23-سبتمبر-2019

تضامن الكثير من العراقيين مع الاحتجاجات في مصر (فيسبوك)

في كل مرة تُثار فيها قضية تخص دولة عربية ما (كالثورات مثلًا)، ترى الشارع العراقي يتفاعل معها بقوة، خصوصًا في عصر الإنترنت مواقع التواصل الاجتماعي، وعادة ما ينقسم المتفاعلون إلى عدة أقسام، منها من يؤيد الاحتجاجات الشعبية ويشجع عليها ويتمنى نجاحها، إضافة إلى من يحلل الأحداث ويتوقع النتائج والدوافع، ولكن القسم الأكبر من المتفاعلين العراقيين مع الأحداث العربية هم أولئك الذين يقارنون بين ما يجري في تلك البلدان وما يجري في العراق.

في كل الاحتجاجات التي انطلقت في مصر.. من ثورة 25 يناير وإلى الآن كان العراقيون دائمًا يعلنون التضامن مع المصريين في شتى الطرق 

تعد مصر من أكثر الدول العربية التي يهتم لأمرها الشعب العراقي، ويرجع ذلك إلى اتساع دائرة التبادل الثقافي والتشابه في بعض الصفات بين الشعبين، فضلًا عن المصريين الذين كانوا يسكنون في كل المناطق العراقية، وعندما اندلعت فيها ثورة 25 يناير عام 2011 ضجّت الأوساط العراقية بالتأييد للشارع المصري المطالب بإسقاط النظام، لاحقًا وعند وصول محمد مرسي إلى رأس السلطة وخروج المصريين فيما بعد ضدّه، تكرّر الدعم العراقي والمتابعة للأحداث، واليوم وبعد رجوع الهتاف الذي انطلق في الربيع العربي "الشعب يريد إسقاط النظام"، ضد رئيس مصر الحالي عبد الفتاح السيسي، عادت الأوساط العراقية للمتابعة والتأييد وإعلان التضامن.

اقرأ/ي أيضًا: انتفاضة السودان في بغداد.. فرح بالمدنية وخوف من إيران والسعودية!

وانطلقت في 20 ايلول/سبتمبر الجاري، تظاهرات في القاهرة وعدة محافظات مصرية تطالب بتنحي السيسي عن الرئاسة، وذلك بعد ضجة أحدثها رجل الأعمال المصري محمد علي، المقيم حاليًا في إسبانيا، والذي نشر مجموعة فيديوهات له يتحدث فيها عن تبديد الرئيس والجيش للمال العام في تشييد القصور الرئاسية الفخمة ومشاريع لا طائل منها.

لاحقًا رد السيسي على اتهامات محمد علي بطريقة اعتبرها المصريون مستفزة، حيث أنه اكتفى بالقول إن كلام رجل الأعمال "كذب وافتراء"، دون تقديم أي أدلة، فضلًا عن قوله "سأستمر في بناء القصور الرئاسية من أجل مصر، أنا ببني دولة جديدة"، وهذا ما حرّك الشعبي المصري ودفعه إلى الخروج بتظاهرات غاضبة ضد النظام.

دور العراق في أحداث كهذه، والتي تخص دولًا عربية ليست مجاورة له، يقتصر "غالبًا" على الإطار الشعبي، دون إعلان حكومي بالوقوف مع هذا الجانب أو ذاك، وهذا ما يجعل الموقف الشعبي أكثر حرية في تحديد وجهة نظره.

"فيسبوك" على رأس مواقع التواصل الأجتماعي الأكثر شعبية في العراق، ضَجَّ روّاده، مساء الجمعة، بمنشورات تنقل أو تؤيد أو تتمنى النجاح للمصريين بخروجهم ضد السيسي، كما توجد شريحة كبيرة من العراقيين تفاخروا، عبر منشوراتهم، بعزيمة الشعب المصري الذي ثار ضد حُكّامه ثلاث مرات خلال 8 سنوات فقط، وانقسموا إلى عدة أقسام أبرزهم أولئك الذين يعمدون إلى "جلد الذات"، عن طريق "تعظيم" الشعب المصري و"التقليل من شأن" الشعب العراقي، وذلك باعتماد المقارنة، حيث تأتي المنشورات على سياق أن "الفساد في العراق أكثر من أي دولة أخرى، فلماذا لا يخرج شعبنا بثورة ضد الحكومة لإسقاطها، أسوة بالشعب المصري؟"، أو "ليتنا نتعلم من مصر ونثور على حُكّامنا"، أو "الشعب المصري شعب حي، ونحن شعب ميّت"، وما إلى ذلك.

بعض الآراء في "فيسبوك" اعتبرت أن العراق لا يملك شعبًا، إنما يملك جماعات تلتقي ضمن روابط الهويات الفرعية، أكثر مما تجمعها الهوية الوطنية

هذا ما أوجد محورًا للنقاش والخلاف بين العراقيين، فاتخذ البعض هذه الفكرة وجهةً لنظره، فيما خالفهم فيها البعض الآخر لعدة أسباب، أهمها نقاط الاختلاف بين الدولتين المصرية والعراقية من ناحية نظام الحكم والإرث السياسي، حيث يثور الشعب المصري على رأس الهرم ويسعى لإسقاطه لأن نظام الحكم لديهم رئاسي، وهذا ما لا يملكه الشعب العراقي، فيكون الرد لدى هذه الفئة "على من نثور، لا يوجد شخص واحد يمكن إزاحته للخلاص من الفساد، فالنظام كله فاسد".

اقرأ/ي أيضًا: "التحرير" يستقبل أهله.. والسيسي يطير لأمريكا

فيما عزا آخرون عدم ثورة الشعب العراقي إلى التنوّع الكبير في مكوناته، فهويات مكونات الشعب المصري قليلة ومتقاربة، بينما يمتلك الشعب العراقي الكثير من الهويات الأساسية والثانوية المتباعدة في بينها، فيما انطلقت بعض الآراء التي اعتبرت أن العراق لا يملك شعبًا، إنما يملك مجاميع بشرية كبيرة تجمعها روابط معينة كالطوائف والقبائل، أكثر مما تجمعها الهوية الوطنية.

مجموعة أخرى من النشطاء اعتقدوا أن السبب يعود لـ"عدم وجود مثقفين حقيقيين لقيادة بسطاء الشعب وتوجيههم نحو الاتجاه الصحيح"، وترى هذه المجموعة أن النخبة الثقافية العراقية "نخبة فيسبوك فقط"، ولا يملكون أي تأثير على الشارع العراقي، مستندين بذلك إلى التظاهرات التي طالبت بـ"دولة علمانية" عام 2015 والانشقاقات الكبيرة التي حدثت فيها وكأنها احتجاجات لطائفة معينة.

يتميز الشعب المصري بحس فكاهة عالي، وهذا ما يتشابه فيه مع الشعب العراقي بنسبة معينة، خلق ذلك، وغيره من الأسباب، فرصة لخلق صداقات بين الطرفين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا ما يجعل الكثير من العراقيين يتابعون عن كثب ما يجري في مصر دون الحاجة إلى الاعتماد فقط على وسائل الإعلام التي تحمل أهواءً مختلفة.

كما يبدو، يتضح هنا أن الدعم الشعبي العراقي لمصر هو بكل بساطة دعم شعب لشعب، دون الخوض والتعمق في الآيديولوجيات والسياسات بعيدة المدى، ساعد في ذلك المسافة الجغرافية والسياسية التي تفصل بين العراق ومصر، فهي ليست دولة مجاورة أو موالية لأحد المحاور المتصارعة في العراق، ليتقيد العراقي بمذهبه وانتماءه عند طرح وجهة نظره بخصوص أحداثها كما هو الحال في سوريا والبحرين واليمن والسعودية ولبنان وغيرها.

السخرية والحس الفكاهي بين الشعبين العراقي والمصري خلق فرصة للتقارب بينهما في وسائل التواصل الاجتماعي

في السياق قال الباحث الاجتماعي علي كريم السيد لـ"ألترا عراق": "لا توجد اختلافات كبيرة بين المجتمع المصري والمجتمع العراقي، فكلاهما لديهما تاريخ من الحضارة والتراث، كما أن الشخصيتين العراقية والمصرية تتشابهان في كونهما يميلان إلى التدين والطيبة والكرم"، لافتًا إلى أن "الحديث عن ثورة ضد الرئيس السيسي مازال مبكرًا ولم يسقط نظامه بل خرجت ضده تظاهرات غاضبة وهذا أمر طبيعي في كل الدول والمجتمعات".

وبشأن الرأي القائل بعجز الشعب العراقي عن الثورة، أبدى السيد عدم اتفاقه مع متبنيه، مبينًا أن "العراقيين خرجوا بتظاهرات عارمة في عام 2015 ‪ أجبرت الحكومة آنذاك على اتخاذ قرارات إصلاحية جريئة، وأيضًا يجب الأخذ بالاعتبار أن نظامنا السياسي والانتخابي مبني على نظرية الديمقراطية التوافقية، وهو نظام يحد من قيام الثورة وتفرد طرف واحد في السلطة، كما كان نظام البعث المباد".

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

مصر تترقب..

"من الإبرة للصاروخ".. مسلسل اتهامات محمد علي للسيسي والجيش المصري بالفساد