07-مايو-2021

18 ألف امرأة عراقية تلقت الدعم النفسي (فيسبوك)

لم تكن المرأة العراقية بعيدةً عن الأضرار الناجمة جرّاء جائحة كورونا في العالم، إذ شكّلت نقطة جوهرية في العراق للدلالة على مدى سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بشكل كبير الملقاة على عاتق المرأة في أزمة عالمية لم تكن بالحسبان، حتى أن حجم الضرر الكبير لم يسعف أي منظمة أو جهة حكومية لتثبيت إحصائية توضح حجم النساء المتضررات في البلاد.

تقول ريزان الشيخ دلير إن المرأة العراقية عانت كثيرًا خلال فترة الجائحة من تعرضها للعنف الأسري من قبل الزوج وأفراد العائلة الآخرين أيضًا

تقول منظمة الصحة العالمية في تقرير صدر مؤخرًا عنها، إن "الفجوة بين الجنسين خلال الجائحة أصبحت كبيرة جدًا"، كما بيّن التقرير أن "المتضرّر الأكبر من أزمة الوباء هي المرأة، في دلالة واضحة على مواجهة هذا العنصر الفاعل في المجتمعات تحديات كبيرة يجب توضيححها وتسليط الضوء عليها"، فيما أشار تقرير المنظمة إلى أن "الدعم المالي يمكن أن يمنع زيادة الفقر وتوسيع نطاق عدم المساواة بين الجنسين، خاصة في البلدان النامية، لافتة إلى أن "النساء تضررن من الجائحة أكثر من الرجال، إذ خسرن دخلهن وتسربن من سوق العمل بمعدل أكبر ووقع على عاتقهن نصيب أكبر من أعمال الرعاية، حيث أن الدخل الأساسي المؤقت يمكن أن يوفر الأمن المالي على المدى القصير ويمهد الطريق لاستثمارات مستقبلية تعالج عدم المساواة المنهجية بين الجنسين".

اقرأ/ي أيضًا: "نخاسة العشيرة" فوق الدين والقانون.. لماذا تنتحر النساء؟

ووفقًا لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فإن استثمارًا شهريًا يتراوح بين 0.07 و0.31 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلدان النامية يمكن أن يوفر أمنًا ماليًا موثوقًا لـ613 مليون امرأة في سن العمل، ويساوي المبلغ 51 مليار دولار من تكافؤ القدرة الشرائية - مبلغ المال اللازم لشراء سلة من السلع، مع مراعاة أسعار صرف العملات المختلفة عبر البلدان.

وخلال فترة جائحة كورونا والحظر الصحي الذي رافقها طالت المرأة في العراق أضرارًا كثيرة، بحسب الأكاديمية ونائب رئيس مؤسسة حقوق الإنسان والمجتمع المدني، ناز سندي التي تقول إن "الأضرار التي طالت المرأة كانت كثيرة بضمنها في مجالات العمل المتوفرة لها، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية التي مر فيها العراق نتيجة الجائحة، مضيفة في حديث لـ"ألترا عراق"، أن "المرأة في العراق لغاية الآن لم تصل لمرحلة الإنصاف المجتمعي لها لتأخذ دورها بشكل صحيح، فكيف عندما تواجه ظرف صعب من جميع النواحي مع اختلاف المسؤوليات التي تقع على عاتقها دون أي دعم لها لمواصلة تقديم نشاطها بكونها المحور الأساسي للأسرة بشكل أساسي".

وتابعت سندي أن "هناك الكثير من النساء اليوم لا يملكن الوظائف التي تساعدهن على مواجهة مصاعب الحياة الاقتصادية، ويعتمدون على الرجل في تلبية طلبات المنزل، وهذا يعد مؤشرًا سلبيًا لكون هي عليها المشاركة فعليًا بحصولها على دور في الجانب الاقتصادي للأسرة، بالإضافة لمسؤولية تربية الأطفال والقيام بواجبات العائلة".

ترى النائب وعضو لجنة المرأة والطفل النيابية ريزان شيخ دلير، أن جائحة كورونا أثرت على العالم جميعه، والحديث عن تضرر واقع المرأة في العالم هو كلام حقيقي، مؤكدة في حديثت لـ"ألترا عراق"، أن "المرأة العراقية عانت كثيرًا خلال فترة الجائحة من تعرضها للعنف الأسري من قبل الزوج وأفراد العائلة الآخرين أيضًا، مشيرة إلى أن "هناك نسب كبيرة بسبب تواجد الرجال في المنزل وتوقف الأعمال خلال فترات حظر التجوال، ما أدى إلى اللجوء للمحاكم في بعض الأحيان لحل تلك المشاكل بالطلاق وبطرق قانونية أخرى".

وتضيف النائب أن "المرأة العراقية هي المتضرر الأول في البلاد نتيجة جميع الأوضاع التي رافقت الجائحة في البلاد، وطبعًا هذا مستمد من الأوضاع الإجمالية التي جاءت في العالم منذ تفشي الوباء، حيث نجد ما يحدث اليوم من ضرر على المرأة عندنا موجود أيضًا في جميع البلدان لأن الضغوطات النفسية والاقتصادية هي ذاتها في كل مكان".

وفي خضم هذه الأزمة العالمية، يبدو أن البقاء على قيد الحياة بات التحدي الأول أمام الإنسان، وخاصة شريحة النساء، إذ يشدّد أخيم شتاينر، رئيس برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بحسب تقرير الأمم المتحدة الإنمائي، على أنه "من خلال إعادة توجيه المبلغ المطلوب إلى النساء اللاتي يعانين من ضغوط اجتماعية واقتصادية شديدة، يمكن للحكومات المساعدة في ضمان بقائهن على قيد الحياة في هذه الأوقات غير المسبوقة، لافتًا إلى أن "مثل هذه القرارات لن تساعد النساء وأسرهن على امتصاص صدمة الجائحة فحسب، بل سيمكّن أيضًا النساء من اتخاذ قرارات مستقلة بشأن المال وسبل العيش وخيارات الحياة".

ويشمل تأثير الجائحة على المرأة من كل النواحي، وبالأخص من الناحية النفسية، بحسب الناشطة ورئيس قسم تنظيم عمل المنظمات الدولية ورصد الأزمات بمحافظة الأنبار أبرار العاني، قائلة إن "تداعيات ذلك لأسباب متنوعة، على رأسها العامل الاقتصادي الذي أثر على تفاصيل الحياة بشكل مباشر، مبينة في حديث لـ"ألترا عراق"، أنه "بسبب الحظر الشامل توقف الكثير من العاملين بمجال القطاع الخاص عن العمل وبالتالي انقطع عنهم الوارد المالي، وكان على المرأة بالنسبة الأكبر بهذه الحالة إيجاد بدائل لتوفير الطعام لأسرتها، والاقتصاد باستخدام المواد الغذائية خلال عمل وجبات الطعام عبر عمل خطة نوعية لتقليل أضرار الأزمة".

وتشير العاني إلى أن "كثير من النساء لجأن للعمل من داخل منازلهن لقاء مقابل مادي بسيط كأن تكون (خبّازة، خياطة، طباخة، دروس خصوصية)، إضافة إلى كل الواجبات المنوطة بها داخل البيت، أما بالنسبة للأسر التي تعتمد على رواتب دخل ثابتة من القطاع الحكومي، فقد كانت الأزمة أخف عليهم نسبيًا من حيث توفير احتياجات منازلهم بصورة أسهل من العاملين بالقطاع الخاص".

وعن دور المنظمات الدولية والمحلية والفرق التطوعية، تبيّن العاني أنه "يحسب لهذه الجهات الدور الأكبر  في مساندة العوائل المحتاجة من حيث تزويد معظمهم بالسلات الغذائية، الأمر الذي خفف المعاناة إلى حد ما، أما بالنسبة للناحية الأسرية والاجتماعية فقد لاحظنا كجهات نشطة مدنيًا ارتفاع في مستويات العنف ضد المرأة، وتم رصد العديد من الحالات والقصص طوال الفترة السابقة فقد كانت النساء تتحمل العواقب النفسية والجسدية والاقتصادية التي سببتها الجائحة وكأنها المسؤولة عنها في بعض الأُسر الأمر الذي ولد ضغوطات يصعب تحملها".

وتقول العاني إن "الجائحة أرهقت النساء فعليًا، ولا زالت ترهقهن مع استمرارها، فمع صدمة انتشار الجائحة ومدى خطورتها كان عليهن أن يتحملن كل العواقب المترتبة على ذلك الخطر لا لسبب سوى لأنهن خلقن إناثًا، وبحجة مجتمعية أن المرأة أكثر صبرًا، وباستطاعتها التحمل أكثر من الرجل، وهي حجة واهية وتستخدم كمبرر لممارسة الضغوطات بأريحية عليهن".

وحول "الممارسات القاسية" التي تعرّضن لها النساء، تشير العاني إلى "تعرض الكثير من النساء للعنف الجسدي والنفسي من قبل أسرهن، لكن دون إجراءات تمكنهن من التخلص من هذه الضغوطات"، وفي معرض الحديث، أجابت العاني عن سؤال حول أوضاع النساء في مخيمات النزوح ومدى الضرر على النساء هناك، قالت إن "الأمور سارت بتوفير سلات غذائية وصحية كما جرت العادة قبل جائحة كورونا، مستدركةً أن "الخلل كان بصعوبة نقل المواد للمخيمات لأن الفرق الدولية عانت بداية الأزمة من صعوبة الحصول على موافقات أمنية جراء الإجراءات الصحية"، مبينة "أما بالنسبة للوضع العام في المخيمات فكانت بلا جديد".

وتشير بيانات تقرير الأمم المتحدة في العراق، المنشورة على موقعها الرسمي في 11 شباط/فبراير 2021، بمناسبة اليوم الدولي للمرأة والفتاة في ميدان العلوم إلى أن "اللامساوة واستغلالها في العراق تشكل صدى كبير جدًا لها، مبينة أنها "من خلال تقييم أجرته اتضح ما نسبته 65% من مقدمي الخدمات للناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي إلى حدوث زيادة في نوع واحد أو أكثر من أنواع العنف ضد المرأة، مع 94% من أولئك الذين يبلغون عن زيادة حادة في حالات العنف الأسري التي يرتكبها الزوج أو أحد أفراد الأسرة"، فيما جدّدت المنظمة دعوتها لمجلس النواب العراقي إلى الإسراع في تشريع قانون مناهضة العنف الأُسري وإنشاء مراكز لإيواء المجموعات التي يهددها الخطر وإعادة تأكيد الدعوة التي أطلقها الأمين العام للأمم المتحدة للحكومات بإيلاء الأولوية لحماية المرأة والطفل وذلك كجزء لا يتجزأ من خطط الاستجابة الوطنية لجائحة فيروس كورونا.

ومن جانب أكثر دقة للضرر الحاصل لبعض الشرائح من النساء العاملات، تشير خبيرة التجميل سندس الزيدي إلى أن "الجائحة أثرت بشكل جدًا كبير في مجال عمل المرأة بصالونات التزيين ومراكز التجميل، بسبب الإغلاقات الشاملة والجزئية التي حصلت، فضلًا عن العامل النفسي الناجم عن تخوف الزبائن من الدخول للمراكز والإصابة والتلامس مع العمال والكوافير أو الخبراء العاملين ما أدى لخسائر كبيرة للعاملات في هذا المجال".

وتتابع الزيدي في حديث لـ"ألترا عراق"، أن "العمل يحتاج الى توفير أدوات ومواد وهي تحتاج للأموال من أجل توفيرها، لكن عدم وجود الزبائن أدى لنقص كبير في الواردات حيث أنتج تدني المدخولات الشهري أو اليومي لتوفير متطلبات العمل ودفع الإيجار مع عدم وجود أي دعم لهذه الفئات من المجتمع وبالمقابل عليها الالتزام بالقرارات الصادرة".

وتؤكد خبيرة التجميل أن "الأضرار التي طالت الكثير من العاملات والعمال في هذا المجال هو كان بطريقة الاستغناء عنهم لأن مالك المركز والمحل لن يكون قادرًا على سداد رواتبهم برفقة سداد مستحقات الإيجار واشتراك الكهرباء وتوفير احتياجات المحل أو المركز من مستلزمات شهرية بالنظر لقلة الإيراد المالي، وبهذه السلسلة فقد تضررت عوائل كثيرة بضمنها عاملات يساهمن بكسب لقمة العيش لعوائلهن وأولادهن أيضًا".

وتضيف الزيدي أن "ما حدث خلال الجائحة من تقليل الأجور وإنهاء العمل أضر بالكثير نفسيًا قبل أن يكون ماديًا، لذلك يجب أن تكون هناك حلول شامة تدعم شرائح العمال ويؤخذ بنظر الاعتبار لان الأوضاع ازدادت سوءًا لكون الكثير من مراكز الحلاقة والتجميل اضطروا لإغلاق محالهم وبيعها لتعويض خسائرهم ولعدم قدرتهم على تحمل المصاريف في ظل عدم وجود إقبال على عملهم وتوفير رواتب العمال".

وبهذا الصدد فقد أوضحت منظمة الأمم المتحدة، أن "برنامجها الإنمائي في العراق قام بتدريب 225 من العاملين في مجال تقديم الخدمات الاجتماعية لدى المنظمات غير الحكومة في 15 محافظة، لكي يقدموا الدعم النفسي عبر شبكة الإنترنت لأكثر من 18.000 من النساء المعزولات وضحايا العنف"، وبحسب التقديرات الأممية، تشكل النساء نحو نصف العدد الذي يبلغ 30 مليون شخص الذي شملته حملة الأمم المتحدة التوعوية بعنوان "فلنهزم فيروس كورونا"، والتي غطت ما يربو على 5.000 من الأحياء السكنية والمستشفيات، والأماكن العامة في عموم العراق، كما نفذت حملة عبر شبكة الإنترنت شملت 2.7 مليون شخص، ربعهم من النساء.

من جهتها، تعتقد الموظفة في القطاع الصحي الحكومي، شيماء صباح، الجائحة أثرت على النساء بشكل عام سواء كانت من تعمل في مختلف المجالات أو التي تقوم بواجبها في الأسرة، إذ تحملت "مسؤوليات أكبر بوجود التضييق العائلي عليها وكثرة المشاكل نتيجة الاضطرابات الأسرية ووجود الزوج والإفراد الآخرين بشكل دائم في المنزل يختلف عن السابق بانشغالهم بأعمالهم ما أثمر عن مشاكل وصلت إلى التعنيف بأعداد حالات كثيرة انتشرت، والجميع سمع عنها، في حين كانت سابقًا قادرة على إيجاد وقت للترويح عن نفسها والذهاب للتبضع للتخلص من الضغط داخل الأسرة نوعًا ما أو قد تمارس هواياتها".

وتشير صباح خلال وجودها بالقطاع الصحي إلى "وجود ارتفاع في قضايا العنف النسوي الذي أدى لشيوع الجرائم بمقتل الزوج على يد زوجته وغيرها من قضايا تعتبر نتيجة تراكمات لسنوات عند المرأة من الضغوط أوصلتها لمرحلة انفجار خلال فترة الجائحة وحظر التجوال التي ألقت بظلالها على الاحتكاك الأسري الكبير جدًا، وظهور المشاكل وتغير المزاجات الفردية وزيادة المتطلبات التي يجب عليها تلبيتها دون نقاش في بعض العوائل، وهو ما أدى إلى تصرفها تصرفات عنيفة كرد فعل على الضغط الكبير عليها، مضيفة في حديث لـ"ألترا عراق"، أن "علم النفس يتحدث دائمًا عن مشاكل أسرية كبيرة تنجم عن جلوس الرجل في البيت لأوقات طويلة لما سيسببه بمشاكل كونه يحمل الطابع المزاجي الذي قد لا يتحمله أحد، وهو ما برز بشكل كبير في بعض العوائل وأسفر عن حالات نفور أسري ومشاكل كبيرة خلال فترات الحظر الشامل، وهو ما ألقي أيضًا بسلبية كبيرة على تضرر المرأة بالدرجة الأساس لكونها لم تكن قادرة على الاستراحة سابقًا قبل الجائحة وزاد عليها الضغط خلال فترة الجائحة بشكل أكبر".

أدت القيود التي فرضت جراء فيروس كورونا إلى شيوع جرائم ومشاكل أسرية كبيرة

أما من الناحية الاقتصادية، تعتبر صباح أنه "قد تضررت المرأة خاصة في قطاعات العمل حيث أغلقت على سبيل المثال دور الحضانة ما أدى للتضييق على الكثير من النساء الموظفات أو العاملات ممن كن يعتمدن على وضع أطفالهن في هذه الدور للتأمين عليهم والتفرغ للعمل، مستدركة "لكن الأغلاق تسبب بتحمل مسؤولية أكبر بكيفية ترتيب أجواء الأطفال للتفرغ للعمل وتأدية الواجبات الوظيفية لتأمين المورد المالي الشهري أو اليومي أو الأسبوعي، لافتة إلى أن "هناك الكثير من النساء فقدن عملهن في القطاع الخاص نتيجة التقليص الذي حصل وتخفيض الأجور وغيرهن ممن يعملن في الصالونات ومراكز الرياضة وخادمات التاكسي والعيادات الطبية ومراكز تعليم السياقة، وهي أماكن عمل رائجة تعرضت للانتكاسة بشكل كبير".

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

"مذابح" تحت أنظار رفاق الخزعلي.. 2020 عام عصيب على النساء والأطفال

كيف يستغل السياسيون النساء جنسيًا في العراق؟