30-سبتمبر-2015

مجلس النواب العراقي لـ أحمد فلاح

لست بحاجة للذهاب إلى مسرحية ودفع أجور تذكرة لك ولعائلتك، أو الانتقال عبر الريمونت كونترول في الفضائيات بحثًا عن ما يُضحكك، ولا حتى تأخذ مساحة من اشتراك الإنترنت بفتح موقع يوتيوب لتُقلب المقاطع المُضحكة، صفحات العراقيين وحدها تجعلك مُبتسم لساعات طويلة، دون الشعور بالملل.

يحاول السياسي العراقي أن يكون بمظهر لائق، رغم ربطة العُنق غير المتناسقة مع البدلة ولا القميص

أن تصفها بالكوميديا السوداء، أو بالكوميديا السياسية، أو بكوميديا السُراق، لا ضير في ذلك فالنتيجة واحدة. أنت ستضحك. قصص كثيرة لسياسيين عراقيين من بالوعة المنطقة الخضراء وكواليسها المظلمة خرجت في الأشهر الأخيرة.

نائب عراقي يُجري عملية جراحية لمؤخرته بـ(57) مليون دينار عراقي، أي ما يُعادل (45) ألف دولارٍ أمريكي، وآخر يقص شعره المتساقط، هو الوحيد الذي ابتكر هذه التسريحة، ونائبة ابنها يختطف الشباب، ووزير يقول أنه لا يعلم بتنصيبه وزيرًا ولا حتى عندما أزالوه، ونائب رئيس جمهورية "لا يدري" بكل شيء عندما يسألوه، وآخر يترك مصائب البلاد وينشغل بالمواقع الإباحية وإغلاقاها.

العراقيون بطبعهم الكوميدي الذي رافقهم طوال سنوات الحرب وفترات العيش المرير غير قادرين على تحمل تلك المأساة والاستمرار بالنظر لوجوه ساسة بلادهم دون أن يُتفهوا السياسيين بشكل أكبر مما هم عليه. المدونون العراقيون يتناولن مواقف وتصرفات السياسيين بطرق شتى، فمنهم من يحولها إلى صور ومنشورات عبر مواقع التواصل، وهناك من يصنع بها أفلامًا فيديوية. ساسة العراق جادون بطروحاتهم، حتى ذلك الذي قال إن "دُبي زرق ورق"، في إشارة منه إلى أن جمال دبي وعُمرانها مُجرد ألوان وإضاءة.

أعتقد أن أمين بغداد السابق نعيم عبعوب، كان مُتعمدًا بطرح جُمل وأفكار تستفز الشارع العراقي وتُخرج طاقاته الكوميدية، حيث ينشغل الشعب بما يقوله ذلك "المهووس" بمقولته الشهيرة أن "بغداد أفضل من نيويورك ودبي". هو يريد أن ينشغل الناس بـ"التحشيش" عليه وعدم محاسبته على الخراب الذي وصلت إليه العاصمة. هكذا كانت شخصية عبعوب الذي نجح بذلك. نائب آخر قال إنه "يُريد استنساخ زعيم حزبه"، وآخر يصف الشعب بـ"الدايح". ساسة العراق على مدى 12 عامًا لم يتعبوا على تطوير البلاد ولا أنفسهم، لكنهم بذلوا جهدًا كبيرًا بتطوير مشاريعهم الاستثمارية خارج البلاد، فأصبح من لا يملك 10 الاف دولار قبل 2003 يملك الان ملايين الدولارات.

الصدفة الملعونة وحدها من أوصلت من كان يحلم أن يزور بغداد ليكون حاكمًا فيها

يحاول السياسي العراقي أن يكون بمظهر لائق وبشخصية متزنة وهو يرتدي ربطة العُنق غير المتناسقة مع البدلة ولا القميص، ويحاول أن يُقلد شخصيات سياسية غير عراقية، لكنه بعد اجتيازه الدقائق الأولى من لقائه يقع في مطب ما ينهي كُل تلك الهيبة المصطنعة. حتى وأن أراد أن يكون بسيطًا متواضعًا بملابسه وخروجه في الشارع مثلما يفعل أعضاء برلمانات أوروبا وبعض الدول العربية، فإنه لا يجيد تلك السلوكيات. هو غير صالح بالأساس أن يكون سياسيًا.

لمدة أربع سنوات وأنا مراسل في مجلس النواب العراقي، أراقبهم يوميًا نساءً ورجالًا، لعلي أحظى بشخص يمتلك كاريزما حقيقية يُقنعني والآخرين من زملائي بأنه صعد على الأقل لأنه أنيق أو محبوب. هل تصدقون إن قلت لكم ان أحدهم "لا يُفرش أسنانه!!!"، وهل ستصدقون إن قلت لكم إن الآخر لا يصبغ حذائه!!!، وهل ستصدقون أن قلت لكم ان إحداهن (النائبات) قالت لي إن "هذا الشعب لا يستحق أن نعمل من أجله!!".

الصدفة الملعونة التي أوصلت من كان يحلم أن يزور بغداد ليكون حاكمًا فيها، ويصبح مسؤولًا عن 100 ألف عراقي بحسب قانون الانتخابات، في وقت لم ينتخبه سوى ثلاثة أشخاص، هو وأمه زوجته، حتى أصدقائه لم ينتخبوه.

هم ليسوا سوى بيادق تتحكم فيها زعامات سياسية كبيرة، تؤجج من خلالهم الصراعات والاحتقان في البلاد لتكون راضية عنها. هذا هو دور السياسي العراقي خلف الكواليس، وإذا ما أراد الخروج بمظهر لائق عبر الإعلام فإنه سيضع نفسه في خانة السخرية لسبب هو يبتكره.