03-أغسطس-2019

حذر ناشطون وصحفيون من خلق تطرف جديد في الأنبار نتيجة محاولات فرض "القدسية"

الترا عراق - فريق التحرير

انتشرت قوات من شرطة مدججة بالأسلحة في الأسواق والمراكز التجارية والمقاهي وملاعب كرة القدم، وحتى أماكن السباحة في الرمادي ومناطق أخرى من محافظة الأنبار، لكنها لم تكن تبحث عن "إرهابيين" أو مطلوبين بجرائم، بل شباب يرتدون البناطيل القصيرة "البرمودا".

شنت شرطة الأنبار حملة غير مسبوقة استهدف شبابًا بتهمة ارتداء بناطيل قصيرة و"التحرش" بالنساء في الأسواق والشوارع

العمليات هي الأولى من نوعها في المحافظة التي يقع مركزها على بعد 110 كيلومترات غرب العاصمة بغداد، بعد حظر تلك الأنواع من الملابس من قبل تنظيم "داعش"، حيث تمكنت القوات المسلحة العراقية من تحريرها في 9 كانون الأول/ديسمبر 2017، لكن غير جديدة على مستوى البلاد فقد جرت في كركوك وبعض مناطق محافظة صلاح الدين.

اقرأ/ي أيضًا: "أسرار التعذيب" في سجون العراق: قصة معتقل واجه "الموت البطيء" وشهادة ضابط!

وأسفرت العملية عن اعتقال نحو 200 شاب، تم حلق رؤوس بعضهم بشكل كامل كعقاب، وفق مصادر أمنية، فيما أكد أحدهم لـ "الترا عراق"، إن أحد أصدقائه كان من بين المحتجزين من قبل الشرطة حين كانا يتجولان في سوق داخل الرمادي، حيث اقتادته الشرطة مع أربعة آخرين إلى مركز شرطة الحرية في الرمادي، "وتم هناك حلق رؤوسهم وتهديدهم بالحبس لفترة طويلة في حال ارتداء البرمودا مجددًا"، طالبًا عدم الكشف عن اسمه.

من جانبه أكد الناشط المدني عمر الفراجي تلك المعلومات، مشيرًا إلى أن بعض المعتقلين احتجزوا في مركز شرطة الخالدية، فيما بين لـ "الترا عراق"، أن "المعتقلين جمعوا من الأسواق والمراكز التجارية والمقاهي وملاعب كرة القدم وحتى أماكن السباحة".

كما أشار الفراجي، إلى أن "بعضهم تم حلاقة رؤوسهم"، واصفًا ما جرى بـ "الأمر المعيب في محافظة الأنبار، التي عادت فيها الحياة بشكل سريع بعد حرب، وكان أبناؤها أول من أعادها إلى الواجهة".

عادات وتقاليد.. "شذوذ وتحرش"!

لكن محمد ياسين، عضو مجلس محافظة الأنبار، يرى أن ما جرى كان "أمرًا اعتياديًا وفق الاعتبارات الاجتماعية والدينية"، على الرغم من تأكيده أن "الحكومة المحلية لا تعلم بالأمر، لكنه أمر طبيعي إذا حدث في الأنبار".

يقول ياسين لـ "الترا عراق"، أن "الطبيعة العشائرية والدينية للأنبار تحتم منع الظواهر السلبية في المحافظة، وفي حال قيام الشرطة بالأمر فإن مجلس المحافظة يؤيد تلك الحملات التي تستهدف المخالفات الاجتماعية".

أعلنت عدة جهات مسؤولة في الأنبار مساندتها لحملة الشرطة مقابل احتجاج ناشطين وصحفيين عبر صفحات التواصل الاجتماعي لما عدوه انتهاكًا للحريات 

ولم يختلف كثيرًا موقف قائممقام الرمادي إبراهيم الجنابي الذي أشاد بالحملة، عبر رسالة وجهها إلى قائد الشرطة قال فيها: "يومًا بعد آخر تثبت لنا أخي العزيز أنك الأجدر على قيادة شرطة المحافظة، فالمحافظة على المنظومة الأخلاقية وموقع الرمادي والوقوف الحازم بوجه المتخنثين والمتشبهين بالنساء ممن يضعون المكياج ويلبسون الملابس التي لا تليق بالرجال ويتسكعون في شوارع الأطباء بين النساء وعيادات الأطباء ليزاحموا النساء وليحاولوا التحرش بعد أن فقدَ بعضهم للأسف أخلاقه ونزعها مع ملابسه، فكنت لهم أخي العزيز بالمرصاد كما أوقفت نزيف الأرواح ها انت توقف نزيف الأخلاق".

أما قيادة الشرطة فقد قالت إن إجراءتها جاءت "تماشيًا مع رغبة أهالي الرمادي وأصحاب العوائل وفق شكاوى تقدموا بها، حول وجود ظواهر شاذة تخدش الحياء، حيث تتعرض العوائل عند ذهابها إلى الأسواق والمولات لظواهر منافية ومخالفة للآداب والأعراف العشائرية"، مؤكدة في بيان لها وجود "حالات تحرش وإطلاق كلمات لا تليق بمحافظتنا من شباب يرتدون ما يسمى بالبرمودة"، على حد تعبيرها.

أضاف بيان الشرطة، أن "من المعروف لنا أن هذه الملابس من غير اللائق ارتداؤها في الأماكن العامة وخصوصًا الأسواق والمحال التجارية التي يكون فيها تواجد للعوائل والنساء، وأن بالإمكان ارتداء هذه الملابس داخل البيوت او عند البحيرات والأماكن السياحية التي يقصدها الشباب"، فيما بين أن "قانون العقوبات العراقي فيه مواد قانونية لمنع مثل هكذا حالات والمحافظة على الآداب العامة كما هناك وضمن هيكلية الشرطة ومنذ مطلع ستينات القرن الماضي، قسم يسمى بقسم الآداب العامة".

اقرأ/ي أيضًا: "الشواية" وصعق "العضو الذكري".. فضيحة تعذيب جديدة في سجون السلطة تثيرها النجف!

كما أكدت قيادة الشرطة، أن حملتها جاءت "تنفيذًا للقانون، ولم يكن القصد منها المساس بحرية الشباب، بل الحفاظ على التقاليد والأعراف الأصيلة لمحافظتنا، والتي هي من طبع وخصال كل عشائر الأنبار"، دون التطرق إلى اعتقال الشباب وحلاقة رؤوسهم، حيث بينت أن الإجراءات اقتصرت على أخذ تعهدات منهم "بكل احترام ومهنية".

تابعت شرطة الأنبار حملتها باعتقال ناشطين استنكروا إجراءاتها عبر فيسبوك وهددتهم بالسجن و"التغييب" وفق شهادة أحد المعتقلين 

بدوره برر رئيس البرلمان محمد الحلبوسي الذي ينحدر من الأنبار، الحملة، بتعارض الملابس التي يرتديها هؤلاء الشباب مع التقاليد السائدة، لكنه دعا الجهات ذات العلاقة إلى "الاكتفاء بنصحهم لمنع الحرج للعوائل مستقبلًا".

"قدسية الأنبار".. يزعزعها فيسبوك!

ردًا على ذلك، سارع ناشطون أنباريون وآخرون من محافظات ومدن أخرى إلى إدانة حملة شرطة الأنبار والمطالبة بعدم التضييق على الحريات، فيما أكد بعضهم أن "الأخلاق لا علاقة لها بنوع الملابس". لكن الشرطة ردت بحملة اعتقالات جديدة ضد مناهضي حملتها الأولى عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

طالت الحملة ناشطين في الخالدية، من بينهم عبدالله ناظم، مساء الجمعة 3 آب/أغسطس، الذي كتب عبر حسابه في فيسبوك استنكارًا للحملة ضد مرتدي "البرمودا"، إن "من باع الأنبار كان يرتدي الدشداشة والعقال"، في إشارة إلى الزي العشائري الذي ترتديه شخصيات تتهم بالتواطؤ مع تنظيم "داعش" ومن قبله تنظيم "القاعدة".

وما أن انتشر نبأ اعتقال ناظم حتى سارع ناشطون إلى إطلاق حملة تضامن معه، فيما أكدت قيادة الشرطة في اتصالات مع "الترا عراق" عدم علمها بحادثة الاعتقال، لكنها قالت على لسان مصدر مسؤول فيها إنه ربما قد اعتقل وفق شكاوى وردت بحقه بعد صدور مذكرة اعتقال.

بعد ساعات من الاحتجاز، أطلقت الشرطة سراح الناشط وزميله، مع أخذ تعهدات منهم بعدم الكتابة مجددًا ضد حملتها، كما هددتهم بـ "التغييب" كما أكد شقيقه عبد الحميد ناظم لـ "الترا عراق".

بدوره قال عبد الله، إن "عائلتي أبلغتني مساء أمس، بوجود قوة من الشرطة تبحث عني، فتوجهت بعدها إلى مركز شرطة الخالدية وتم إيقافي في المركز، بسبب منشورات فيسبوك حول حملة البرمودا"، مؤكدًا لـ "الترا عراق"، القائمين على احتجازه أخذوا بيانات المتفاعلين مع منشوره عبر حسابه الشخصي، مع إجباره على توقيع على تعهد بعد الكتابة في هذا الموضوع مجددًا أو مواجهة السجن لستة أشهر.

يقول الصحفي محمد ناصر، إن "ما يجري في الأنبار لا يختلف عما جرى من لغط عقب افتتاح كأس غرب أسيا في كربلاء، بحجة كونها مدينة مقدسة"، متهمًا المسؤولين في محافظة الأنبار، بـ "محاولة تقليد ما يجري في المحافظات الأخرى متناسيين ما مرت به بمحافظتنا ومحافظات الوسط قبل سنوات قليلة بسبب التطرف في الأمور الدينية والاجتماعية، وأنها جميعا تتسبب بأعادة الأوضاع في المحافظة لحافة الهاوية مجددًا".

يرى صحفيون وناشطون أن ما يجري في الأنبار لا يبتعد عما جرى في كربلاء في محاولة تقليد من قبل السلطات الأنبارية محذرين من خلق تطرف جديد

يضيف ناصر في حديث لـ "الترا عراق"، أن "الأنبار تحتاج إلى إعمار وتصالح وتسابق في صناعة مستقبل أفضل، ولا تحتاج لتناحر بسبب الملابس والقضايا الدينية والعشائرية، لآن الأخيرة ستوصلنا حتما إلى مجتمع ليس مقدسًا في الأنبار، بل مجتمع متطرف لا يعرف سوى ترهيب الناس".

لكن استياء الناشطين المطالبين بضمان الحريات وتحذيراتهم تبدو غير ذات قيمة بالنسبة لقيادة الشرطة، حيث عاد قائدها الفريق الحقوقي هادي رزيج كسار ليتعهد باستمرار ملاحقة "مرتدي البرمودا" في آخر تصريح له.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الانتهاكات وسوء الخدمات في مواجهة الموسيقى.. أيهما "يخدش" قدسية كربلاء؟

قانون قدسية كربلاء.. "لمدينة أحلى وأجمل" بلا حياة!