09-مايو-2019

سائرون يقوم بالاشتراك مع ائتلاف الفتح في ترتيب تفاهمات لتقاسم أكثر من 4000 منصب حكومي (فيسبوك)

ألترا عراق ـ فريق التحرير

ارتكزت المعادلة الضبابية التي أتت بعادل عبد المهدي رئيسًا للوزراء على اتفاق ضمني بين زعيمي التيار الصدري مقتدى الصدر وتحالف البناء هادي العامري، وبضوء أخضر من المرجع الأعلى علي السيستاني يقضي بـ"اجتثاث" حزب الدعوة الذي تسنم رئاسة الوزراء لـ13 عامًا، خاصة جناح رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي والذي سيطر على جميع مفاصل إدارة الدولة من خلال إسنادها إلى مقربين منه، وبعد تشكيل حكومة غير مكتملة من الوزراء، وتعذر الاتفاق على مرشحيها، في ظل إصرار تحالف سائرون المدعوم من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر على تقديم شخصيات تكنوقراط، فيما شهدت مطابخ القوى السياسية التحضير لـ"طبخة دسمة" تتضمن تقاسم أكثر من أربعة آلاف منصب تُدار بالوكالة، وتمريرها من خلال البرلمان بالأصالة، وتبدأ هذه المناصب من وكلاء الوزراء، المديرون، رؤساء الهيئات والجامعات، عمداء الكليات، و مناصب في الرئاسات الثلاثة بين تحالف سائرون وائتلاف الفتح، الأمر الذي يفسر ـ بحسب سياسيين ـ الحراك الدؤوب والسعي لإقناع الجميع إلى تضمين قانون الموازنة فقرة تحدّد حزيران/يونيو المقبل موعدًا لإنهاء مناصب الوكالة.

يجري الحوار بالدرجة الأولى بشأن 450 منصبًا تمثل السيادية من "الطبخة"، والتي تشكل الهيكل الأساسي لإدارة الدولة وتمسك بالمفاصل الحساسة فيها بشكل مباشر

و يجري الحوار بالدرجة الأولى بشأن 450 منصبًا تمثل السيادية من الطبخة، والتي تشكل الهيكل الأساسي لإدارة الدولة وتمسك بالمفاصل الحساسة فيها بشكل مباشر، وتتوزع بين الهيئات المستقلة ومؤسسات أمنية حساسة، بالإضافة إلى مديريات مهمة في تلك الوزارات، فضلًا عن مناصب في الرئاسات الثلاثة، وتؤكد آخر الإحصاءات المنشورة أنه منذ عام 2010 حتى منتصف 2016 تم تعيين أكثر من 5000 آلاف مدير عام وكالة، وأكثر من 200 شخص بدرجة وكيل وزير، وأكثر من 120 منصبًا بدرجة وزير ورئيس مؤسسة وجهاز بالوكالة.

استكمال التسوية

لكل من القوى السياسية أولويات في المكاسب وخطط بعيدة وقريبة المدى تسعى لتحقيقها، والكثير منها يفضل ترك الوزارات في مرحلة ضبابية مثل هذه، والظفر بمناصب دقيقة بعيدة عن الواجهة، تعزز مساحة تأثيرها في القرار السياسي، ويضمن الحفاظ على جمهورها وعدم تحمل أي خطأ محتمل في هذه المرحلة، خاصة القوى التي لها علاقات بدول الجوار وتتأثر بالصراع الإيراني الأمريكي، والتي تحاول التكييف مع المرحلة دون الخروج للواجهة يبعدها عن الاستهداف السياسي من أذرع الدول المتصارعة.

اقرأ/ي أيضًا: استكمال اللجان النيابية: هل حُسم صراع سائرون ودولة القانون؟

في هذا السياق قال مصدر لـ"ألترا عراق"، إن "التسوية التي توصّلت إليها القوى السياسية في تشكيل الحكومة كان من ضمنها الحديث عن هذه المناصب، حيث مُنحت مناصب لقوى على حساب حصتها من هذه الطبخة، فيما وعدت قوى أخرى بمناصب تعويضية، خاصة التي لم تحصل على وزارات أو التي زهدت بحصتها ومنحت رئيس الوزراء عادل عبد المهدي حرية الاختيار"، لافتًا إلى أن "الكثير من الأحزاب ترى أن المرحلة تتطلب عدم تحمل المسؤولية وخسارة الجمهور، حيث تعمل على الحصول على مناصب ناعمة تضمن لها التأثير في القرار السياسي والحصول على مكتسبات ترضي جمهورها، بالإضافة إلى مطالبة بعضها بمناصب لها علاقة بدول تدعمها مثل إحدى الفصائل التي تُصر على هيئة المنافذ الحدودية".

أضاف المصدر الذي طلب عدم الكشف عن اسمه لحساسية موقعه الوظيفي، أن "تمرير آلاف من المناصب بهذه الطريقة سيمكّن الكتل السياسية من الاستحواذ على الدولة، ولفترة غير معلومة وسيصعب أي محاولة لتقويض نفوذهم، والأمر في غاية الخطورة، خاصة وأن السيطرة قانونية هذه المرة"، لافتًا إلى أن "هنالك العديد من الآليات التي بإمكانها إسناد المناصب بشكل آمن ويضمن استقلاليتها، مثل اعتماد قاعدة البيانات التي توفرت لرئاسة الوزراء من خلال البوابة الإلكترونية عند تشكيل الحكومة، أو الاعتماد على نظام التدرج الوظيفي".

بيّن المصدر أنه "يُمكن ترشيح أسماء من الدائرة نفسها للمناصب الشاغرة، كالمدراء العامين وغيرهم، وتُرفع أسماء الأشخاص الذين وصلوا إلى درجات وظيفية تؤهلهم للانتقال إلى المناصب العليا، ويتم اختيار الشخص الأكثر نقاطًا وفق نظام معمول به في كثير من التجارب، كما يُمكن إعادة ملف التعيينات بأكمله إلى وزارة التخطيط، التي تمتلك قاعدة بيانات شاملة عن الشواغر والموظفين".

تأصيل المحاصصة!

يبدو شعار إنهاء المناصب بالوكالة وطنيًا ويهدف إلى بناء دولة قوية وعمل على تنفيذ البرنامج الحكومي وتعزيز موقف الدولة، لكنه عمليًا ـ وكما يرى متابعون ـ هو "تأصيل" للمحاصصة وبناء جدار صلب أمام تغيير المسؤولين مستقبلًا، بالإضافة إلى كونه يعزز موارد القوى السياسية ويضمن مصالح داعميهم، فضلًا عن منحهم امتيازات وصفة وظيفية حتى بعد تغييرهم.

يقول الخبير القانوني علي المفتي إن "اختيار المسؤولين بواسطة البرلمان تترتب عليه جملة من الأمور، حيث سيمنحهم امتيازات وسيلزم الوزير منح من يعفيه  منصب موازي للدرجة التي أعفيَ منها، وفقًا لقانون الأصالة، كما يعقد خطوات إقالتهم بشكل كبير وهذا ما يمنحهم مرونة ومساحة أكبر في الاحتفاظ بالمنصب في ظل الخلافات بين القوى السياسية، ما يمكنه من ممارسة مهامه وكالةً".

اختيار المسؤولين بواسطة البرلمان سيمنحهم امتيازات وسيلزم الوزير منح من يعفيه منصب موازي للدرجة التي أعفيّ منها، كما يعّقد خطوات إقالتهم بشكل كبير

وبشأن المدة التي حددها قانون الموازنة العامة أضاف المفتي في حديثه لـ"ألترا عراق"، أن "انقضاء الفترة المحددة في قانون الموازنة، لا يصنع خللًا في إدارة مرافق الدولة، ويتيح القانون لجميع المدراء والدرجات الخاصة الحاليين الذين يديرون مؤسساتهم بالوكالة الاستمرار بتسيير شؤون الدولة كما في السابق، ما يوفر وقتًا أكبر في اختيار البدلاء".

اقرأ/ي أيضًا: معركة التكنوقراط في العراق.. المحاصصة توحد الأضداد

أشار المفتي إلى أن "الحكومة والبرلمان ملزمان بإنهاء الوكالات وإسناد تلك المناصب إلى أشخاص بالأصالة، لكن عدم تمكنها لا يترتب عليه أثرًا قانونيًا، كما أنه لا يلزم الحكومة إخراج المدراء والدرجات الخاصة من مناصبهم أو إنهاء مهامهم".

إزاء ذلك يقول مصدر سياسي رفض الكشف عن اسمه لأسباب تتعلّق بكتلته، إن "تحالفي الفتح وسائرون يطمحان إلى الوصول لتفاهمات مع جميع الكتل السياسية، وهذا ما سيحسم خلال أيام وإن لم يتم فسيتم الاتفاق بينهما ويتم توزيع المناصب"، لافتًا إلى أن "تقاسم هذه المناصب يمثل اختبارًا صعبًا لبقاء الكتل متماسكة دون تمرد نوابها على الزعامات".

أضاف المصدر في حديثه لـ"ألترا عراق"، أن "الكثير من النواب خاصة الجدد منهم، يشعرون أنهم قطع شطرنج بيد رؤساء الكتل وأن تفاهمات تُعقد دون علمهم، وأول مصداق كان في تمرد بعض النواب على اتفاقات الزعماء في اختيار رؤساء اللجان، بالإضافة إلى أن الجميع يطمح إلى الحصول على حصة قد يبيعها في أقل تقدير، وهذا ما يعزّز فرضية انسحاب الكثير مقابل مكتسبات فردية بظل عدد كبير من المناصب تكفي لتوزيعها على جميع النواب".

أوضح أن "الهيئات المستقلة تمثل رأس الهرم في المناصب المطروحة، والتي تتنافس عليها الكتل التي لم تأخذ وزارات، وفي مقدمتها هيئة النزاهة والمنافذ الحدودية، بالإضافة إلى شبكة الإعلام العراقي وهيئة الاستثمار، فضلًا عن الكثير من المناصب الناعمة في الرئاسات الثلاث"، مشيرًا إلى أن "الغموض يكتنف طريقة تعامل رئيس الوزراء عادل عبد المهدي مع القصة، وقد يمرر مرشحي مناصب الوكالة إلى البرلمان بذات الطريقة التي اعتمدها في الكابينة الوزارية، وهذا ما لا يرضي الكتل على اعتبار أن قبولها في تشكيل الحكومة تضمن تنازلات على أمل التعويض في هذه الطبخة".

الهيئات المستقلة تمثل رأس الهرم في المناصب المطروحة والتي تتنافس عليها الكتل، وفي مقدمتها هيئة النزاهة والمنافذ الحدودية، بالإضافة إلى شبكة الإعلام العراقي وهيئة الاستثمار

أشار المصدر إلى أن "اعتكاف زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر عن الساحة السياسية وانشغاله بالتغريدات الاجتماعية والتوجيهية يُقلق عرابي الاتفاق "الفتح وسائرون"، خاصة بعد تغريدته التاسعة ما يجعل إمكانية إجهاضه للصفقة محتملًا وقد يتخذ ذات الموقف الصارم من اختيار الوزراء الأمنيين".

وكان الصدر قد انتقد في تغريدته التاسعة فئة لم يسمها، قال إنها "تتظاهر في التحرير صباحًا للمطالبة بـ"شلع قلع" ضد الفاسدين، ثم تجالسهم ليلًا لطلب وظائف" فيما ختم تغريدته بأنه "لن يضيف المزيد من المعلومات بهذا الصدد".

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

سوق "المحاصصة الأمريكية" في بلادنا

الغزي أحدهم.. تصدير مسؤولين محليين من الجنوب إلى بغداد: هل نجحوا هناك؟