07-أكتوبر-2015

بائع خضار بعد تفجير شرقي بغداد 2014 (Getty)

 لا تضحك، ولا تتهمني بالمبالغة بهذا العنوان. تعال معي للعراق إن لم تكن فيه من قبل وستعرف ماذا أقصد. لم يكن مصطلح "حقوق الإنسان" في العراق رائجًا مثلما هو عليه الآن قبل حرب 2003، فلم يكن النظام حينها راغبًا بأن تعرف الناس حقوقها حتى لا تشهد البلاد حراكًا شعبيًا ضد التعسف الذي كان يمارسه في مجال الحريات، وحتى المجالات الاقتصادية والسياسية وغيرها.

في العراق الآن أكثر من أربعة آلاف منظمة مجتمع مدني مسجلة في دائرة المنظمات غير الحكومية

بعد 2003، عج العراق بهذا المصطلح. منظمات وبرامج تلفزيونية ومقالات في الصحف.. إلخ. بدأنا شيئًا فشيئًا نعرف تفاصيل أكثر عن "حقوق الإنسان"، لكنه في حقيقة الأمر غير موجود على أرض الواقع، فالقتل والدمار والتدهور الاقتصادي وغياب العدالة، جميعها تنتهك وجود هذا المصطلح المهم، عالميًا.

اقرأ/ي أيضًا: وداعًا أبا حسين.. أهلًا أبا علي

في العراق الآن، بحسب إحصائية حصلت عليها قبل عام ونصف، أكثر من أربعة آلاف منظمة مجتمع مدني مسجلة في دائرة المنظمات غير الحكومية، أغلبها ترفع شعار حقوق الإنسان، وإن لم ترفع هذا الشعار بشكل صريح فإنها تتضمنه في نظامها الداخلي، وتؤكد فيه أنها "تسعى لترسيخ مفهوم حقوق الإنسان والتثقيف عليه"، لكنها في حقيقة الأمر لا تعمل وفق ما تكتب، أو أن هناك معوقات تحول دون ذلك.

غريب هذا المصطلح على أغلب العراقيين قبل عقد ونيف، لكنهم تأملوا بوجوده خيرًا، فعندما كانوا يرون برامج أمريكية وأوروبية تتحدث عن حقوق الإنسان وأهميتها، اعتقدوا أن ذات المصير "المسترخي" سيلاقيهم بمجرد التحدث عنه ونشره أكثر في المجتمع.

إذا ما حسبنا عدد الانتهاكات التي يتعرض لها سكان العراق يوميًا، فإنهم لن يدخلوا موسوعة "غينيس" فحسب، بل ستكون هذه الموسوعة جزءًا من عملية تحطيم الأرقام القياسية في العراق. إذا قلت في اليوم هناك ألف انتهاك لحقوق الإنسان فهذا قليل، وإن قلت مائة ألف، وإن قلت مليون، وإن قلت عشرة ملايين.. ستكون هذه الانتهاكات قليلة، أقسم لكم قليلة.

في العراق، الآن ما يقارب الأربعة ملايين نازح، و30 % من العراقيين تحت خط الفقر، والآلاف هاجروا أو ينوون الهجرة، عشرات وربما مئات القتلى يوميًا، ملايين الأيتام، ملايين الأرامل، الاقتصاد ريعي وقد بدأ يتدهور، وسيدخلهم مأساة جديدة في الفترات المقبلة تضاف إلى المأساة التي لحقت وتلحق بهم.  لم يعد مصطلح "حقوق الإنسان" مطبقًا، أو أنه لم يطبق أساسًا في العراق، فكل ما موجود على هذه الأرض يحاربه، إلا ما ندر. خطابات المسؤولين في الدولة والأحزاب السياسية تحاول أن تضع هذا المفهوم في بداية مشاريعها "الكاذبة"، إلا أنها غير قادرة، فسارق الحقوق لا يعطيها، رغم أنها (الحقوق) تُنتزع ولا توهب، وإذا ما حاول البعض أن يساعد على ترسيخها فإنه سيجزئها حسب أهوائه ومصالحه، ولا يعلم أن حقوق الإنسان لا تُجزأ.

في العراق، من يتحدث عن "حقوق الإنسان" قد يُتهم بـ"البرجوازية المفرطة"

اقرأ/ي أيضًا: دفاعاً عن "ألمان" بغداد

هو حرف فقط تستبدله فيتحول المعنى لديك بشكل كبير، فبدلًا من الحاء ضع العين، وستكون عندك "عقوق الإنسان"، لكن هذا الحرف الواحد يختزل مأساة شعب كامل، مأساة اثني عشر عامًا من الدمار والخراب، وقبل عقود من الحروب والانقلابات والحصار.

يضحكون دائمًا عندما أخرج في التلفزيون وأتحدث عن إحصائية أو رقم معين، أو ملف حول حقوق الإنسان في العراق، يقولون لي: "ههههه أنت عن شنو تحجي، يا حقوق الإنسان؟؟"، هكذا عملت الطبقة السياسية التي لا تعرف حقوقها عندما كانت في المعارضة، فزادت المأساة مآسي، وأصبحت تتحكم بـثلاثين مليون عراقي يطالبون بحقوقهم لكنها تأبى. المصطلح الذي تفاءل به العراقيون قبل سنوات لم يعد الآن مفرحًا أو إيجابيًا، فهم يعتقدون أنه أصبح جزءًا من مأساة يعيشها الشعب كل يوم، فتحول كل شيء نحو السلب، ومن يتحدث عن "حقوق الإنسان" قد يُتهم بـ"البرجوازية المفرطة"، وكثيرًا ما يبدو أشبه بعازف وسط دوي المدافع.

اقرأ/ي للكاتب:

أعياد العراق.. أفراح منقوصة

سياسيو العراق.. سوف نضحك