قبل انطلاق صافرة بداية المبارة بين المنتخبين العراقي والفيتنامي، وقف الفريقان على حدود دائرة نصف الملعب دقيقة صمت على ضحايا التفجير الانتحاري الذي استهدف مباراة لدوري الفرق الشعبية في منطقة الحصوة التابعة لمحافظة بابل جنوب بغداد. في الثواني الأولى لهذه الدقيقة اشتعل الملعب بهتافات الجمهور العراقي الشاتمة لتنظيم داعش ثم أعقبوها بالصلاة على النبي.
منذ سقوط بغداد عام 2003 وحتى اللحظة ونحن نهدر دقائق الصمت الواحدة تلو الأخرى
في التاسع من نيسان/أبريل عام 2003، كانت المجنزرات الامريكية في ساحة الفردوس تقتلع تمثال صدام من مسنده الكونكريتي، غصت الساحة يومها بالجماهير السعيدة، والتي بادر بعضها برمي الأحذية على التمثال الساقط وتسلقه والوقوف على رأسه وجسده، كان ذلك المشهد هو الإعلان الدرامي لسقوط بغداد وانتهاء حكم البعث في العراق، حدث ذلك أثناء دقيقة الصمت المفترضة.
اقرأ/ي أيضًا: أن تكون اللاجدوى عراقية!
الثلاثون من كانون الثاني/يناير عام 2005، كان موعد انتخاب الجمعية الوطنية الانتقالية، والتي سميت أيضًا بالبرلمان المؤقت، قبل ذلك الموعد قرر جمهور واسع من سنة العراق الامتناع عن المشاركة فيها بحجة أنها ستكون حكومة احتلال، وبلغ الأمر في يوم الانتخاب أن تغلق عدد من المراكز الانتخابية أبوابها بسبب امتناع الموظفين عن الذهاب خوفًا من الجماعات المسلحة، وعلى رأسها القاعدة والتي هددت بخطاب لزعيمها الزرقاوي باستهداف المراكز الانتخابية والناخبين.
أعلنت نتائج الانتخابات (والتي كانت متوقعة) فوز التحالف الوطني الشيعي بـ140 مقعدًا انتخابيًا من أصل 275، وفوز التحالف الكردستاني بـ75 مقعدًا، و40 مقعد لقائمة رئيس وزراء مجلس الحكم المؤقت والتي ضمت شخصيات علمانية وعدد قليل من قادة الحزب الإسلامي السني. أدت هذه المقاطعة إلى فقر المشاركة السياسية السنية في حكومة إبراهيم الجعفري، وكانت توابع هذا الغياب تهميش العرب السنة في إدارة الدولة وشيوع ما عرف بالمحاصصة السياسية بسبب غياب دقيقة صمت للتفكر قبل المقاطعة.
في الثاني والعشرين من شهر شباط/فبراير عام 2006 قامت مجموعة مسلحة باقتحام ضريح الإمامين العسكريين، وتفجير عبوتين ناسفتين أدتا إلى نسف قبته. رغم المطالبة السريعة من قبل المرجعية بضبط النفس إلا أن الجماهير الغاضبة لم تنتظر دقيقة صمت بعد الانفجار، إذ بدأت أعمال انتقام مذهبية بعد التفجير مباشرة، وحسب وكالة (GDN) نقلًا عن ديوان الوقف السني، إن 168 مسجدًا في العراق تعرضت للاعتداء في ذلك اليوم، وقتل 47 شخصًا بينهم عشرة من أئمة المساجد واختطف 15 إمامًا آخر.
يوم الأحد الموافق للسابع والعشرين من شهر آذار/مارس، خطب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بأنصاره المعتصمين خارج المنطقة الخضراء يبلغهم أنه سيتعصم وحيدًا داخل الخضراء، كان الصدر يطالب أنصاره بين جملة وأخرى التزام الصمت والهدوء، الصدر الذي بح صوته بحثًا عن الهدوء كان يبحث عن دقيقة صمت طويلة للتريث والإصغاء، للتفكر قبل الفعل وتجنب تجربة فوضى دموية جديدة.
منذ سقوط بغداد عام 2003 وحتى اللحظة ونحن نهدر دقائق الصمت الواحدة تلو الأخرى. في المباراة، كان المخرج ذكيًا وفعل ما لم نستطع فعله طوال ثلاثة عشر عامًا، التقط نظرات الاستغراب على وجه اثنين من لاعبي الفريق العراقي وهما يصغيان لهتافات الجمهور، كأنهما يقولان: أين ذهب الصمت في دقيقة الحداد الصامتة؟!
اقرأ/ي أيضًا: