عند كل أزمة سياسية أو خلاف بين الأحزاب في العراق، يعود الخلاف حول الدستور وضرورة التعديلات الدستورية إلى الساحة، فضلًا عن الاتهامات المتبادلة بـ"خرق الدستور"، وهو ما يرجعه مختصون إلى أنّ الدستور العراقي "حمّال أوجه" و"مطّاطي"، كما أنه يعاني من اختلالات هيكلية واضحة لناحية تناقض بعض مواده وغموضها أحيانًا، ومن جهة أخرى متعلّقة بطبيعة بنى القوى السياسية الفاعلة وسلوكها السياسي.
يرى خبراء قانونيون أن الدستور العراقي كتبه رجال السياسة وليس القانون
وهناك مشكلة أخرى في دستور العراق تعود إلى السياق التاريخي المعقد الذي كتب خلاله والظروف غير الطبيعية التي رافقته، حيث يرى الخبير القانوني، محمد السامرائي، أنّ "الدستور قد كتب بخلطة مآسي الماضي والخوف من المستقبل، وتمّ الابتعاد كثيرًا عن الأصول المتعارف عليها في كتابة وإقرار وتشريع الدساتير كما هو متبع في دول العالم المتحضر، مبينًا "كتب الدستور تحت حراب المحتل وتولى كتابته رجال السياسة فقط".
اقرأ/ي أيضًا: القضاء ينتفض على الدستور "المُتعِب".. صعوبات أمام التعديل و"فيتو" كردي
وكانت لجنة صياغة الدستور قد عيّنت ـ بعد الغزو الأمريكي للبلاد ـ من قبل الحكومة العراقية الانتقالية في 12 أيار/مايو من العام 2005 متضمنة 71 عضوًا موزعين بحسب الانتماء السياسي، حيث كانت حصة الائتلاف العراقي الموحد 28 عضوًا، بينما حصلت الأحزاب الكردية والسنية على 15 عضوًا لكل منهما، أما باقي المقاعد فتوزعت على الحزب الشيوعي وممثلين عن الأقليات، إضافة إلى أحمد الصافي ممثلًا عن المرجع الديني علي السيستاني.
ولتحقيق قدسية للدستور لا بدّ أن يكتبه خبراء وفقهاء في القانون الدستوري من ذوي الخبرة والدراية والمكنة القانونية، وفقًا للسامرائي الذي يضيف: "كما يجب أن يكتب الدستور بايادٍ وطنية وفي وضع سياسي ومؤسساتي مستقر"، فضلًا عن مراعاة "الدقة والحرفية والشمولية والنظرة المستقبلية وأن لا يكون جامدًا يستحيل أو يصعب تعديله".
وبسبب الظرف التاريخي المعقد، فإنّ مواد الدستور عبارة عن حقل ألغام سرعان ما تنفجر في كل أزمة سياسية تفرزها التطبيقات الواقعية لنصوص الدستور، بحسب السامرائي الذي يؤكد امتلاء الدستور بـ"الأخطاء القانونية وأخطاء في الصياغة وفي الانسجام القانوني داخل وبين نصوصه القانونية".
وساعدت نصوص الدستور الفضفاضة والغامضة والفقيرة صياغيًا ـ والكلام للسامرائي ـ في استغلال السياسيين لنصوصه وتفسيرها على حسب أهوائهم السياسية ذات المصالح الضيقة ومن ثم مخالفة القواعد الدستورية، كما يلفت السامرائي إلى أنّ "الدستور نفسه أصبح عبئًا على العملية السياسية وعلى إدارة الدولة، لذا صار لزامًا في الإسراع بتعديله".
لكنّ مقال رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، أعاد الحديث بمشكلة الدستور مجددًا، واعترف كذلك بأنّ الدستور صيغ في ظروف تختلف عن الظروف الحالية، متحدثًا في معرض تعليقه على الجدل الدستوري الذي شهدته البلاد في الأونة الأخيرة، عن أن بعض المشاركين في كتابته يطالبون اليوم بتعديله، كما بيّن زيدان خرق الدستور أكثر من مرة، مشيرًا إلى أنّ أهم المواد التي تتطلب التعديل هي تلك التي تتطلب وجود أغلبية الثلثين لتشكيل السلطات، لافتًا إلى "وجود إشكالية أخرى بشأن تفسير الكتلة البرلمانية الكبرى في الدستور".
ودعوة زيدان، جاءت في سياق دعوات سابقة كان أبرزها دعوة رئيس الجمهورية برهم صالح التي أطلقها خلال فعاليات ملتقى الرافدين في آب/ أغسطس من العام المنصرم، حيث ترجمت دعوة الرئيس المنتهية ولايته إلى مبادرة أعلن عنها أواخر العام الماضي تضمنت مجموعة مقترحات جرى العمل عليها بين رئاستي الجمهورية ومجلس الوزراء.
وظاهرة خرق الدستور لا تقتصر من حيث الأسباب على المشاكل المتعلّقة بالنص الدستوري، بل تتعلق أيضًا وبشكل جوهري بسلوك القوى السياسية الفاعلة من حيث عدم التزامها في التطبيقات العملية للمواد الدستورية وكذلك أنها غير ديمقراطية، كما يؤشر مراقبون.
ويقول الباحث عقيل عباس، في حديث لـ"ألترا عراق"، إنّ "القوى الحزبية الفاعلة في المشهد السياسي غير ديمقراطية وغير معنية ببناء دولة رصينة وإنما معنية بالحفاظ على مصالحها عبر الدولة، ولذلك فأنّ الدستور بالنسبة لهم ليس وثيقة ملزمة بقدر انسجام هذا الدستور مع مصالحها"، وهذا يؤشر بحسب عباس إلى أنّ "القوى السياسية التي أدارت الدولة كان اتفاق مصالحها فوق الدستور، ولذلك هي لم تكن تجد ضيرًا في أن يُخرق الدستور ما دامت حالة الاتفاق قائمة".
يقول الباحث عقيل عباس إنّ القوى الحزبية الفاعلة في المشهد السياسي غير ديمقراطية وغير معنية ببناء دولة رصينة وإنما معنية بالحفاظ على مصالحها عبر الدولة
ويرجع عباس حالة تصاعد الأصوات المنادية بتعديل الدستور في الآونة الاخيرة إلى انحسار "الهوياتية والمكوناتية" وارتفاع الوعي لدى المحتمع على عكس الفترات السابقة حيث كان المجتمع "شبه متواطئ" مع حالة اختراق الدستور، مبينًا أنّ "هذه القوى السياسية الزبائنية لا تشعر أنها مسؤولة أمام جمهورها، بل تشعر أنها مسؤولة أمام مصالحها وزبائنها"، مشيرًا إلى أنّ "هذه القوى إذا لم تصلح سلوكها، فهي ستكون على المدى المتوسط إزاء أزمة شديدة مع المجتمع وأنها ستصل إلى حالة صدام معه وستخسره إذا لم تسرع بإصلاح الوضع الحالي".
اقرأ/ي أيضًا:
ما هي أبرز التعديلات التي أجريت على الدستور العراقي؟
أكثر من عام على قرار تعديل الدستور العراقي.. ما الذي أنجز منه؟