14-أغسطس-2022
الاحتجاجات في العراق

نظّم ناشطون "تشرينيون" تظاهرتين في ساحتي النسور والفردوس (Getty)

بعد قرابة العام والنصف من اختفاء آخر ملامح انتفاضة تشرين، وفي خضم التصعيد المتبادل بين طرفي الأزمة السياسية الحالية - الإطار التنسيقي والتيار الصدري - عادت ملامح الحياة إلى الحراك الاحتجاجي في ساحات بغداد مع تفاقم ما بات يعرف بـ"الانسداد السياسي" المستمر منذ انتخابات تشرين الأول/أكتوبر العام الماضي.

نظم محتجون ينتمون إلى قوى تشرين، تظاهرتين متعاقبتين في ساحة النسور بجانب الكرخ، وساحة الفردوس بجانب الرصافة.

أول ملامح الحراك جاء عبر تظاهرة ساحة النسور في جانب الكرخ من العاصمة بغداد يوم الجمعة 5 آب/أغسطس الحالي، والتي دعا إليها ناشطون وفاعلون في حركة الاحتجاج تحت شعار "جمعة قلب المعادلة"، وطالبوا خلالها بتغيير شكل النظام السياسي وإعادة كتابة الدستور.

وكخطوة أخرى في مسار تصعيدي، جاءت التظاهرة الثانية في ساحة الفردوس في جانب الرصافة، بدعوة من الحزب الشيوعي العراقي والحزب الاجتماعي الديمقراطي وحركة (نازل آخذ حقي)، إضافة إلى سبعة كيانات أخرى، حيث طالبوا في بيان أُذيع خلال التظاهرة، بحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة في ظرف عام واحد، فضلًا عن تطبيق قانون الأحزاب.

وفي ظل أزمة سياسية وصلت ذروتها بين قوتين تهيمنان على الساحة السياسية، وصراعهما حول ملامح تشكيل المرحلة المقبلة، يتساءل مراقبون حول مدى قدرة قوى الحركة الاحتجاجية والكيانات السياسية المنبثقة من رحم احتجاجات تشرين على إثبات وجودها كلاعب أساسي، يطرح رؤيته المستقلة عن طرفي الأزمة لناحية شكل وطبيعة المرحلة المقبلة.

 

بين الإطار والتيار .. تشرين تبحث عن موطأ قدم

في وسط حالة استقطاب شديد، تبدو القوى المتصارعة أحوج ما تكون إلى الشارع الاحتجاجي والقوى المدنيّة والنواب المستقلين، ولكن "الخطورة تكمن في أن هذه القوى ستبتلع الأطراف التي تتقارب معها بعد أن تنتصر لنفسها وتصفي خصومها الحاليين"، بحسب عضو المكتب السياسي للحزب الاجتماعي الديمقراطي محمد عبد الكريم الشيخ.

يقول الشيخ في حديث لـ"ألترا عراق"، عن هذه المخاوف، "منذ ما يزيد عن عقد من الزمن والقوى التقليدية المهيمنة لا تصغي للصوت الآخر، كما أنّها لا تمتلك أفقًا لتتحاور، إنّما تُخوّن وتتهم وتُهدد من يختلف عنها، لذلك كلّ دعوةٍ منها للحوار هي محاولة لإسكات المختلف وليس للبحث عن حلول أو محاولة لإصلاح".

يقول ناشطون في قوى الاحتجاج إنه سيضغطون لتحقيق مطالب مشروعة ولن يقفوا متفرجين

واستنادًا إلى هذه الرؤية لطبيعة الصراع القائم بين القوى المهيمنة، وطبيعة علاقتها مع قوى الاحتجاج والكيانات الناشئة، يرى عضو المكتب السياسي للحزب الاجتماعي أن "المسار مرسومٌ بوضوح، وأن كل الفئات قالت قولتها عبر موجات الاحتجاج المتعاقبة".

ويضيف: "لن نقفَ متفرجين على ما يجري، إنّما سنضغط لأجل المطالب الوطنيّة المشروعة، ونمارس دورنا السياسي وفق رؤانا، وندعم الحلول الحقيقيّة التي تُحدث تغييرًا حقيقيًا نافعًا".

أما عن طبيعة العلاقة بين قوى الاحتجاج والنواب المستقلين، وإمكانية خلق أدوار تكاملية فيما بينهم، يقول محمد عبد الكريم الشيخ: "الكثير من النواب المستقلين جاءوا من خلفياتٍ مدنيّة، وكانوا من المحتجين، ولهم علاقات متينة بالقوى المدنيّة، وعُقدت اجتماعات سابقة بعضها مُعلن عنه في الإعلام، وما يزال التواصل مستمرًا، لكن ليس بمستوى واحد مع الجميع، وهناك حديث عن تنسيقٍ عالٍ في المواقف القادمة".

احتجاجات التيار الصدري

وشهد الاسبوعان الماضيان، بالتزامن مع تصاعد وتيرة الاحتجاج الصدري، حراكًا صدريًا لاستمالة بعض القوى الاحتجاجية للمشاركة في الاحتجاج الصدري والذي تكلل بعدة دعوات أطلقها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر عبر بيانات وتغريدات، الأمر الذي جوبه من قبل الأوساط الاحتجاجية بتخوف من تكرار سيناريو "انقلاب" على الحركة الاحتجاجية كما حدث في الاحتجاجات الماضية، بحسب ناشطين.

كيان احتجاجي بعيد عن القوى السياسية

مع احتدام الصراع بين القوتين الشيعيتين، وطرحهما لمطالب شبيهة بتلك التي يتبناها الحراك الاحتجاجي منذ سنوات، كإجراء تعديلات دستورية وحصر السلاح بيد الدولة والحفاظ على مؤسساتها بعيدًا عن الصراع السياسي، يبرز التحدي أمام قوى الاحتجاج والكيانات الناشئة في خلق خطاب متمايز عن الخطاب الذي تنطلق منه القوى السياسية التقليدية.

يتحدث ناشطون في حراك تشرين عن ميّزات خطابهم ومطالبهم عن القوى السياسية

عن ذلك، يقول الصحفي نوفل الصافي إن "من المهم جدًا أن يؤسس له كيانًا وهوية وطنية واضحة بمعزل عن أطراف الصراع القائم وأهداف مُفتعليه، فللحراك مساحات مفتوحة دائمًا وكبيرة؛ إن أجاد الناشطون والقائمون عليه ملء فراغات أسئلة الجمهور الاحتجاجي بأجوبة مناسبة ومقنعة".

ويضيف الصافي في حديثه لـ"ألترا عراق"، أن "مطالب الجميع فيها قواسم مشتركة لا يختلف عليها إثنان؛ فالجميع ينادي بالسيادة وإنقاذ الوطن ودولة القانون والقضاء على الفساد وحصر السلاح إلى ما تهدف إليه القوى المتصارعة والمصالح التي تبتغي تحقيقها خدمة للجهات الخارجية التي تدعمها".

ويشير الصحفي والناشط في ساحة احتجاج محافظة كربلاء، إلى وجود ميزة جوهرية بين خطاب القوى الاحتجاجية وغيرها من القوى السياسية، "بخلاف ذلك، تجد مطالب الحراك الاحتجاجي وخطابها نابع من روح معاناة الشعب. خطاب واضح ملتزم غير منفعل، هو خطاب (قوة المنطق) بخلاف خطاب (منطق القوة) الذي ضرب عرض الحائط ثوابت الدستور، والعرف، والشعب الذي هو مصدر السلطات".

وينطلق خطاب التيار الصدري في المرحلة الحالية من ضرورة إجراء تعديلات دستورية إضافة تعديلات على الجهاز القضائي، حيث يرى باحثون سياسيون أن زعيم التيار الصدري يسعى إلى تفكيك المنظومة التشريعية والقضائية التي يعتقد أنها عرقلت نجاح مشروع حكومة الأغلبية الذي يطرحه مع شركائه في التحالف الثلاثي.

بينما يستند خطاب الإطار التنسيقي إلى واقع المسارات الدستورية الحالية وقدرته على توظيف أغلبيته البرلمانية بعد استقالة التيار الصدري، للتحرك تحت شعار حماية مؤسسات الدولة وحماية النظام السياسي الحالي.

احتجاجات الإطار التنسيقي
أنصار الإطار التنسيقي يرفعون صور المرجع السيستاني ورئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان (Getty)

هل فقدت قوى الاحتجاج البوصلة؟

على خلاف الرؤية المطروحة القائلة بإن قوى الاحتجاج تستثمر الأزمة السياسية الحالية لتنضيج خطابها ورؤيتها للمرحلة المقبلة، يرى ناشطون سياسيون أن هذه الأزمة سلطت الضوء على الانقسامات التي تشهدها خارطة الاحتجاج.

يقول ناشطون إن قوى الاحتجاج التشرينية فقدت قدرتها على التأثير وهي منقسمة على نفسها ولا تملك رؤية

 

عن هذا الانقسام ومستقبل ومسار تطور قوى الاحتجاج، يرى الناشط السياسي زين العابدين آل يوسف أن "ما يحدث اليوم في الفضاء الاحتجاجي، سواء كانوا أفرادًا أو قوىً منظمة من أحزاب وجماعات ضاغطة، ما هي إلا ظواهر صوتية فاقدة لأي ثقل فعلي في الساحة السياسية وأصبحت هذه (القوى) عبارة عن مكبرات صوتية تتعالى في لحظة وتسكن في لحظة، فهي فاقدة لأي فعل سياسي أو أي تأثير في الصراع السياسي الجاري".

ويبرر زين العابدين آل يوسف وجهة نظره بالقول، إن "قوى الاحتجاج متفرقة ووجودها لا يقدم ولا يؤخر في الصراع لأنهم متفرقون ولا يملكون رؤية موحدة، فهناك شخصيات سارعت لنصرة الصدر بغية الحصول على مناصب في المستقبل لأنهم أيقنوا بأنهم غير قادرين على تحقيق شيء، وهناك بعض القوى الاحتجاجية منفصلة عن واقعها انفصال تام ومخرجاتها مضحكة".

وبحسب مطلعين على الأجواء التشاورية لقوى الاحتجاج، فأن الخارطة الاحتجاجية تشهد انقسامات حادة في الآونة الأخيرة، حيث طفت إلى السطح مع اندلاع الأزمة السياسية الحالية والتي أفرزت تضارب في الرؤى الخيارات المتاحة وبالتالي انقسام المشهد الاحتجاجي إلى فريقين، ما أدى إلى نزول كل طرف منهما على حدة إلى الشارع في ساحتين وتوقيتين مختلفين.

"في خضم الصراع الحالك هذا اختلفوا بينهم، هل يدعون لقيام مؤتمر عام يجمعهم أم يدعون إلى تظاهرة في بغداد؟"، يقول زين العابدين آل يوسف ويتساءل: "هل هذه قوى يستطيع الفرد الاعتماد عليها أو الإيمان بأنها قادرة على التأثير بداخل الصراع السياسي القائم؟".

أما عن إمكانية استثمار حالة الاستقطاب الشديد الحاصلة بين التيار الصدري والإطار التنسيقي، وتوظيف ذلك لصالح قوى الاحتجاج، يرى زين العابدين آل يوسف في حديث لـ"ألترا عراق"، أن "دخولهم في هذا الصراع يؤثر في حالة نصرة جهة على الجهة الأخرى وهذا تأثيره إعلامي فقط ولا يغني ولا يسمن، لأن كلا القوتين المتصارعتين تمتلكان الجماهير والمال والسلاح والأذرع السياسية، وعليه فلا وجود ديناميكي لقوى الاحتجاج، لكن الحضور الميكانيكي لهم واضح ومعروف".