على مدى مدة غير قصيرة من ظهور فيروس كورونا في العراق، اقتصرت الإصابات المسجلة على أشخاص وافدين من خارج البلاد، حتى شاعت نظرية تقول إن الأجواء العراقية وسط غير ناقل للعدوى، لكن ذلك تغير تدريجيًا لتضرب الجائحة في صفوف مواطنين ملامسين ضمن عدد محدود جدًا.
تسببت الفعاليات الاجتماعية بطفرات مرعبة في معدلات الإصابة بالفيروس الفتاك
وفي الوقت الذي استمرت المحافظات بتسجيل أرقام منخفضة نسبيًا، برزت "صدمات رقمية" في عدة أماكن، كانت ناتجة عن مناسبات اجتماعية، تسببت في ما بعد بتفاقم الأزمة وارتفاع معدلات الإصابة إلى المئات وبدأ الوباء يحصد الأرواح.
مطلع نيسان/أبريل، تسبب عزاء أقيم في قرية كريزيان بمحافظة أربيل، بكارثة حين انتقلت العدوى من امرأة إلى العشرات، كما ضرب الوباء عشرات الأشخاص بسبب أنشطة إجتماعية في بغداد والبصرة أواخر نيسان المنصرم، بإصابة العشرات من الأشخاص.
وصل عدد المصابين بفيروس كورونا الذي انطلق من عزاء في قضاء الهارثة بمحافظة البصرة إلى أكثر من 100 مصاب، فيما يستمر حي الفرات الواقع في جانب الكرخ بتسجيل إصابات ناتجة عن عدوى بدأت من صلاة جماعة في منزل ضمن الحي، وفق بيانات وزارة الصحة.
وعلى الرغم من أن المناسبات الاجتماعية كانت من بين أبرز الأسباب لتفشي الوباء حتى ارتفع عدد المصابين إلى نحو 2300 شخص، إلا أن القوات الأمنية مازالت تتعامل مع حظر التجوال الوقائي كـ "حظر أمني"، عبر حجز المركبات وقطع الشوارع العامة بصبات كونكريتية، بينما تراقب المناطق وهي تعج بالمواطنين في الأسواق والشوارع، ومناسباتهم المجتمعية عامرة.
اقرأ/ي أيضًا: تضارب يثير الرعب.. هل دخل العراق "المرحلة الفتاكة" من الجائحة؟
يوميًا، تستعرض القوات الأمنية عدد المركبات المحجوزة والغرامات المفروضة والأشخاص المعتقلين، نتيجة مخالفتهم لحظر التجوال، إلا أن هذه البيانات الأمنية لم تشر، منذ بدء إعلانها وتطبيق حظر التجوال، إلى أي نشاط أمني استهدف تجمعًا أو أحبط مناسبة مجتمعية، على الرغم منها البيئة الأخطر والتي أدت إلى كوارث في دول عدة منذ ظهور الفيروس، فضلا عن الحالات التي شهدها العراق في أربيل وبغداد والبصرة.
ركزت الجهات الأمنية جهدها على قطع الشوارع الرئيسة ومطاردة المركبات متجاهلة التجمعات والمناسبات الاجتماعية
يبدي الموظف الصحي سيف أحمد في حديث لـ"ألترا عراق"، استغرابه من "وضع صبات كونكريتية وإغلاق شوارع رئيسية تعرقل وصول الفئات المستثناة من حظر التجوال إلى أماكن عملهم"، وبينما يتساءل عن جدوى وضع الصبات وتركيز الجهد على سير المركبات بينما يتجول الأشخاص في قلب المناطق بحرية تامة فضلًا عن إهمال المناسبات المجتمعية وعدم وضع عقوبات وغرامات رادعة لهذه الفعاليات كتلك المفروضة على المركبات، يرى أحمد أن القوات الأمنية تتعامل مع الحظر "بصبغة أمنية لا وقائية".
مدير عام الصحة العامة في وزارة الصحة رياض الحلفي، يلقي اللوم على المواطنين والجهات الأمنية على حدٍ سواء، بعدم تطبيق التباعد الاجتماعي، وعدم مراقبة القوات الأمنية لهذه النشاطات، بالاعتماد على "بيانات الصحة".
يقول الحلفي في حديث لـ"ألترا عراق"، إن "هناك تهاونًا من قبل المواطن والجهات الأمنية، على الرغم من بياناتنا التي تؤكد على أهمية مراعاة الإجراءات الوقائية سواء على البعد الشخصي أو الجماعي"، مطالبًا المواطنين والجهات بـ"تحمل مسؤوليتهما في تنفيذ كافة الإجراءات الوقائية وخاصة في منع أي مظهر من مظاهر التجمعات".
ويشدد، على ضرورة إعطاء الحظر صبغة وقائية بتتبع التجمعات والمناسبات الاجتماعية ومنعها، كما أكدت وزارة الصحة مرارًا وتكرارًا.
ولم تكتف القوات الأمنية بترك المناسبات الاجتماعية "عامرة" وتنشغل بملاحقة المركبات، بل أصبحت جزءًا من هذه المناسبات، حيث حضر قائد قوات الشرطة الاتحادية الفريق الركن جعفر البطاط برفقة قواته، مجلس عزاء في 21 نيسان/أبريل المنصرم، للمنتسب حيدر عبدالحسين في بغداد، والذي لقى حتفه في عملية عسكرية أثناء أداء الواجب في كركوك.
تراهن وزارة الصحة على وعي المواطنين على الرغم من أن الكثير منهم ما يزال غير مؤمن بحقيقة الجائحة
وبعد كل "كارثة وبائية" تنتج عن تجمعات بشرية، أو ملاحظة عدم الالتزام بحظر التجوال في قلب المناطق، يخرج المسؤولون في وزارة الصحة بتصريحات "تلوم" المواطنين، فبدلًا من خلق تنسيق مع القوات الأمنية للحد من التجمعات ومراقبة الأسواق والشوارع داخل الأحياء، تختار وزارة الصحة "المراهنة" على وعي مواطنين ما يزال كثير منهم "غير مؤمنين" بوجود وباء من الأساس.
ويطرح المشككين في حقيقة الجائحة، فرضياتهم مستندين فيها إلى "نظريات مؤامرة"، ويعززونها عندما يتحدثون عن عدم مشاهدة أي مصاب بالفيروس حتى اليوم.
اقرأ/ي أيضًا:
خبير قانوني ينبه ذوي ضحايا كورونا في العراق: قد تحصلون على تعويضات
الصحة تخاطب الحكومة لإعادة النظر في تطبيق قرارات الحظر الجزئي