13-أبريل-2019

تضم البتاوين أكثر من 1300 سوداني وصل بعضهم قبل عشرات السنين

يشهد السودان، منذ ما يقارب الخمسة أشهر احتجاجات غاضبة، بدأت شرارتها منذ كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي، ضد حكم الرئيس عمر البشير، عقب قرار الحكومة زيادة سعر الخبز ثلاثة أضعاف، الأمر الذي دفع الآلاف إلى النزول للشارع في معظم مدن البلاد، أبرزها العاصمة الخرطوم، للجهر برغبة واحدة وقاطعة، تغيير نظام الحكم في البلاد.

تحتضن بغداد المئات من السودانيين الذين يقطنون واحدة من أقدم وأعرق المحلات البغدادية القديمة قرب ساحة التحرير وسط العاصمة  

أخذت القوة المدنية في السودان بالتوهج شيئًا فشيئًا للتخلص من النظام، بعد نحو 30 عامًا لم يرى البشير خلالها تظاهرة تزحف نحو القصر الرئاسي مطالبة بتنحيه وتشكيل نظام جديد، نظام يرى المحتجون بتفكيكه شرطًا لتحقيق العدالة والتنمية الاقتصادية.

حاول البشير كالضائع وسط البحر في قارب، السيطرة على تدفق أمواج المعطلين عن العمل والمطالبين بالحرية بخطاب دعمه بوعود إصلاحية تعم البلاد، ولكن دون جدوى، ولم تستطع عصاه فعل شيء أمام بحر الغضب الشعبي، لينتهي به الأمر تحت الإقامة الجبرية معزولًا. 

ترحيب وأماني بالعودة

طوال سنوات حكم عمر البشير، هاجر من البلاد عشرات الآلاف من السودانيين بحثًا عن فرص عمل، وكان العراق وجهة للكثير منهم. قرب ساحة التحرير ونصب الحرية، وسط العاصمة بغداد، تمتد محلة "البتاوين"، التي تعد واحدة من أقدم وأعرق المحلات البغدادية القديمة، وتحتضن أكثر من 1300 سوداني، استطلع فريق "ألترا عراق" آراء بعضهم وتطلعاتهم عن الوضع في بلدهم الأم الذي شهد الإطاحة بالرئيس رسميًا، الخميس 11 نيسان/أبريل، مع استمرار التظاهرات.

يقول سوار الدين محمد، الذي وصل العراق عام 1990 باحثًا عن العمل، إن "الشعب السوداني انتظر سنوات طويلة من الفقر والتجويع والهجرة لتغيير حاله ونظامه الحاكم"، مضيفًا أن "الإطاحة بالبشير على يد الثوار أسعدتني كثيرًا، ونترقب تشكيل حكومة مدنية بعيدًا عن العسكر وتدخلات الخارج".

أضاف محمد، لـ "ألترا عراق"، أن "التغيير في البلاد الآن على مفترق طرق تاريخي، وسيحدد الشعب وجهته بين تغيير شامل كامل أو تغيير جزئي.. أثق كثيرًا بإرادة السودانيين التي أطاحت بالبشير"، مؤكداً أن "التواجد في مع المحتفلين بعزل البشير في الشورع والتعبير عن الفرح بشتى الطرق، كان أمنيته منذ إعلان الخبر".

البيان رقم (1)

وبث التلفزيون السوداني، الخميس، البيان الأول للجيش الذي قرأه وزير الدفاع عوض بن عوف معلنا "اقتلاع النظام والتحفظ على رأسه بعد اعتقاله في مكان آمن" في إشارة إلى عمر البشير.

كما أعلن بن عوف تعطيل الدستور وإعلان حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر وتشكيل مجلس عسكري لإدارة شؤون البلاد لفترة انتقالية مدتها عامان تجرى في نهايتها انتخابات. وكذلك أعلن وزير الدفاع وقف إطلاق النار الشامل في جميع ربوع البلاد.

من جانبه أكد عثمان معتز، أن "ما حدث في البلاد، هو ثورة شعبية بكل المقاييس بعدما ذاق الشعب مرارة حكم العسكر لسنوات طويلة"، مؤكدًا أن "الجماهير المنتفضة لن تقبل بعد اليوم بحكم الشخص الواحد، وما حصل من إعلان حالة الطوارئ في البلاد وتعطيل العمل بالدستور هو انقلاب عسكري يمهد لحكم العسكر، ومن المفرح أن الشعب كشف ذلك ويواصل احتجاجه".

أضاف معتز الذي وصل العراق عام 1990، في حديث  لـ "ألترا عراق"، أن "الجماهير ينتظر منها إجبار الجيش على تسليم زمام الأمور إلى شخصيات يتم انتخابها من قبل الشعب لنذهب إلى حكومة مدنية حرة"، مشيرًا إلى أن "السودان تفيض كرمًا لكن الناس جياع، وأرجو أن تتكلل الاحتجاجات بحكومة منتخبة بشفافية وعدالة.. حكومة تطوي صفحة الانقلابات العسكرية إلى الأبد".

أما أحمد مزمل فقد أكد، أن "الحراك المدني في السودان يدخل مرحلة أخرى من النضال ضد الطبقة الحاكمة، معتبرًا بيان وزير الدفاع رقم (1) "انقلابًا لطبقة الحكم على نفسها، وبهذا تريد أن تؤسس لحكومة جديدة على غرار السابقة، وهو ما يرفضه الثوار".

وبين مزمل الذي استأجر قبل عدة أشهر محلًا صغيرًا حوله إلى مقهى في منطقة البتاوين، أن "الشعب السوداني عازم على إنهاء حكم رجل يؤيد الحكومات التي تقتل شعبها مثل البشير الذي زار وأيد بشار الأسد قاتل السوريين".

لم تسقط بعد.. "تسقط تاني"

من جانبه وصف تجمع المهنيين السوداني بيان الجيش السوداني بـ"الانقلاب" فيما دعا لبقاء الجماهير في الشوارع. وذكر بيان التجمع، أن "الجيش نفذ انقلابًا عسكريًا يعيد إنتاج النظام القديم والوجوه والمؤسسات التي ثار عليها شعبنا العظيم".

يؤكد المحتجون استمرار تظاهراتهم حتى تسلم السلطة لحكومة مدنية، حيث يسعى السودانيون لتحصيل حكم ديمقراطي منتخب وليس آخر عسكري

وأضاف، أن "من دمر البلاد وقتل شعبها يسعى أن يسرق كل قطرة دم وعرق سكبها الشعب السوداني العظيم في ثورته التي زلزلت عرش الطغيان"، مشيرً إلى أن قوى "الحرية والتغيير ترفض ما ورد في البيان الانقلابي". 

اقرأ/ي أيضًا: الصدر عن سقوط البشير وبوتفليقة: لتنظر الشعوب الأخرى في أمرها

كما أيدت جموع المحتجين السودانيين استمرار التظاهر، حتى تسلم السلطة لحكومة مدنية، وتناغمت ردود فعل نشطاء التواصل الاجتماعي مع دعوات المعارضة المحركة للاحتجاجات، وانتشر وسم "لم تسقط بعد"، ووسم "تسقط تاني" على موقع "تويتر"، لمناهضة حكم المجلس العسكري للبلاد.

من داخل السودان، تؤكد عائشة محمد، من جامعة البحر الأحمر، في حديث لـ "ألترا عراق"، أن "المطلب الشعبي لجميع المحتجين هو الانتقال من الحكم العسكري إلى الديمقراطي المنتخب، وليس لحكم عسكري آخر".

لكنها تقول، إن  المحتجين رحبوا بتدخل المؤسسة العسكرية لـ "حماية المتظاهرين والحفاظ على الأمن وعزل الرئيس"، ولا اعتراض على مشاركة العسكر في العملية السياسية من خلال حمايتها، و"لكن ليس تشكيلها"، مشددة على ضرورة التزام المؤسسة العسكرية بالواجب الوطني وترك الأمور السياسية للمدنيين والكفاءات في البلاد، وحرية اختيار الناس لممثلين حقيقيين.

تضيف محمد، أن "الشعب السوداني ليس مثاليًا بمطالبه، ولا يريد أن يصبح البلد جنة في ليلة وضحاها، وسنصبر على وضع مسار موضوعي لإدارة البلاد"، مبينة أن " الحركة الثورية في السودان على مستوى عالٍ من الوعي، ومازالت تطالب بحل سياسي شامل، وحتى الآن لم تنجز الثورة أهدافها، ونحن في منتصف الطريق".

في الوقت ذاته يبدو الحراك السوداني على قدر كبير من الوعي، وفق مراقبين، حيث واصل مئات الآلاف احتجاجاتهم، في الشوارع المحيطة بمقر القوات المسلحة وسط الخرطوم، في تحد واضح لقرارات المجلس الانتقالي بفرض حالة الطوارئ، وحظر التجول من الساعة العاشرة مساء إلى الرابعة صباحًا.

وعبر المحتجون عن غضبهم تجاه المجلس العسكري الانتقالي، الذي أعلن فترة انتقالية مدتها عامان كحد أقصى، بعد عزل البشير، الخميس، وطالبوا  بتغيير المجلس العسكري، فيما اعتبروا أن بيان المجلس العسكري الذي أعلن عن توليه السلطة لمدة عامين، لم  يلب المطالب التي من أجلها اندلعت الاحتجاجات. ما دفع رئيس المجلس العسكري الانتقالي المؤقت في السودان عوض بن عوف، إلى التنازل عن منصبه هو ونائبه رئيس هيئة الأركان كمال عبد المعروف، وتعيين المفتش العام للجيش عبد الفتاح البرهان، رئيسًا للمجلس بدلاً عنه.

وأدى رئيس المجلس العسكري الانتقالي السوداني الجديد، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، مساء الجمعة 12 نيسان/أبريل 2019، اليمين الدستوري، فيما عد تجمع المهنيين تنحي عوض بن عوف "انتصارًا للشعب".

تباينت مشاعر السودانيين في بغداد حول "اقتلاع" الرئيس السابق عمر البشير بين مؤيد مسرور، ومتخوف من ملاقاة مصير كسوريا وليبيا أو هيمنة سعودية ونفوذ إيراني على قرار البلاد

ويعاني السودان من أزمة اقتصادية منذ انفصال جنوب السودان في 2011، وذهاب ثلاثة أرباع مناطق إنتاج النفط مع الدولة الجديدة، وظلت تتطور الأزمة مع عجز الدولة عن زيادة الإنتاج لكسب النقد الأجنبي، لتصل ذروتها بعجزها عن توفير الخبز والوقود والدواء، مع شح في السيولة النقدية منذ منتصف العام 2017، ما تسبب في خلق غضب واسع وسط المواطنين.

 

اقرأ/ي أيضًا:

صالح وصدام والقذافي.. الدكتاتور العاقل يترك الحكم حيًا

الصدر يغرد لربيع عربي جديد ويدعو إلى تنحي الأسد وحكام اليمن