ألترا عراق ـ فريق التحرير
تتسع يومًا بعد آخر ظاهرة التهديد والوعيد بمواقع التواصل الاجتماعي العراقية أبرزها "فيسوك"، تتصاعد وتيرتها ابتداءً من التهديدات بين مستخدمي الموقع وصولًا إلى الشخصيات التي تحظى بمئات الآلاف من الأتباع المؤيدين، الأمر الذي يقلق النشطاء والمراقبين للأداء الحكومي كثيرًا، من إمكانية تعرضهم للعنف والملاحقة بعد انتقادهم لتصرف أو قرار يهم الرأي العام لنافذين في المجتمع، أو شخصيات حكومية أو فصائل مسلحة.
بالرغم من ظهوره مع الصدر أكثر من مرّة.. هدد حساب مقرب من الصدر الصحفي حسن رحم ما أدى إلى ضجة في فيسبوك واستهجان
ومنذ الاحتجاجات الغاضبة في الجنوب بدأت المرجعية الدينية العليا في النجف تركز على "فيسبوك"، ففي آب/أغسطس 2018 انتقدت المرجعية الاستخدام "المفرط والسيء" لمواقع التواصل الاجتماعي، معتبرة إياه "يهدّد الأمن المجتمعي"، فيما دعت إلى "ترشيد" استخدام هذه المواقع وفق الضوابط "الشرعية والأخلاقية".
تهديد المنتقدين الأصدقاء.. ما مصير الأعداء؟
تجتاح مواقع التواصل الاجتماعي، منذ عصر اليوم الخميس، صور من تعليقات وردود جرت بين الصحفي (حسن رحم)، وحساب مقرب من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، يسمي نفسه "صالح محمد العراقي"، يتجاوز عدد متابعيه الـ90 ألف، فيما تقول مصادر إن الحساب يعود للصدر نفسه، وقد أشاد الأخير أكثر من مرة بالحساب، موصيًا أتباعه بأن هذا الحساب "ثقته".
بدأت القصة عندما نشر رحم في حسابه بموقع "فيسبوك" قائلًا: "عام يمضي ولم نر أي بادرة للإصلاح سوى محاولات تغيير النشيد الوطني وحظر لعبة بوبجي وقرارات تافهة.. لم يبق أي مكان للتفائل"، في إشارة إلى تحالف سائرون، الذي تبنى تغيير النشيد الوطني، والتصويت في 17 نيسان/أبريل على قانون حظر الألعاب الإلكترونية التي تحرض على العنف، بينها اللعبة الأكثر شعبية في العراق "بوبجي".
ورد حساب العراقي، على منشور حسن: قائلًا: "ليش بس النشيد وبوبجي.. ليش ما تضيف المخدرات والرشوة".
بدوره رد حسن رحم، أن الحديث "عن قرارات برلمانية.. ولم يطرح حتى الآن موضوع الرشوة ولا المخدرات"، مضيفًا أن "أمورًا كثيرة مثل الصناعة المحلية وقطاع الزراعة والطائفية وغيرها، كانت يمكن أن تحدث في هذه الدورة التي انقضى سنة من عمرها، ليرد العراقي بالقول: "انصحك بأن لا تتحرش.. بس علمود مواقفك أنت وأخوك راح اعبرها هل مرة.. واضح؟؟"، ليحذف صالح العراقي تعليقه الذي وثقه نشطاء وبدأو يعلّقون على الحادثة معبرين عن مخاوفهم من "التهديد"، وإنه لا يختلف عن التهديدات التي تطلقها فصائل مسلحة ينتقدها الصدر بين فترة وأخرى.
ويرى مراقبون أن تهديد الحساب المقرب من زعيم التيار الصدري، الذي كان قد ظهر مع حسن وأخيه حسين، في العام 2017 بصورة جماعية، أمرًا يثير الكثير من علامات الاستفهام بشأن تصرف الصدر نفسه مع منتقديه "غير الأصدقاء"، خاصة جمهور السياسيين الذين يتقاطعون مع تحالف الصدر السياسي متمثلًا بتحالف سائرون في البرلمان العراقي.
صالح العراقي يثير غضب النشطاء ضد الزعيم الصدري
أثارت الردود بين الحساب المقرب من الصدر ورحم، ردود أفعال غاضبة بين النشطاء بمواقع التواصل الاجتماعي، خاصة بعد تهديد العراقي الواضح للصحفي رحم، ومبادرة عدد من مؤيديه للهجوم الأخير.
علّق مصطفى ماهر بصفحته على "فيسبوك": "ويقولون إن العراق بلد الحريات.. تهديد علني لحسن رحم من قبل صفحة صالح محمد العراقي التابعة لمقتدى الصدر".
وكتب زياد العصاد معلقًا على الحادثة: "كلنا شاهدنا تهديد صالح محمد العراقي الصفحة التي تُعتبر في الأوساط الممثلة لمقتدى الصدر على فيسبوك للصديق حسن رحم، عقب تهكمه على مشروع الإصلاح"، مضيفًا أنه "نتفق على أن الرد كان بلغة مليشياوية لا تمت للإصلاح ولا للخطاب الذي يُحاول مقتدى الصدر بثهُ للشارع منذ فترة ليست بالقليلة بِصلة".
وتابع: "دعونا ننظر للجانب الجيد في الموضوع، لاحظت كُثر من أصدقائي الصدريين الممتعضين من هذا الرد وهذه اللغة، ويبدو أنهم ناقمون على الشخصية الافتراضية "صالح" أكثر من غيرهم، يجب علينا أن نُثمن لأصدقائنا الصدريين هذا الفعل وهذا الامتعاض، ونعتبره خير تعبير عن مشروع الإصلاح ولو قليلًا، وهذا يعتبر تطورًا ملحوظًا في تصورات أتباع هذا الخط، مضيفًا "ننتظر أن يكون لمقتدى الصدر إجراء إزاء هذا التصرف غير المقبول إطلاقًا وإلا ستطالهُ ومشروعه الكثير من الانتقادات".
من جهته خاطب علاء ستار زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بخصوص الحادث، وكتب على صفحته الشخصية في "فيسبوك"، "إلى مقتدى الصّدر، مفرح جدًا لنا كشباب ذلك الذي تقوم به من وضع اليد على بعض الآفات المجتمعية، وهذا ليس بغريبٍ أبدًا على البيت الذي تنتمي له، البيت الذي دأب دائمًا أن يكون بقرب المجتمع، ودأب أيضًا أن يكون صوته للإصلاح أعلى الأصوات وأعذبها".
أضاف ستار، أن "الغريب حقًا، أن تقوم الصفحة المقربة منك "صالح محمد العراقي" بفعلٍ غريب، وآفة من آفات المجتمع المنتشرة، وهو استخدام التهديد والوعيد للناس والشباب فقط لمجرد اختلاف الآراء والمدارك، وهو فعل لا يتوافق بأي حال مع الديمقراطية والتعددية وحرية النقد والتعبير وأيضًا مع كونك "حامي الديمقراطية"، كما صرّحت في يومٍ من الأيام، وأنت كذلك".
وكان الصدر أطلق في 16 نيسان/أبريل حملة جديدة للقضاء على ما أسماه "آفات الفساد الشعبية"، مؤكدًا أنه سيذكر هذه الآفات تباعًا، فيما بدأها بالحديث عن انتشار المخدرات والرشوة والغش في الامتحانات.
ويرى محمد سليم، أن "الزعيم الصدري مطالب بتغيير القائمين على صفحة صالح محمد العراقي، التي يعرف آلاف من أنصاره وغيرهم والصحفيين بعائديتها له"، مضيفًا في حديثه لـ"ألترا عراق"، أن "الصدر لطالما هاجم سلوك المليشيات المسلحة التي تهدد الناس وتتوعدهم في حال انتقادهم"، مؤكدًا أن "التهديد من قبل الصفحة وسكوت الصدر عنه يوقع الصدر في مغالطة كبيرة تمثل ازدواجية بالتعامل ومحاربة مثل هكذا أفعال".
عودة البطاط للواجهة
أعادت ردود الصفحة المقربة من زعيم التيار الصدري، موجة غضب هدأت خلال الساعات القليلة الماضية، كان قد أثارها رجل الدين الشيعي واثق البطاط، زعيم "جيش المختار" على خلفية اعتقال متهمًا بتهريب المخدرات، كان يرتدي زي رجال الدين في محافظة البصرة.
وهدد البطاط الرائد في مديرية مكافحة المخدرات بالبصرة، علي شياع المالكي بـ"قلع عيونه من جمجتمه"، هو وعناصر مفرزته الذين نفذوا عملية اعتقال رجل الدين، إضافة إلى تهديد عوائلهم.
ويقول علي غالب، في حديث لـ"ألترا عراق"، إن "تهديد الصفحة المقربة من الصدر للصحفي حسن رحم، لا يختلف عن تهديد البطاط لضابط الشرطة، فكلاهما تهديد بإلحاق الأذى"، مبينًا أن "العراقي لو لم يحذف تعليقه لرأينا الحديث قد تصاعد وربما يصل إلى مستوى قريب من تهديد البطاط".
أضاف غالب، أن "زعيمًا سياسيًا بثقل الصدر وقد عرف اعتداله خلال السنوات القليلة الماضية ودعواه إلى حصر السلاح بيد الدولة، والدعوة إلى التظاهر السلمي، يتقاطع مع أسلوب الصفحة التي يعتقد الآلاف أنه يديرها بنفسه".
وعن التهديد بمواقع التواصل الاجتماعي، يقول الصحفي مرتضى ستار، إن "التهديد بمواقع التواصل، وعلى رأسها فيسبوك الرائج بالعراق، يجب أن يشرع له مواد وفق قانون العقوبات العراقي، خاصة وأن القضاء اعتبره في وقت سابق وسيلة إعلامية، ويسري عليه ما يسري على بقية وسائل إعلام المقروءة والمسموعة والمكتوبة".
تهديد الصفحة المقربة من الصدر للصحفي حسن رحم، لا يختلف عن تهديد البطاط لضابط الشرطة، فكلاهما تهديد بإلحاق الأذى
أضاف ستار، في حديثه لـ"ألترا عراق"، أن "للتهديد عبر وسائل التواصل آثار سلبية ونفسية كبيرة، فهو غالبًا ما يكون من حسابات وهمية وليست حقيقية، وفي بداية انتشار الفيسبوك، لاحظنا انتشار ظاهرة المزاح بالتهديد، والتي انتهت أغلبها بمأساة حقيقية، فقد عرفت أناسًا أصابتهم أمراض قلبية نتيجة الخوف"، داعيًا إلى "إنزال أشد العقوبات بحق كل من يهدد شخصًا بالقتل أو التعرض له وعائلته مهما كان انتماءه أو موقعه في المجتمع والسلطة".
وفي آذار/مارس الماضي، استهدفت مقدمة البرامج في قناة دجلة الفضائية سحر عباس جميل عدة منشورات في فيسبوك من قبل الصدريين، إضافة إلى ضيفها عضو البرلمان السابق وائل عبد اللطيف، الذي علّق في معرض حديثه على ملفات الفساد في هيئة النزاهة بالقول إن "هناك تحقيقًا في ألفي ملف قد أحيلت إلى هيئة النزاهة في الوقت الماضي، فإذا بالهيئة تفقد رئيسها، في تلميح إلى احتمالية تدبير حادث السير الذي أودى بحياة القاضي عزت توفيق في دهوك الأسبوع الماضي بعد حديثه عن امتلاك ملفات فساد وتعهده بإحالتها للتحقيق". واسترسل بعدها إلى أن طالب رئيس الحكومة عادل عبد المهدي، بالتحقيق وكشف مصير رئيس الهيئة عزت الذي توفي قبل أيام بحادث سير بمدينة دهوك شمال العراق.
وبيّن أن "المصير "القتل"، الذي سيثير الخوف لمن يفكر بالتصدي لمكافحة الفساد بعده، وإلا عليه لبس الكفن"، مستشهدًا بالمرجع العراقي محمد محمد صادق الصدر "والد مقتدى الصدر"، الذي كان يرتدي الكفن خلال صلاة الجمعة في النجف أيّام نظام صدام حسين، قبل أن يعتبر ارتداء الصدريين الآن الأكفان في خطب الجمعة والتظاهرات غير مبرر بالقول "حتى الآن يرتدون أكفانًا لا أحد معهم الآن كي يلبسوا كفنا هم الحكومة سابقًا صدام كان يضربهم الآن من يتعرض لهم"".
طريقة الحديث هذه دفعت مقدمة البرنامج سحر عباس إلى الضحك بشكل اعتبر استخفافًا وتأييدًا لكلام النائب عبد اللطيف حول الصدريين، حيث ختمتها بمقولة شعبية عراقية بـ"يا ربي ضحكة خير".
فيما سبق، قدمت قناة دجلة اعتذارًا للتيار الصدري إضافة إلى اعتذار مقدمة برامج سياسية فيها بسبب ما اعتبر إساءة للمرجع محمد محمد صادق الصدر، والد مقتدى الصدر
وبعد ساعة أو أقل من بث البرنامج تجمع عشرات المنتمين إلى التيار الصدري، أمام مبنى الفضائية وسط بغداد، رافعين صور محمد الصدر ونجله مقتدى الصدر، مطالبين القناة بالاعتذار ومن المقدمة أيضا الاعتذار علنًا عما وصفوه "بالتصرف المشين"، فيما قدمت قناة دجلة الفضائية اعتذارًا مكتوبًا للتيار الصدري عن الحادثة، إضافة إلى اعتذار الإعلامية سحر عباس جميل.
اقرأ/ي أيضًا: