ألترا عراق ـ فريق التحرير
بين فترة وأخرى، يتداول ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي، عناوين أطاريح دكتوراه في العراق ورسائل ماجستير تثير السخرية والغضب بين الأوساط المهتمة بالإنتاج الأكاديمي في البلاد، ومنها ما يثير النعرات الطائفية والدينية، وتناول ما يتعلّق بالخرافات الشعبية، لكن الأمر لا يقتصر عند هذا الحد، بل هناك ما يتعلّق بحشر الجامعات في توجهات سياسية معيّنة، لا تبدأ بما يطرح عبر رسائل لترسيخ "المحاصصة الطائفية" في العراق، وإنما لازدياد نفوذ الميليشيات المقرّبة من إيران ونشر أدبياتهم المتعلّقة بما يسمى بـ"المقاومة"، بالإضافة إلى نقاش فقه المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران، علي خامنئي.
تعتبر مناقشة احتجاج تشرين في جامعات العراق خادثة للسلامة الفكرية للطالب
وتفتقر أجواء جامعات العراق ـ بحسب أكاديميين ـ إلى نقاش ما يشتبك مع جذور المشاكل والأزمات التي تشهدها البلاد، خاصة أقسام العلوم الاجتماعية والسياسية، إذ لا يجد الباحث ما يثيره في نقاش أزمة النظام السياسي في العراق والانسداد، والمسألة الطائفية، والإسلام السياسي، خوفًا من الرفض الذي سيأتي عاجلًا من قبل المشرفين ورؤساء الجامعات، ولهذا يذهب الباحثون والطلبة لنقاش حالات معينة في بلدان عربية وتاريخية لا تُزعج أحدًا، في الوقت الذي تشهد أقسام كلّيات الآداب انتعاشًا ملحوظًا بالنقاشات حول الشعر والرواية وما يتعلق بهما.
اقرأ/ي أيضًا: القطاع العام في العراق.. المحاصصة في التعليم الابتدائي أيضًا!
احتجاجات تشرين، وهو الحدث الأبرز في عراق ما بعد 2003 لناحية الحركات الاحتجاجية والتطوّر السياسي، يعتبر في جامعات العراق، "يخدش السلامة الفكرية"، كما حصل مؤخرًا في جامعة الكوفة، مع الباحث علي فائر الذي لم تقبل رسالته العلمية عن "احتجاجات تشرين" رغم استغراقه وقتاً طويلاً في التحضير وجمع المصادر.
ويقول فائز في منشور رصده "ألترا عراق"، إنه "منذ أن تم قبولي في الدراسات العليا الماجستير كلية العلوم السياسية، جامعة الكوفة، وأنا أفكر في الكتابة عن تشرين والأثر السياسي والاجتماعي الذي تركته، موضحًا "والغاية من هذا تتمثل لكوني كُنت حاضرًا فيها مراسلًا ومصورًا وموثقًا وكاتبًا عن كل ما يجري سواءً في محافظتي أو المحافظات الأخرى".
وأضاف فائز أنه "في البداية وقع بعض أعضاء اللجنة العلمية على عنوان رسالتي (مستقبل حركات الإسلام السياسي في العراق بعد احتجاجات تشرين 2019) والبعض الآخر تهرب من التوقيع، وأخبرني مشرف البحث أن أذهب وهو من يتولى الحصول على تواقيعهم"، لافتًا إلى أن "اللجنة العلمية أخبرتني اليوم أن العنوان مرفوض ولا يمكن أن يقبل، والسبب الذي ذكروه أنه موضوع جدلي، ويسبب لهم حرجًا مع حركات الإسلام السياسي، وأنه يخدش السلامة الفكرية للطالب".
ويبيّن فائز أن "الفترة الماضية كنت أجمع فيها عدة مصادر عن تشرين والإسلام السياسي واقرأ بشكلٍ يومي مع متابعة الدراسات والمقالات الحديثة التي تكتب عن هذا الموضوع وأعددت خطة البحث ولَم يبقَ غير الشروع في الكتابة، مستدركًا "لكن لا أعرف ماذا أفعل، وكيف ابدأ من جديد في ظل هذا الإقصاء بحجج مضللة تنطلق من آراء شخصية وخوف على المنصب".
ويؤشر فائز وجود "رسائل في الجامعات أكل موضوعها الدهر ولَم تعد نافعة وكل ما فيها اجترار وتكرار".
ولم يتسن لـ"ألترا عراق"، التواصل مع جامعة الكوفة للاستفهام حول هذا الموضوع، فيما تم تكليف الأكاديمي، حيدر عبوسي العامري في عمادة كلية العلوم السياسية في الجامعة، نهاية آب/أغسطس الماضي، والذي تمتلئ صفحته على "فيسبوك" بمنشورات تثني على المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران، علي خامنئي، فضلًا عن اتهامه لقائد لواء أنصار المرجعية التابع لحشد العتبات الذي يشرف عليه المرجع الأعلى علي السيستاني، بأنه يقول كلام من قبيل ما يقوله أنصار نظام صدام حسين، بسبب محاضرة رفض فيها الياسري "صوت التوجيه والإرشاد القادم من خلف الحدود".
ويعتبر باحثون أن احتجاجات تشرين هي الحدث الأبرز منذ تأسيس العراق الحديث عام 1921، كما يؤكد الباحث عقيل عباس بالقول إنها "التحول الشعبي المهم في الهوية إذ شكلت حسًا جديدًا بالوطنية العراقية على أساس تجارب العراقيين العاديين وليس على أساس الرؤية الأيديولوجية للسلطة الحاكمة والنخب السياسية المهيمنة كما كان يحدث دائمًا منذ تشكيل الدولة العراقية الحديثة".
وتعتبر "ظاهرة تشرين" محل نقاش في إطار البحث العلمي وما يتعلّق بالعلوم السياسية والاجتماعية ليس في العراق فقط، وإنما في معاهد دراسات عالمية ومعروفة، فالكوليج دو فرانس، المؤسسة الأشهر المختصة بالبحث العلمي والتعليم العالي على مستوى الباحثين وطلبة الدراسات العليا نوقش فيها احتجاجات تشرين وآثارها على التحول الديمقراطي في المنطقة العربية.
ويدخل أي موضوع يخص الإسلام السياسي و"الشيعية السياسية" وأزمة الدولة والجماعات المسلحة لـ"السلامة الفكرية" وتشكل له لجنة من وزارة التعليم العالي، بحسب الباحث حسين سالم، الذي يقول لـ"ألترا عراق"، إن "هذا الأمر جعلني اضطر لتغيير ما كنت أنوي مناقشته عن العراق، واخترت أن أناقش مواضيع سياسية في دول أخرى"، مضيفًا "هذا أسلم في جامعات العراق التي يسيطر عليها أساتذة طائفيون ولديهم علاقات وثيقة بالميليشيات والكتل السياسية".
وأضاف سالم، أن "أي موضوع يخص احتجاجات تشرين يرفض بشكل قاطع بسبب سيطرة مقربين على الميليشيات المقرّبة من إيران والأحزاب المهيمنة على النظام في معظم الجامعات".
وفي شباط/فبراير من العام 2018 نوقشت رسالة ماجستير في جامعة بغداد، كان عنوانها (الفقه الاجتماعي عند الإمام الخامنئي) بحضور رجال دين يتبنون خطاب ما يطلق عليه بـ"المقاومة والممانعة" في العراق، لكن الأمر لم يبدأ في هذه الرسالة، إذ أن جامعة بغداد وكما يرى أكاديميون فيها أنها تعتبر من أهداف الفصائل المقرّبة من إيران للسيطرة عليها، فضلًا عن جامعات أخرى لضم الشباب للمشاريع السياسية والعسكرية العابرة للحدود.
وتشهد الجامعات فعاليات منظمة للحشد الشعبي والفصائل المسلحة، كما حدث في تشرين الأول/أكتوبر 2016 أثناء تنظيم مهرجان لدعم الحشد الشعبيّ، حضره عدد من قيادات فصائل الحشد الشعبيّ، ومنها زعيم حركة عصائب أهل الحقّ قيس الخزعلي، وعلى سبيل المثال، تسجّل جامعة بغداد وفقًا لصحيفة المونيتور، أعلى نسبة من جامعات بغداد في احتضان نشاطات فصائل الحشد الشعبيّ، إذ يتراوح معدّل النشاطات في هذه الجامعة بين نشاطين أو ثلاثة أسبوعيًا، تتنوّع بين الحفل التأبينيّ والمهرجانات التعبويّة المختلفة.
وترى الأكاديمية ميسون محمد، في حديث لها، أن "كلمة انهيار وتدهور التعليم في العراق قليلة مع حجم الكارثة التي يتعرّض لها"، مرجعة ذلك إلى "تدخّل الطبقة السياسية الفاسدة وسيطرة الأحزاب على بعض الجامعات العراقية، التي من شأنها هدم أركان التعليم"، فيما وصف أحد المراكز البحثية التي تهتم بالشؤون التعليمية في المنطقة، في ورقة بحثية، النظام التعليمي في العراق بأنه "يُحتضر بسبب هيمنة الأحزاب السياسية على منظومة التعليم، والإهمال الحكومي".
يتمّ نقاش الأمور الفقهية لمرشد الثورة الإسلامية علي خامنئي في جامعات العراق
وخلا تقرير سابق نشرته "نيويورك تايمز" الأمريكية، تضمّن قائمة نهائية لأفضل الجامعات في العالم، من أي جامعة عراقية، فيما يعلّق الأستاذ الجامعي علي الفراتي على ذلك بالقول، إن "هذا نتيجة حتمية للضغوطات التي يتعرّض لها رؤساء الجامعات من قبل الأحزاب والطبقة السياسية الحاكمة".
اقرأ/ي أيضًا: