26-مايو-2022
قيس الخزعلي

 تبرع جماعات الفصائل في العراق بتصدير نظرية المؤامرة (فيسبوك)

يتباشر أنصار "التيار الولائي" في العراق وجماهير الأحزاب الإسلامية التي حكمت العراق فترة ما بعد 2003 في نبوءة للشيخ قيس الخزعلي، الأمين العام لحركة "عصائب أهل الحق" وقد قالها في بداية العام 2019، ومفادها أنّ "هناك احتجاجات في الشهر العاشر من عام 2019"، وهذا أثار ردود أفعال عند اندلاع احتجاجات تشرين، والتي قالوا إنها "مؤامرة حاكتها الأطراف الخارجية والداخلية"، واتهموا فيها الإمارات وأمريكا مع إحدى الرئاسات الثلاث في حينها، فيما سوّقت هذه النبوءة على أنها معلومة لدى الخزعلي بـ"المؤامرة".

 تبرع جماعات الفصائل في العراق بتصدير نظرية المؤامرة على الأحداث الطبيعية

هناك قاعدة في الماركسية تقول إنّ التراكم الكمي يولد التغير النوعي، وهذه القاعدة إذا أسقطناها على حالة العراق في حينها، وهو خارج من حرب أهلية طاحنة تسببت بها الأحزاب السياسية المهيمنة على العملية السياسية، وفساد مرعب وفشل إداري فظيع، تسلم عادل عبد المهدي رئاسة مجلس الوزراء بعد انتخابات 2018 التي صاحبها مقاطعة كبيرة للانتخابات، وهذا كان أول مؤشر على سخط الشارع تجاه العملية السياسية سبقت تكليف عبد المهدي أحداث البصرة التي انتهت بحالة قمع بشعة ذهب ضحيتها أكثر من عشرة شهداء.

في 3 كانون الأول/ديسمبر 2018، أمهل رجل الدين والسياسي العراقي مقتدى الصدر حكومة عادل عبد المهدي سنة لإثبات نجاحه، وإلا سوف يتحول إلى جبهة المعارضة ضده. كانت هذه المهلة تمثل قلقًا عند الأحزاب الولائية التي تخشى أن تتحمل قصور حكومة عبد المهدي ويتنصل الصدر منها الذي كان له فيها حصة كبيرة من الوزراء والدرجات الخاصة.

في مقال سابق نشره عادل عبد المهدي بخصوص الخريجين المعطلين عن العمل ذكر أنه "لو كان في مكانهم لذهب واعتصم في أبواب الوزاراة حتى يحصل على فرصة عمل"، كانت هذه الجملة قد أثارت ردود أفعال إبان حكومة عبد المهدي مما دعا العديد من الخريجين لتنظيم اعتصامات مفتوحة أمام الوزاراة وفي الساحات العامة في بغداد، أدت إلى إلهاب الشارع بعد الاعتداءات التي وقعت على الخريجين، وكل هذه العوامل كانت تتراكم والشارع كان مهيئًا للانتفاض ضد الحكومة والأحزاب المتحاصصة عليها، حيث شابت هذه الفترة الكثير من الأحداث التي بينت عجز عبد المهدي وحكومته في معالجة الوضع بصورة جدية، وكان مؤشر على عجزه استقالة وزير الصحة "علاء عبد الصاحب العلوان" الذي أثارت استقالته ردود أفعال استهجانية ضد الحكومة والأحزاب المتحكمة بها، لدرجة أن وزيرًا لا يستطيع العمل بسبب الفساد والتحكم غير القابل للمعالجة في المؤسسات الحكومية، وخاصة التي على تماس مباشر مع حياة الناس.

قام عادل عبد المهدي بإحالة الفريق عبد الوهاب الساعدي إلى الآمرة، مما دعا الرأي العام المستفز من الحكومة والأحزاب التي أتت بها إلى زيادة الاحتقان، وبدأت دعوات في الشارع وفي وسائل التواصل الاجتماعي للتظاهر ضد الفشل الذريع الذي أبدته الحكومة والعملية السياسية برمتها، فانتهت بحادثة الاعتداء على حملة الشهادات العليا التي كانت الشرارة التي أشعلت فتيل الاحتجاجات، وكل هذه التراكمات أدت إلى حدث نوعي وأي مواطن بسيط قد يستطيع القول إنّ هناك حركة تمثل ردة فعل تجاه الأحزاب المتسلطة وميليشياتها، فنبوءة الشيخ الأمين هذه لا تعد سوى قراءة لتراكمات الفشل والفساد والقتل، لكنّ تصديرها كان فيه مسحة نظرية المؤامرة التي يبرع هذا المحور فيها. 

من جديد، وفي مقابلة تلفزيونية جديدة على قناة العهد صرّح الشيخ قيس الخزعلي بنبوءة تآمرية حديثة تشبه تلك النبوءة التي قال إنه يمتلك أدلة عليها، لكن وكالعادة؛ فإنّ حدسه الغارق في نظرية المؤامرة منعه من أن يعطي "هذه الأدلة لأي جهة أمنية"، لأنه لا يثق حسب قوله.

الغريب هو توقيت التصريح بعد أزمة الانسداد السياسي بين قوى الإطار التنسيقي الذي يعتبر الخزعلي ركنًا مهمًا منه. 

يوظف الخزعلي حالة الفشل والاحتقان الشعبي التي تنذر باندلاع احتجاجات عامة بأنها مؤامرة جديدة، وأضاف عليها اللجوء إلى السلاح، موجهًا اتهامه إلى خصومه السياسيين الكرد، وخص أربيل معقل الحزب الوطني الكردستاني (الپارتي)  متزامنًا مع إعلان الأحزاب الكردية إلى التوصل لحل سياسي ينهي حالة الانسداد على المستوى الكردي، وبنفس الوقت تخوفه من موقف مقتدى الصدر الذي يريد أن يحملهم مسؤولية الفشل والفساد لوحدهم ويستمر في حملة الشيطنة لهم، وخوفه من تكرار لجوءه إلى الشارع كما هي عادته في أي أزمة سياسية يلوح الصدر في ورقته الرابحة دومًا، وهي النزول إلى الشارع الذي دائمًا ما يكون بصورة مساندة لأي تظاهرات يتقدمها المدنيون والعلمانيون، وبعدها ينزل بطريقة حصان طروادة ليقوضها من الداخل ويسيطر عليها بأنصاره وبعدها يفاوض خصومه على المكاسب السياسية التي تضمن له الكأس المعلى ويخرج هو المنتصر وخصومه المتحملين كالعادة للقصور والفشل.

وظف قيس الخزعلي من جديد حالة الاحتقان الشعبي بحديث عن نبوءة تآمرية جديدة تشبه تلك التي تحدث فيها عن تشرين

في لقاء تلفزيوني للنائب السابق عن كتلة "صادقون"، وهي الجناح السياسي لـ"عصائب أهل الحق" صرح عبد الأمير التعيبان بأن "الوضع السياسي ينذر بتظاهرات أشبه بتظاهرات تشرين"، فيما هددت صفحات وحسابات تابعة لمدونين من التيار الولائي أن أن محاولة لقيام احتجاجات كالتي حدثت في تشرين سيكون الرد عليها بسحق رؤوس الفتنة، وهذه الحسابات اعتادت بشن حملاتها التحريضية والتحضيرية لحدث أمني، ما وهذا ما ينذر بخطورة الموقف بشيطنة الجهة التي تطالب بالإصلاح وإنهاء المظاهر المسلحة المتمردة على الدولة، وكالعادة يلجأون بعد قراءتهم للبديهيات، فيحولونها لحقائق ومؤمرات ضدهم متناسين أن قادتهم السياسيين هم من يمتلكون مصدر القرار طوال السنوات التي أعقبت سقوط النظام البعثي، فهم يتحملون كل هذا الفساد وغياب مظاهر الدولة ومؤسساتها في حياة المواطنين، وعند الاعتراض يوصمون المعترض بـ"العميل وصاحب ولاء للخارج"، لكن لو ددقنا في الأدبيات التي يتبناها الجميع سنرى من هو صاحب الولاء للخارج بصورة جلية وواضحة.