29-مايو-2019

كان العامل المشترك هو "محاكمات الـ10 دقائق" التي تنتهي بحكم الإعدام (Getty)

يعد ملف محاكمة عناصر تنظيم "داعش"، أحد أعقد الملفات التي تواجه الحكومة بعد هزيمة التنظيم في العراق وسوريا واعتقال عشرات آلاف المتهمين بالانتماء إليه، حيث نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، تقريرًا مطولًا كشف عن "تحديات مرعبة" يواجهها فريق من الأمم في العراق، مهمته مراقبة المحاكمات التي يخضع لها المتهمون، والذين تسلمت بغداد بعضهم من سوريا، ومن بينهم آلاف الأجانب، تضمن إشارات إلى محاكمات "سريعة غير عادلة" تنتهي غالبيتها بالإعدام.

كشف التقرير عن "تحديات مرعبة" يواجهها فريق من الأمم المتحدة في العراق مهمته مراقبة محاكمات يخضع لها الآلاف من عناصر "داعش"

أعد التقرير ديفيد مارشال، وهو باحث في مركز شيل لحقوق الإنسان في كلية القانون التابعة لجامعة ييل، والقائد السابق للفريق القانوني لبعثة الأمم المتحدة إلى العراق "يونامي"، وترجمه "الترا عراق" دون تصرف وفيما يلي نصه:


في الأسابيع القادمة، ربما ستقوم قوات سوريا الديمقراطية بتسليم 28 ألف متهم بالانتماء لـ "داعش" إلى السلطات القضائية العراقية بغرض مقاضاتهم. ومن المحتمل جدًا أن يكون بين المتهمين آلاف الأجانب القادمين من 50 دولة على الأقل. وسيكون بانتظار هؤلاء محاكمة، رغم اتسامها بالحد المطلوب من العدالة، إلا أنها عادة ما تنتهي بحكم الإعدام، وهي حقيقة ستتسبب بتحدي للأمم المتحدة، والتي كانت قد أرسلت فريق تحقيق يساعد القضاء المحلي بعمليات التحقيق والمحاكمة ببعض هذه الجرائم.

اقرأ/ي أيضًا: ماذا ينتظر العراق بعد رمضان؟ مصدر خاص: الأنبار جزء من "صفقة القرن"!

محاكمات المتهمين بالارتباط بتنظيم "داعش" في العراق بدأت قبل إعلان النصر على التنظيم بشكل رسمي عام 2017. في 2015، اتهم وأدين وأُعدم العشرات بوصفهم إرهابيين للأدوار التي قاموا بها في مذبحة سبايكر عام 2014.

في العام التالي، نشرت الأمم المتحدة سلسلة من التقارير، تضمنت عمليات إبادة جماعية يتهم تنظيم "داعش" بارتكابها، وجرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وجرائم ضد طائفة الإيزيديين من الأقليات. وتبع ذلك مطالبة المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية بإنشاء محكمة دولية مدعومة من قبل الأمم المتحدة، لمحاكمة المتهمين بالإرهاب. وكان الهدف هو التركيز على الجرائم المرتكبة ضد الأقليات قبل النظر بإمكانية التوسع لتغطية الجرائم الأخرى المتهم بارتكابها تنظيم "داعش"، ضد كل المجاميع السكانية في العراق، بضمنهم السنة، الذين كانوا ضحية تقليدية لتهمة الإرهاب.

لكن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، لم تكن متحمسة جدًا لتأسيس محكمة دولية بسبب كلفتها المادية، ومعارضة العراقيين، الذين بدأوا بمحاكمة وإدانة المئات من المتهمين بالانتماء لـ "داعش".

لم تكن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة متحمسة لفكرة تأسيس محكمة دولية لمحاكمة عناصر "داعش" لكلفتها العالية

الجمعية العامة في الأمم المتحدة، والتي كانت قد أسست عام 2016 كيانًا شبه قضائي يعمل لتقصي الجرائم الدولية المرتكبة في سوريا، منحت مجلس الأمن الضوء الأخضر في أيلول/سبتمبر 2017، لتأسيس فريق تحريات للمساعدة في التحقيقات والمحاكمات الدولية لعناصر "داعش" في العراق، المتهمين بتنفيذ جرائم فظيعة.

بعد أشهر من التفاوض بين الأمم المتحدة والحكومة العراقية، اتفق الجانبان، في شباط/فبراير 2018، على معايير التحقيقات. الأمر الأكثر وضوحًا، أن فريق التحقيق الدولي لن يقدم الأدلة إلى السلطات المحلية، حتى يتأكد من عدالة واستقلالية الإجراءات القانونية المحلية. إضافة إلى ذلك، ووفقاً لسياسات الأمم المتحدة، فإن الفريق لن يسلم الأدلة في حالة وجود احتمالية الحكم بالإعدام على المتهم.

اتفقت الأمم المتحدة وبغداد على معايير للتحقيقات عام 2018 تقضي بعدم تسليم الحكومة العراقية أي معلومات حتى التأكد من عدالة المحاكمة وعدم إصدار حكم إعدام

وحتى الآن، تتعارض هذه الشروط مع الطريقة التي يتعامل بها العراق مع قضايا عناصر "داعش". فمنذ 2015، حاكمت البلاد المتهمين بقانون الإرهاب، وهو نص قانوني قصير وملتبس، يشترط على الدولة من أجل إدانة المتهم، توفير دليل على عضويته في تنظيم إرهابي، أو توفيره دعمًا غير محدد للتنظيم. ولا يشترط اثبات التورط بجرائم أخرى. ويكون حكم الإعدام ملزم في العديد من هذه القضايا. ووفق هذا النظام، عالجت محكمة الموصل 9000 قضية من قضايا "داعش"، فيما قالت الحكومة العراقية، إن محكمة الموصل أدانت 500 مقاتل أجنبي في العام نفسه.

ورغم المشاكل التي ظهرت على السطح بسبب المعايير التي وضعها المحققون الدوليون، إلا أن الحكومة العراقية لا تزال ترحب بالفريق، معتقدة أنها طريقة للمساعدة بإعادة بناء السعة الفردية في النظام القضائي، الذي أجبر أفراده في مناطق واسعة من البلاد على الفرار هربًا من تنظيم "داعش".

راقب فريق الأمم المتحدة 150 محاكمة جرت بشكل أساسي في بغداد والموصل جرى بعضها بـ "فوضوية" واتسمت أخرى بـ "الاحترافية العالية"

ووفقًا لذلك، بدأت مهمة الأمم المتحدة في العراق، في آيار/مايو 2018، بمراقبة المحاكمات في بغداد بشكل منظم، حيث يتم البت بمعظم القضايا. وفي الفترة بين آيار/مايو 2018 و شباط/فبراير 2019، قام الفريق الذي ترأسته بمراقبة حوالي 150 محاكمة وبعض التحقيقات، بشكل أساسي في بغداد، وبعضها كان في الموصل، ثم لاحقًا في أربيل.

قام الإعلام العالمي برسم صورة قاتمة حول هذه القضايا، كان العامل المشترك فيها، هو "محاكمات الـ10 دقائق" التي تم خلالها تحديد مصير المشتبه بهم، وللتأكد من ذلك، فإن المحكمة الأكثر انشغالًا، المحكمة الجنائية المركزية في بغداد، كانت فوضوية، وجلسات الاستماع تتم فيها على عجالة، وفي بعض الأحيان، يكون الدليل الوحيد المقدم ضد أحد عناصر "داعش" هو اعترافه، والذي عادة ما يزعم أنه منتزع تحت التعذيب.

لكن في محاكم أخرى، كانت الإجراءات تتم باحترافية أكبر وبشكل ملحوظ للغاية. ففي محكمة الكرخ، أعطي لبعض القضايا الكثير من العناية والانتباه، وضمت ملفات التحقيق شهادة الشهود، وأدلة موثقة، وتقارير من الطب الشرعي.

لا شك أن المحاكمات لا تزال تبدو بشكل روتيني، لكن عملية العثور على الحقائق، ومراحل التحقيق قد تستمر لأشهر وتستمر لجلسات عديدة. جلسات الاستماع اللاحقة، لخصت الحقائق وسمحت بتعليقات نهائية من أطراف القضية.

أما في المحاكمات التي تمت مراقبتها في الموصل، العاصمة السابقة لتنظيم "داعش" في العراق، كانت أكثر احترافية من ذلك، كان هناك اهتمامًا أكبر بجمع وتقصي الحقائق وتقييم الأدلة. ويعتقد ممثلو المنظمات غير الحكومية الدولية، أن القضايا التي شهدناها ربما تكون أعدت بهذه الطريقة من أجل حضور الأمم المتحدة، لكن هذا غير محتمل، لأن الأمر سيحتاج إلى تنسيق فوق المعقول، بما في ذلك مع شهود الدفاع، لتنفيذ خدعة كهذه.

قام الإعلام العالمي برسم صورة قاتمة حول هذه القضايا، كان العامل المشترك فيها هو "محاكمات الـ10 دقائق" والتي تنتهي بحكم الإعدام

ورغم جميع هذه التحسينات التي طرأت على إجراءات المحاكم، لا يزال فريق تحقيق الأمم المتحدة يواجه تحديات معقدة للتعامل معها. القانون الجنائي العراقي يحتوي على معيار مبهم وغير حاسم حول المستوى النوعي الكافي للأدلة لأجل الإدانة على ضوئها، إضافة إلى كيفية التعامل مع قضايا الإكراه (العديد من عناصر داعش ادعوا أنهم أُكرهوا على دعم التنظيم الإرهابي).

اقرأ/ي أيضًا: مع امتلاء السجون في العراق.. مخاوف من نشوء "أكاديميات جهادية" جديدة!

في القضايا التي وافق فريق الأمم المتحدة على دعمها، كان يجب الحذر بطريقة التعامل مع مشكلة الاعترافات وباقي الأدلة التي يزعم أنها انتزعت تحت التعذيب. الكثير من القضاة والمحامين العراقيين تحدثوا عن أن التعذيب أمر مؤسف لكنه ممارسة واسعة الانتشار خلال التحقيقات في العراق.

ويبدو أن القانون المحلي العراقي يعتقد أن التعذيب لا يقلل بالضرورة من تماسك القضية. وهذا الأمر يحدث رغم أن دولة العراق منضمة لاتفاقية الأمم المتحدة المناهضة للتعذيب، وقد عقد العراق سلسلة من الالتزامات لمنظمة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بخصوص منع التعذيب ومعاقبة مرتكبيه.

الأمر المحير الآخر، هو من أجل الوصول إلى مرحلة الرضا بخصوص إن كانت التحقيقات أو المحاكمات ترتقي لمرحلة "العدالة" أم لا، على فريق الأمم المتحدة، أن يتأكد من أن المحاكم أمنت دفاعًا فعّالاً للمتهمين. بالتأكيد، معظم القضايا الـ150 التي راقبناها كان الدفاع فيها صوريًا بشكل ملحوظ.

وكان أمرًا شائعًا، أن لا يكون المحامي قد التقى بالمتهم، أو اطلع على محضر المحاكمة مسبقًا قبل الوصول إلى قاعة المحكمة. كان دور المحامين بشكل عام هو التأكيد على براءة المتهم دون عرض أي حقائق بخصوص ذلك، ثم مطالبة المحكمة بإظهار الرحمة. في قضية واحدة، تم تعيين محامي دفاع لأربعة متهمين قبل دقيقة واحدة فقط من المحاكمة، وقام المحامي بتقديم ورقة فارغة، كتب في نهايتها الادعاءات، وخلال المحاكمة، طلب الرحمة. في النهاية حصل المتهمون الأربعة على حكم بالإعدام.

شهدت المحاكمات التي جرى مراقبتها وجود "دفاع صوري" عن المتهمين، حيث يخشى المكلفون بالدفاع من اتهامات التعاطف مع عناصر "داعش"

وقال معظم المحامين الذين التقيناهم، إنهم كانوا خائفين من الدفاع عن موكليهم، خشية أن ينظر لهم كمتعاطفين مع تنظيم داعش. (بعض المحامين احتجزوا، وبعضهم تعرض للضرب من قبل السلطات). في نهاية الأمر، يمكن لمجلس الأمن أن يضع في حساباته تشجيع الحكومة العراقية على السماح بإشراك محاميين دوليين، كما هو الحال في دول كمبوديا ولبنان وسيراليون. ربما سيقود هذا إلى بعض التداعيات، لا سيما بأن الأمر يتعلق بالأمن، لكن إن أمكن تحقيق ذلك، سيشارك هؤلاء المحامون مع الجهات المحلية العراقية، دون الحاجة لإعادة النظر بدور الأمم المتحدة في العراق بهذا الخصوص.

إحدى حيل النظام القضائي العراقي، (من المرجح أن تكون مسببًا رئيسيًا للصداع لدى فريق الأمم المتحدة)، هو حقيقة ما يبدو أنه لا وجود لمحكمة دستورية عليا تمتلك القدرة على معالجة الأسئلة الدستورية، بما في ذلك طلبات الاستئناف بقضايا "داعش"، التي تشير إلى أن المحاكمة انتهكت حقوق المتهم.

دستور عام 2005، الذي تضمن إجراءات قوية لحماية المتهمين، تطلب ثلثي أصوات البرلمان لتأسيس محكمة دستورية، لكن الجهود لم تحصل على ذلك المستوى من الدعم. هناك محكمة تصدر أراءً في بعض الأحيان، لكن حتى الآن لم تتضمن الاستئنافات الجنائية. إذن، فإن عدم وجود مكان لمعالجة أخطاء المحاكمات التي تصل أحيانًا إلى مستوى الانتهاكات الدستورية، يؤكد الاعتقاد بأن محاكمة عناصر "داعش" لا يمكنها أن تكون عادلة وفق شروط الاتفاق بين الأمم المتحدة والعراق.

ثم هناك ما يكون ربما المشكلة الأكثر تعقيدًا التي تواجه فريق تحقيق الأمم المتحدة، وهي تطبيق عقوبة الإعدام. المتهمون الذين يندرجون ضمن صلاحيات فريق الأمم المتحدة لن يكونوا مؤهلين لعقوبة الإعدام، أما الآخرين فهم أقل حظًا، بدءًا من بائع الخضار المتهم بدعم تنظيم داعش، كونه باعَ الطعام لمقاتل في التنظيم غير متهم بقتل أي أحد. ويشهد هذا الوضع تصعيدًا خطيرًا نتيجة لإجراءات واستفهامات دستورية تسبب بها خلق نظام قضائي ذو اتجاهين من المؤكد أن مجلس الأمن الدولي لم يرغب بخلقه.

وباختصار، فإن فريق تحقيق الأمم المتحدة يواجه تحديات مرعبة. بعض هذه المشاكل كان من الممكن معالجتها في الجلسة النقاشية لمجلس الأمن حول انتداب الفريق في أيلول/سبتمبر 2017، ومن المؤكد قبل توزيع الصلاحيات، لكن ذلك لم يحدث. الآن سيبقى فريق الأمم المتحدة قاصرًا، ويبدو أن مجموعة المتهمين بالارتباط بـ "داعش" كبيرة ومتنامية. وبتعبير آخر، لا يزال الوقت سانحًا لتصحيح الأوضاع إن أرادت السياسة فعل ذلك.

يواجه فريق الأمم المتحدة المكلف بمتابعة المحاكمات "تحديات مرعبة" من بينها عدم وجود محكمة دستورية عليا وتطبيق عقوبة الإعدام

وإن لم تفعل، فربما سيعمل فريق تحقيق الأمم المتحدة، على الحد من تركيزه على قضايا مختارة، مثل تلك المتعلقة بقتل الإيزيديين أو مذابح معينة حدثت في محافظة نينوى. كما سيعمل على تقديم الدعم لتحقيقات الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بخصوص رعاياهم المحتجزين في العراق، والذي يمكن محاكمتهم في بلدانهم.

ومن المؤمل أن يوفر الدعم لفكرة محامي الدفاع الدوليين. أما بالنسبة لإقامة محكمة دولية فإن الفكرة لا تزال تحوم في الأفق، وحظت مؤخرًا بتأييد السويد، لكنها لا تزال غير ممكنة بشكل كبير إلا أنها ربما تكون الحل الوحيد لمعالجة الصداع القادم من العراق.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

"هيومان رايتس": تعذيب وانتهاكات لانتزاع اعترافات في سجون الموصل

حقوق الإنسان تؤشر على انتهاكات جسيمة في بعض سجون العراق