الترا عراق - فريق التحرير
بعد 16 عامًا من سقوط النظام الديكتاتوري مقابل ثمن باهظ دفعه العراقيون دماءً وأموالًا، لا تزال ممارسات ذلك النظام راسخةً في ثقافة أكثر مؤسسات الدولة خصوصًا الأمنية منها، فبين الحين والآخر تطفو حادثة على السطح يندى لها جبين الإنسانية، وتعيد إلى الأذهان "جرائم" النظام البائد في تعامله مع السجناء، إذ يموت الكثير من المتهمين تحت وطأة التعذيب الوحشي أو تنتزع اعترافاتهم بتهم لم يرتكبوها.
اهتزت النجف بـ "فضيحة جديدة" ارتكبتها السلطة بوفاة موقوف لم تثبت إدانته بعد تعرضه للتعذيب الشديد على يد ضباط
فالنجف التي تطالب السلطات فيها ليل نهار بتطبيق "قانون القدسية"، سجلت عدة حالات "انتهاك لقداسة الإنسان" على يد أجهزة تلك السلطة دون أي إجراء رداع، حيث عادت إلى الواجهة بـ "جريمة" مقتل شاب آخر في مركز للشرطة.
اقرأ/ي أيضًا: سجون العراق تحت مجهر "رايتس ووتش": أوضاع مهينة وتهم باطلة!
ولم تكد المدينة تغيب عن الصورة بعد حادثة "علوش جرمانة" الذي اتهم بالإساءة إلى الرموز الدينية في مدينة النجف وتم اعتقاله وتصويره بعد حلق شعره وإظهاره للإعلام بشكل مهين وحكم عليه بالسجن لمدة 3 سنوات، بشكل "يتنافى" مع حقوق الإنسان ومبادئ الديمقراطية في بلد يدعي تطبيقها، وحادثة المتهم الإيراني الذي تفاعلت قصته مؤخرًا، حتى برز اسم جديد هو "ماهر راضي الرماحي"، المتهم بالسرقة والذي قضى نحبه تحت وطأة "التعذيب الوحشي" داخل مركز شرطة الغري، يوم الثلاثاء 16 تموز/يوليو، وفق مصادر رسمية وأخرى طبية.
يقول أحد الناشطين المقربين من الضحية يدعى أبو زين العابدين الحسناوي لـ "الترا عراق"، إنّ "الرماحي كان موظفًا حكوميًا يعمل عصرًا في مجمع طبي في محافظة النجف، وهو يتيم ولديه ثلاثة أطفال أصبحوا أيتامًا أيضًا"، مبينًا أن "الضحية اعتقل بعد اتهامه بالسرقة داخل المجمع الطبي الذي يعمل فيه، وفق وشاية شخص من داخل المجمع نفسه بدون دليل، لكنه لم يعترف بالسرقة داخل السجن مطلقًا".
كان رئيس اللجنة القانونية في مجلس محافظة النجف حسين وحيد، كتب عبر حسابه في فيسبوك، : "للأسف الشديد وبسبب رعونة وجهل بعض ضباط التحقيق ومنها مكافحة الغري، كانت سببًا في وفاة البريء ماهر الرماحي، ومن خلال متابعتنا للقضية، هناك ضغوط كبيرة من بعض الضباط على الطب العدلي لتعديل التقرير".
فيما وصفت عضو مجلس محافظة النجف أسيل الطلقاني في تعليق لها ضباط التحقيق الذين يقدمون على هذه الممارسات بـ "المجرمين الذين تظهر شجاعتهم على الفقراء"، وبينت في تعليق آخر أن "المشتكي كان قد تنازل عن دعوته ضد الرماحي في ظل عدم وجود دليل يدينه".
كشف ناشط نجفي أن الضحية تعرض للتعذيب والصعق بالكهرباء مرات عدة طالت حتى "عضوه الذكري"
وكالعادة، نفت شرطة محافظة النجف وجود أي حالات تعذيب في سجون المحافظة، وعزت في بيان لها وفاة الرماحي إلى "فشل كلوي مزمن يعاني منه"، فيما توعدت بمقاضاة وسائل إعلامية وصفحات تواصل اجتماعي "شهرت بضباطها".
لكن الناشط الحسناوي أكد لاحقًا، عبر مداخلة تلفزيونية، أن "الضحية تعرض للتعذيب والصعق بالكهرباء مرات عدة وهو ما يؤدي إلى الفشل الكلوي"، وكشف أن "الضحية تعرض للصعق في عضوية الذكري ما أدى إلى احتراقه"، وفيما شدد أنه "مسؤول قانونيًا عن تلك المعلومات"، أشار إلى أن "المشتكي ضد الضحية كان قد تنازل وسحب الشكوى ضده منذ خمسة أيام لكن لم يتم الإفراج عنه".
يشار إلى أن المحامي علي عايد العذاري وكيل المتهم ماهر راضي، كان وجه كتابًا إلى قاضي مكافحة تحقيق النجف بتاريخ 2 تموز/يوليو جاء فيه: سبق وأن توقف موكلي المتهم (ماهر راضي عبد الحسين) في مكتب مكافحة الغري، وعندما جلب المتهم إلى المحكمة لاحظت عدالة محكمتكم آثار التعذيب وآلات الكوي على جسد موكلي. وهذا يعتبر مصادرة لحقوق الإنسان وحقوق موكلي وأن التحقيق والاعتراف قد انتزع من موكلي بالإكراه والضغط. لذا أطلب من سيادتكم نقل الأوراق التحقيقية وإعادة التحقيق وذلك إحقاقًا للعدالة، وعرض موكلي على اللجان الطبية لغرض فحصه وتحميل المتسببين مسؤولية ذلك.
وتكشف الصور التي ضجت بها الصفحات الناشطة وحسابات الناشطين على فيسبوك وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي لجثمان الشاب ماهر راضي، من غير مواربة تعرضه للتعذيب، حيث تظهر الصور آثارًا للضرب والكوي في باطن القدم بالإضافة إلى آثار جروح عميقة في ذراعه.
يقول طبيب رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية لـ "الترا عراق"، إن "موت ماهر لا علاقة له بالفشل الكلوي وإنه تعرض إلى التعذيب القاسي الذي أدى إلى هذه النتيجة". فيما اتهمت عائلة الرماحي، بحسب مصادر محلية، الأجهزة الحكومية بتزوير تقرير الطب العدلي، لجعل أسباب الوفاة طبيعية.
في ضوء ذلك وجه محافظ النجف لؤي الياسري بالتحقيق في وفاة الشاب ماهر، كما أكد مجلس المحافظة رفضه لـ "أي تجاوز على حقوق الإنسان"، مشددًا أن "المتهم بريء حتى تثبت إدانته".
يقول عضو مجلس محافظة النجف حسن الزبيدي لـ "ألترا عراق"، إن "الرماحي كان يجب أن يعامل وفق ذلك المبدأ، ويفترض بالجهات الأمنية أن تحترم حقوق الإنسان وتتوخى الحيطة في هذا الجانب، وتبحث في الأساليب الحديثة للتحقيق التي توصل إليها العالم، أما أن يكون التعامل مع المتهم بهذا الشكل فهذا شيء مرفوض".
يضيف الزبيدي، أن "اللجنة الأمنية تتابع هذا الموضوع وهي متواصلة مع المحافظة ومع الجهات الأمنية"، لكنه أكد أن "هذه الانتهاكات الواضحة لا تنحصر في مدينة النجف كما يصور في الإعلام، بل في بقية المحافظات أيضًا، بسبب أساليب التحقيق القديمة الكلاسيكية المتوارثة التي تستخدم القوة والعنف من أجل الوصول إلى الحقيقة".
من جانيه يقول الناشط من محافظة النجف حيدر غالب لـ "ألترا عراق"، إن "أغلب المتهمين يضطرون إلى الاعتراف بالتهم الموجه إليهم حتى وإن لم يرتكبوها تحت وطأة الضرب والتعذيب، الذي يمارسه ضباط التحقيق بناءً على شكاوى غير معززة بالأدلة، الكثير منها تكون كيدية"، مطالبًا وزير الداخلية بـ "توجيه ومحاسبة كل من يستعمل الضرب في التحقيق، وثقيف العاملين في هذا المجال من خلال إعطاء المحاضرات في كيفية التعامل مع المتهم بعد جمع الأدلة وطرح أسئلة موضوعية وذكية وفق أساليب حديثة".
اقرأ/ي أيضًا: حقوق الإنسان تؤشر على انتهاكات جسيمة في بعض سجون العراق
ووصف الناشط، ما تعرض له الرماحي بـ "الجريمة وفق كل المقاييس والتي يمكن أن يتعرض لها أي شخص داخل العراق"، مشددًا على ضرورة محاسبة المسؤولين عنها على أمل الحد من تلك الانتهاكات، على حد وصفه.
يشار إلى أن حادثة التعذيب هي الثالثة التي يكشف عنها خلال أسابيع، حيث قضت محكمة جنايات النجف بالسجن بحق ضابطين أحدهما برتبة رفيعة، بتهمة التورط بتعذيب متهم إيراني ما أدى إلى وفاته، بعد تدخل من طهران، فيما لم تكشف أي نتائج بشأن موت قيادي في الحشد الشعبي في أحد مراكز الشرطة في بغداد. بالتزامن مع معلومات خطيرة كشفت عنها منظمة "هيومن رايتس ووتش" وعززتها بالصور عن أوضاع المعتقلين في سجون محافظة نينوى.
لكن السلطات تصر على نفي تلك المعلومات والتهم، على الرغم من تأكيدها من قبل هيئات ومنظمات مختصة من بينها مفوضية حقوق الإنسان، التي أكدت ارتفاع عدد حالات الوفاة داخل المعتقلات في البلاد أثناء التحقيق، وعدته "مؤشرًا خطيرًا لتراجع حقوق الإنسان".
وقال عضو المفوضية القاضي مشرق ناجي في تعليق على حادثة الشاب النجيفي، إن ما حدث "يتنافى مع ما نص عليه الدستور في المادة (37/ج) والتي نصت على أنه (يحرم جميع أنواع التعذيب النفسي والجسدي والمعاملة غير الأنسانية)، وإخلالًا بالتزامات العراق الدولية التي نصت عليها الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب وغيرها من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة لعام 1984، إذ انضم العراق إليها عام 2008، والتي نصت على تجريم ممارسة التعذيب وطرق الاحتجاز، كذلك أشارت إلى الإجراءات الواجب اتخاذها من الدول الموقعة على هذه الاتفاقية، لغرض إكمال التشريعات المتعلقة بمناهضة التعذيب".
كما دعا ناجي، مجلس النواب إلى الأسراع بتشريع قانون مناهضة للتعذيب، مطالباً الحكومة ووزير الداخلية بـ "اتخاذ الإجراءات القانونية الرادعة بحق الذين تسببوا بمثل تلك الحوادث".
بدوره عاد عضو مجلس محافظة النجف حسين العيساوي ليشن هجومًا ضد قيادة النجف، ردًا على بيانها الذي وصفه بـ "المعيب"، مؤكدًا أنه "شاهد بأم عينه آثار التعذيب والآلام كان يعاني منها الرماحي حينما زاره سابقًا في مكتب الغري لمكافحة الاجرام"، كما أشار إلى "نقيب التحقيق اعترف بتعذيبه".
شهدت الأسابيع القليلة الماضية تسجيل عدة حالات وفاة لموقوفين في مراكز وسجون السلطة دون أي تعليق أو إجراءات رداعة من قبلها بالتزامن مع تقرير "هيومن رايتس ووتش"
كان معتقلون سابقون قد كشفوا عن أساليب وآلات تعذيب يتعرض لها الموقوفون على ذمم قضايا في بعض السجون، أدت إلى وفاة أشخاص، أو انتزاع اعترافات باطلة، منها "الشواية" حيث يوضع المعتقل في دولاب تتوسطه نار، كتلك التي تستخدم لشواء الدجاج وغيره، ويبدأ الدولاب بالدوران بشكل مستمر حتى يتيبس جلد المعتقل ويحترق، أو وضع المسامير تحت الأظافر، فضلًا عن أساليب أخرى منها التعرية والاعتداء الجنسي والاغتصاب والتبول على السجناء، والصعق بالكهرباء على أجزاء حساسة من الجسد والتعرض لدرجات الحرارة والبرودة القصوى لفترات طويلة، والتعليق من الأطراف.
أما وزارة الداخلية فقد انتظرت ساعات طويلة، قبل أن تصدر بيانًا مقتضبًا على لسان الوزير ياسين الياسري، قال فيه إنه "وجه بتشكيل لجنة تحقيق لتقصي الحقائق بشأن وفاة أحد الموقوفين في مركز مكافحة إجرام الغري التابع لمكافحة إجرام النجف"، فيما لا يتوقع أي إجراء حكومي حقيقي رداع في ظل تجاهل رئيس الحكومة عادل عبد المهدي، على مدى أسبوعين التعليق على التقارير والحوادث التي تشير إلى انتهاكات واضحة في السجون العراقية.
اقرأ/ي أيضًا:
تعذيب ومحاكمات سريعة وإعدامات.. تحديات "مرعبة" خلفها آلاف "الدواعش"!