29-يناير-2016

لاجئون سوريون في السويد (Getty)

نشر أحدهم على فيسبوك أن السويد تعتزم طرد ثمانين ألف لاجئ سوري لم يستوفوا شروطَ الإقامة. وكان الخبرُ قد أثارَ حنقي البالغ في الظهيرةِ فسوّلت لي نفسي بأن أقرأ التعليقات المندرجةِ تحت الخبر بحثًا عن مواساةٍ قد تنطلي عليّ. 

أغلقت سويسرا حدودها في وجه الألمان خلال الحرب العالمية الثانية وتركتهم للموت

حين بدأت بقراءةِ التعليقات لم يعد الخبرُ أعلاه هو المهمّ بالنسبة لي، لقد تحوّل بقدرة قادر إلى خبر هامشيٍّ لا يستحقُّ التأفُّف، حين نجحَ المعلقون الأغبياء بـ"عجق" ساعة الرواق خاصتي وإثارة غضبي العارم في لحظة!

هالني ما قرأتُ من آراءٍ مرحّبةٍ بقرار السويد طرد اللاجئين، حيث تمنى البعض أن تقوم باقي دول أوروبا بالإقدام على الخطوة "الصائبة" نفسها التي قامت بها السويد! وما أدهشني هو أن جلّ المعلّقين بهذا الرأي تطفو على أسماءهم وحساباتهم إشارات تشير إلى العلمانية والتحضّر.

كتبَ أحدهم ويدعى "علماني مصري" قائلًا: "طرد أوروبا للمسلمين ضرورة حتمية ورحمة لنا، تخيّل في يوم من الأيام أن يحكم أوروبا مسلمون! ستنتهي كل مظاهر الحضارة والتحضر التي نعرفها". ثم أعقب: "راجعوا كلام اللاجئين هناك، يرددون دائمًا إنهم سيحكمون أوروبا في يوم من الأيام، فالمسلمون يتزوجون بأربعة وأعداهم تتزايد وهكذا.. هم نفسهم أعداء الحضارة والحريات، والألمان وقت الحرب العالمية الثانية لم يتركوا أرضهم رغم ويلات الحرب. خليهم يذهبوا للعرب والمسلمين!".

من الواضح أن الأخ "علماني مصري" يلوم على السوريين خروجهم من بلادهم هربًا من الموت، وكان عليهم برأيه أن يظلوا كما ظلّ الألمان تحت النار ويواجهوا مصيرهم بالاحتراق والفناء. لكن قبل ذلك يجب أن نصحح معلومات هذا الأخ بأن الألمان، خصوصًا اليهود منهم، لطالما حاولوا الهرب إلى الدول المجاورة في غمار الحرب، لكون غالبية الدول المحيطة بألمانيا كانت تحت الحكم النازي، كان الخيار الوحيد هو سوسيرا، التي تعد بلد الحريات اليوم، لكنها أقفلت الباب في وجه من طلبوا اللجوء إليها، وساهمت بشكل أو آخر في المحرقة النازية. ناهيك عن أن "علماني مصري"، ومن يشبهون في الفكر من شبيحة الأسد والسيسي، مرشّح بقوة ليكون عضوًا في تيارات اليمين الأوروبية، التي لا تختلف عن داعش إلا في الهيئة والمظهر ليس غير.

من المؤسف بمكانٍ أن تقيس بعينك -غالبًا- مدى ضحالةِ هؤلاء، فحين تقرر أن تكون "علمانيًا" وتعتمر خوذةَ الثّقافة، كيف لك أن تخلط بين مفهومي الحضارة والمدنية؟؟ كيف لا تعلم بأن الحضارة تتجلى في آثار الإنسان العقلية والمادية كاللغة والكتابة والدين والعلوم والآداب والفنون والنظم التي يقيمها الإنسان لحماية الأفراد والجماعات.. بينما يقتصر مفهوم المدنية على مظاهر التقدم التكنولوجي والآلي!

عمليًا لا يوجد اختلاف بين شبيحة الأسد والسيسي وبين تيارات اليمين الأوروبية المتشددة

وكيف لهؤلاء أن يعتبروا بأن الإنسانية نقيضًا للحضارة، وهي من أبرز مقوماتها وأسلحتها للتمدد والبقاء! وكالعادة يا سادة، لن يخطر ببال المتذاكين الذي يشعرون بالدونية والتضاؤل أمام أوروبا، بأنهم ليسوا أذكى منها، فهي تعرف تمامًا ما الذي تفعله، سواء في استقبالها للاجئين أو في طردهم، فكله يصبّ في صالحها، وكله يجري ضمن حسابات سياسية مصلحية بالدرجة الأولى.

إذ أن هنالك تحليلًا يقول بأن السويد قد آوتهم في البداية هربًا من الضغوط الدولية المترقبة لردة فعل "دولة الإنسانية" تجاه عشرات الآلاف من اللاجئين الواقفين أملًا بباب الجنة، فآوتهم لبرهةٍ ثم استغلت بعض الضوضاء التي تحدث بشكل بديهي بين أي جماعة كانت، سواء في ظروفها الطبيعية أو الاستثنائية، لصالح أن يتم الحكم على كل اللاجئين بالغوغائية والسعار الجنسي والإجرام وقلة التهذيب! وكلنا نعرف بأن هذا التعميم باطل على كل الأصعدة جملةً وتفصيلًا.

لقد عرفَت السّويد كيف تستغل كل المجريات لصالحها، ولم يعرف العرب، للمرة المليون، مدى تشرذمهم على أن يكونوا أمة قادرةً على الانتصار في حروبها الصغيرة أولًا، قبل أي نوع من الحروب الكبيرةُ.

اقرأ/ي أيضًا:

كاليه.. برزخ اللجوء

ألمانيا ونظريات اللجوء السوري