالنسبة لهيئة النزاهة التي جاء على ذكرها التحقيق بالإشارة إلى مصرع رئيسها السابق بـ "حادث سير" غامض، بعد تصريحات قال فيها إنه يحاول فتح ملفات فساد انغمست فيها شخصيات كبيرة وأسماء بارزة جدًا.

بيان  طويل من الوقف السني.. ومؤتمر للعتبتين!

ردود الفعل المدوية تلك والجدل الكبير الذي أثارته المادة الصحفية في مواقع التواصل الاجتماعي، شجعت ديوان الوقف السني على الرد، حيث أصدر بيانًا مطولًا ينفي من خلاله الاتهامات التي وجهت إلى رئيسه عبد اللطيف الهميم، على الرغم من أنها كانت معززة بوثائق رسمية.

لقي معد التحقيق "تضامنًا محدودًا" من صحفيين وناشطين داخل البلاد رأوا في التحقيق ترجمة لأسئلة تدور في أذهان أغلب العراقيين

تضمن البيان ست نقاط، واتهم القناة الأمريكية بـ "التبشير بمشروع أمريكي يستهدف العراق وتاريخه ودينه وحضارته"، مشددًا أن ما عرضه التقرير يندرج ضمن مشروع "أمريكي – صهيوني"، فيما هدد بـ "مقاضاة قناة الحرة ومن يقف خلف البرنامج".

اقرأ/ي أيضًا: هل اشترى ابن زايد قناة الحرة؟.. التفاصيل الكاملة من مصادر خاصة

وعلى الرغم من الاستنفار الذي أثاره التقرير داخل إدارتي العتبتين في كربلاء، وفق مصادر داخلهما تحدثت لـ "الترا عراق"، اختارت العتبتان أن لا تصدرا أي رد رسمي حوله، وكلفت إعلاميين فيهما للتحدث عن عمل "العتبات المقدسة والخدمات التي تقدمها للعراق"، عبر قناة العراقية شبه الرسمية، بحضور مدير الثقافة والإعلام الدولي في العتبة العباسية جسام محمد السعيدي.

عقوبة "مشكوك" في قانونيتها!

انسياقًا وراء الموقف للأطراف النافذة، تحركت هيئة الإعلام والاتصالات وعقدت اجتماعًا لـ "تحليل" التحقيق التلفزيوني، أفضى إلى اعتبار المحتوى المقدم مخالفًا لـ"قواعد البث الإعلامي لمخالفته معايير المهنية الصحفية، وعدم إحراز الدقة في الاتهامات الموجهة ضد الشخصيات الدينية"، فضلًا عن اعتماد شهادات دون سند، ومخالفات أخرى فصلتها هيئة الإعلام في بيان من ثلاث صفحات.

رد الوقف السني على الاتهامات الموجهة إلى رئيسه في بيان مطول فيما انتدبت العتبتان مجموعة من إعلامييها للرد عبر قناة "العراقية"

بناءً على ذلك أصدرت الهيئة، عقوبة تعليق رخصة عمل مكتب قناة "الحرة" في العراق لمدة ثلاثة أشهر وإيقاف نشاطها في العراق إلى أجل غير محدد، مع إجبار القناة على بث اعتذار من مكتب القناة في بغداد، والتعهد بالالتزام بلائحة قواعد البث الإعلامي.

كما عدت الهيئة تلك الإجراءات إنذارًا نهائيًا للمحطة، وهددت بعقوبات أشد في حال "تكرار الإساءة" من المحطة، أو خرق قواعد البث، بحسب نص البيان، فيما تركت للجهات المتهمة في التحقيق حق مقاضاة القناة الأمريكية أمام القضاء العراقي، على أن تقدم هي رأيها الفني في ذلك.

لكن الخبير في شؤون القانون طارق حرب أكد في بيان صحفي، إمكانية الطعن بتلك العقوبة وفق قانون سلطة الاحتلال الأمريكي في 30 آذار/مارس 2004، والذي لم يخول مجلس أمناء هيئة الإعلام والاتصالات فرض عقوبة، باعتباره سلطة تشريعية للهيئة.

تضامن محدود!

مقابل كل تلك المواقف، أعلن سياسيون وصحفيون وناشطون عن مساندة الصحفي الذي أعد التحقيق، كما أكد بعضهم أن التساؤلات التي وردت في التحقيق تدور في أذهان أغلب العراقيين، وتترجم في النقاشات المتعلقة بمواسم الزيارات والطقوس الدينية، التي تتطرق إلى أموال العتبات المستثمرة في المشاريع، في ظل وجود شريحة كبيرة من الفقراء والمعوزين والأرامل والأيتام، يقعون فريسة الاستغلال والابتزاز.

عاقبت هيئة الإعلام والاتصالات المحطة الأمريكية بتعليق رخصتها في العراق لثلاثة أشهر مع إجبارها على بث اعتذار من مكتبها في بغداد

لكن الأصوات المتضامنة جاءت محدودة، مقابل صحفيين وناشطين آخرين، رأوا في التحقيق التلفزيوني "مجانبًا للمعايير المهنية" أو "انتهاكًا صارخًا للمقدس الأقدس" بالنسبة للعراقيين، مذكرين بدور المرجعية الدينية في الوقوف بوجه تنظيم "داعش" ودعواتها المستمرة لمحاربة الفساد.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"مطلوب دم".. هل ينقذ فيسبوك الصحافيين من "بطش المسؤولين" بسلاح العشائر؟

الاتصالات تحجب المعلومات عن صحفيين.. الحديث عن ملف الإنترنت ومشاكله لا يجوز!