08-أبريل-2018

جاء الغزو الأمريكي لتفكيك الدولة ونهب خيراتها (جيروم ديلاي/ أسوشيتد برس)

قبل 15 عامًا بدأت الولايات المتحدة حربها على العراق، ومحاولة السيطرة على أرضه وسمائه وحدوده ومحافظاته. أطلقوا على الحرب أسماء كثيرة، لكن "حرب تحرير العراق" أو "عملية حرية العراق" كانتا أشهر ما أطلق على الحرب التي بدأت في 19 آذار/مارس، وأدّت إلى احتلال العراق عسكريًا من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها. الحرب التي بدأت ولم تنته آثارها السياسية والأمنية والاجتماعية إلى الآن.

أسفر الحصار الذي فرضته الولايات المتحدة على العراق قبل غزوه لأربع سنوات، عن وفاة 576 ألف طفل عراقي

كانت الذريعة التي استخدمها الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش، ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير في احتلال العراق، هي "تجريد العراق من أسلحة الدمار الشامل، ووضع حد للدعم الذى يقدّمه صدام حسين إلى الإرهاب وتحرير الشعب العراقي من الدكتاتورية".

حجة أسلحة الدمار الشامل

بعد أكثر من عقد، ما زال العراقيون ومعهم المهتمون بالشأن العراقي، يتساءلون عن أسلحة الدمار الشامل، وهل وجدت الولايات المتحدة، ولو نموذجًا عنها، حتى أن هناك من صدّق بوجود أسلحة دمار شامل في العراق بسبب أجهزة الدعاية الإعلامية التي أطلقتها الولايات المتحدة آنذاك، لتبرير الحرب التي جاءت بعد حصارها الذي استمر 12 عامًا، ليفرز وفاة 576 ألف طفل عراقي خلال أربع سنوات منه، بحسب دراسة لعالمين نقلتها صحيفة نيويورك تايمز الأميركية.

كانت التصريحات التي تخرج من البيت الأبيض تشير إلى وجود أسلحة دمار شامل في العراق بشكل "يقيني"، لكن الحديث تحوّل تدريجيًا بعد أن كشفت التقارير عدم صدق هذا الادعاء.

وفي الرابع من كانون الثاني/يناير 2017، نشرت صحيفة الإندبندنت تقريرًا تحدّث عن رجل المخابرات الأميركية السابق، جون نيكسون، الذي أوكلت إليه مهمة استجواب صدام حسين بعد العثور عليه في كهف، في أيلول/سبتمبر 2003. جاء في التقرير نقلاً عن نيكسون، أنه "كل ما أراد البيت الأبيض معرفته، إن كانت هناك أية أدلة على أن صدام يطوّر أسلحة دمار شامل، لكن الحديث مع صدام ومستشاريه، والبحوث الجانبية قادت إلى استنتاج مفاده أن برنامج العراق النووي قد توقف منذ سنين سابقة".

بعض جنود القوات الأمريكية أثناء غزو العراق
لم تكن "أسلحة الدمار الشامل" إلا مجرد حجة لاحتلال العراق (رويترز)

لكن تقرير ديفيد كاي، رئيس مفتشي الأسلحة الأميركي، الذي ظهر في بداية تشر ين الأول/أكتوبر 2003، كان يوضح أنه لا وجود لهذه الأسلحة في العراق. حيث نشرت إذاعة سويسرا العالمية في موقعها تقريرًا في 10 تشرين الأول/أكتوبر 2003 تحدّث عما قدمه كاي للكونغرس، وماهي ردود الأفعال الداخلية بشأنه.

وقال تقرير الإذاعة السويسرية، إنه بعد ثلاثة أشهر من البحث المكثف في العراق عن أسلحة الدمار الشامل المزعومة، بمشاركة 1200 خبير، لم يُعثر على أي من تلك الأسلحة، والتي كان قد اتخذها بوش وحليفه بلير، ذريعة لغزو العراق.

كان شعب العراق الذي يُعاني شظف العيش جرّاء الحصار المفروض عليه من قبل مجلس الأمن، ينتظر إعلان بوش عن حقيقة الأسلحة، لكنّ الأخير اكتفى بالإشارة إلى أن مضمون التقرير يؤكد، أن "صدام حسين كان خطرًا على العالم". وقد تردّدت هذه الكلمات على لسان بوش الابن كثيرًا، وفي معظم أجوبته عن جدوى الحرب على العراق، دون إجابة تطمئن العالم والشعب الأميركي الذي عاش ويلات الحرب أيضًا.

مهمة ديفيد كاي ومعه فريق المفتشين، كانت مخيبة للآمال، على الرغم من انشغال العالم بها لأشهر. وقد طُرحت أكثر من إجابة على هذا الموضوع في أروقة السياسة الأميركية. على سبيل المثال، نانسي بيلوسي، التي كانت زعيمة الأقلية الديموقراطية في مجلس النواب، قالت عن تقرير ديفيد كاي، بحسب ما نقلته إذاعة سويسرا العالمية في تقريرها، إنه "يعني شيئًا واحدًا، وهو أن كل ما كان يجري في العراق قبل الحرب، لم يكن يصل إلى حد تشكيل خطر مُحدق على الأمن القومي الأميركي. وبالتالي يجرّد إدارة بوش من المبرّر الذي ساقته لشن تلك الحرب الاستباقية".

ومع ذلك، يبدو أن ديفيد كاي كان لديه أمل بسيط بالعثور على أي دليل على وجود أسلحة دمار شامل بحوزة صدام حسين، رغم اعترافه أن تقريره الذي قدمه للكونغرس يؤكد أنه لم يُعثر على هذا النوع من الأسلحة. حتى جاءت صحيفة الغارديان البريطانية بتقرير نشرته في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2004، قالت فيه إن مفتشي الأمم المتحدة، قضوا سنتين بتفتيش 1700 موقع بكلفة تجاوزت المليار دولار، لكن صدام حسين دمّر آخر ما يملك من أسلحة الدمار الشامل قبل أكثر من عقد من الزمن، وأن قدرته على بناء أسلحة دمار شامل جديدة استمرت بالتناقص قبل سنين من اجتياح العراق.

عقب ذلك، عندما سُئل ديفيد كاي بعدها عن أمله في العثور على أسلحة الدمار الشامل، قال: "ببساطة لا أعلم"، مضيفًا: "أنا أحاول تنفيذ مهمة تضمن عثورنا على تلك الأسلحة إذا كانت موجودة".

وفي سياق التقليل مما تضمنه تقرير ديفيد كاي، واستباقاً لما قد يحدثه من جدل في أجواء البيت الابيض، وما قد يؤدي إليه من انتقادات أكثر للرئيس بوش وإدارته، قالت كونداليزا رايس، وكانت وقتها مستشارة بوش لشؤون الأمن القومي، في تصريح صحفي، إن تقرير ديفيد كاي هو "تقرير أولي، ولن يخرج بخلاصة أو نتائج نهائية، وإن الطريق ما زال طويلًا أمام كاي لإنجاز عمله، إذ لا يزال ينتظره الكثير من العمل. منه البحث في أطنان الوثائق ومقابلة مئات الأشخاص لاستجوابهم".

لكن مع ذلك، لم يعثر ديفيد كاي ولا غيره عن أي أسلحة دمارٍ شامل في عراق صدام حسين. وقدم ديفيد كاي استقالته من المنصب الذي كان فيه رئيسًا لمفتشي أسلحة الدمار الشامل.

"العالم أكثر أمانًا"!

في حديث لصحيفة "بيلد آم زونتاغ" الألمانية، قال جورج دبليو بوش، في الثامن من أيار/مايو 2006 إن "التخلص من صدام حسين جعل العالم أكثر أمناً". وفي السادس من تموز/يوليو 2016، أكد بوش مرة أخرى أن "العالم بأسره هو أفضل حالًا بدون صدام حسين"، وأنه "غير نادم على غزو العراق"!

لم تسفر سنوات البحث عن أسلحة الدمار الشامل في العراق عن أي نتيجة، فلقد كانت هذه الأسلحة مجرد حجة مكذوبة من بوش لتبرير غزو العراق

كان هذا بعد أن مرّت البلاد بكارثة الحرب بأقصى مظاهر الخراب والدمار الشامل، وبعد ظهور تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في العراق، وإسقاطه ثلثي أرضه، وتدميره للآثار العراقية التي تمثل ذاكرة عمرها آلاف السنين، وقتله النساء والأطفال والشباب، وإمعانه في الذبح والتنكيل بالمدنيين، وتدميره لمدينة الموصل، ومعها الأنبار، وصلاح الدين وأجزاء من ديالى.

وجاء ذلك أيضًا بعد استمرار العراق في معاناته من أمراض في هويته السياسية، وفي بنية الدولة، وفي انقسام كارثي يعيشه الشعب بسبب النظام التوافقي (المحاصصة)، الذي جاءت به الولايات المتحدة للعراق، والذي تسبّب بمعظم هذه الكوارث السياسية التي تتمظهر على شكل الدولة وضياع الهوية الوطنية وتغييب المشتركات التي تجمع العراقيين بشكل متعمد.

الحاكم الأميركي الأول.. مدربًا للتزلج

في 27 آذار/مارس 2018، نقلت شبكة "سي بي إس" التلفزيونية، عن مقابلة أجريت مع بول بريمر، رئيس سلطة التحالف المؤقتة التي حكمت العراق لأكثر من عام، أنه يعمل الآن مدربًا على التزلج في مدينة فيرمونت، وأنه "غير نادم على ما فعله في العراق".

لكن ما أثار استغراب العراقيين وهم يعيشون هذه الفوضى السياسية التي اعقبت الغزو الأميركي، أن بريمر في رده على الاتهامات التي تصفه بأنه المسؤول عن إدخال العراق في حالة الفوضى والصراع الطائفي وانتشار الفساد، قال: "أبدًا، فالشعب العراقي الآن أفضل حالًا، رغم كل ما مروا به. ويتوجب عليهم أن يشكروا قواتنا المسلحة".

رئيس سلطة التحالف المؤقتة بعد غزو العراق بريمر
يرى بريمر، وقد أصبح مدرب تزلج، أن على العراقيين أن يشكروا أمريكا على غزو بلادهم! (Task and Purpose)

يأتي هذا الكلام بعد إسقاط الدولة العراقية التقليدية التي تأسست عام 1921، والتي عاشت بالأصل أزمة هوية ودور ووظيفة، والتي تعيش صراعات داخلية بعمق في إطار الهويات الفرعية. فبعد إرغام العراق على نظام المحاصصة من قبل الولايات المتحدة، بقيت كل قومية وطائفة تحاول إنتاج "هوية الدولة" على وفق منطقها وخصوصيتها ومصالحها الداخلية، لا مصالح البلاد بشكل عام. ورغم هذا يرى بريمر أن على العراقيين شكر الولايات المتحدة عليه!

انهيار كل شيء مع الاقتصاد الوطني

لا يقتصر الخراب العراقي بعد الاحتلال الأميركي على تدمير الدولة، وانهيار الجيش، وتفتيت المجتمع، وتفشي الفساد في أجهزة الدولة، وإذكاء الصراع الطائفي، وتحويل الهويات الفرعية/المكوناتية، إلى طرق يمر بها المواطنون إلى مؤسسات الدولة، وحرمان الشعب العراقي من خلاصه من الطغيان كأي شعب يسقط دكتاتوريته بيده ويبني مستقبله من خلال النخب الوطنية التي يعوّل عليها.. إنما يصل إلى إنهاء الاقتصاد وتدميره، وتحويله إلى اقتصاد أحادي، وتدمير قدرة العراق على التنمية وتنويع المصادر.

وهذا ما يشير إليه مراقبون، من أن البلاد لم تفشل على مستوى الدولة والبناء والاستقرار السياسي فقط، وإنما فشلت كذلك في تنويع مصادر اقتصادها، وما زالت الحكومة تعتمد بنسبة 99%على العائدات النفطية. ومنذ عام 2003، تلقّى العراق أكثر من 800 مليار دولار، لكن الفساد كلف البلاد 312 مليارًا، بحسب تقرير لمركز "إنجاح" للتنمية الاقتصادية.

وإضافة إلى الفساد الذي ينخر بمؤسسات الدولة، لم يشهد الاقتصاد العراقي أي تطوّر، بل تراجع بشكل مريع، وبات يعتمد على دول الجوار باستيراد مواد هو غني بها بالأصل، وكان يصدرها للعالم فيما سبق. 

وفي هذا الموضوع، يقول نوفل قاسم علي، أستاذ التنمية الاقتصادية بجامعة الموصل، في حديث لـ"ألترا صوت"، إن "الاقتصاد العراقي هو اقتصاد أحادي وليس متنوع، واعتماده بالأساس على النفط".

وأضاف نوفل قاسم، أن "هذه الأحادية ارتكزت على الإنتاج الرّيعي، أي الواردات من تصدير النفط الخام، وليس المشتقات النفطية، بل تحوّل العراق بعد عام 2003 إلى مستورد لها من الدول المجاورة مثل ايران وسوريا، هذا إلى جانب هدر الغاز الطبيعي بحرقه هباءً في الهواء، وتم تدمير الصناعات الثقيلة والتحويلية والخفيفة بشكل مُمنهج، فضلًا عن الصناعات النفطية والبتروكيمياوية. مثل معامل الأسمدة والبلاستيكية والتعدينية والپوليمراتية لفروع الصناعات التحويلية".

وأكّد أستاذ التنمية الاقتصادية العراقي، أن "الاحتلال الأمريكي لم يدمر الاقتصاد فقط، بل دمر العراق كله، وتركه غارقًا في بحر الدماء، ومتخبطًا في مستنقع الهدم المستمر لكل القطاعات الإنتاجية".

استبدال الديكتاتور بتفكيك الدولة

في 24 آذار/مارس 2018 كتب سنان أنطون، وهو شاعر وروائي وأكاديمي عراقي مقيم في الولايات المتحدة، مقالًا في صحيفة نيويورك تايمز، تذّكر فيه الغزو الأميركي للعراق، وأنه برغم الديكتاتورية التي كان يمارسها صدام حسين على الشعب العراقي، إلا أنه كان ضد هذه الحرب والإعلان عنها، لأن "الإطاحة بصدام حسين مجرد نتيجة ثانوية لهدف آخر، هو: تفكيك الدولة العراقية ومؤسساتها"، ويرى أنطون أنه عن طريق الاحتلال "تم استبدال الدولة، بدولة غير عاملة وفاسدة".

وقد أشار أنطون في مقاله إلى أنّه في الوقت الذي بدأ فيه الترويج لغزو العراق، كانت الولايات المتحدة بالفعل تدعم دكتاتوريات في العالم العربي، دعمًا مستمرًا و"لم تكن الولايات المتحدة في موضع يؤهلها لتصدير الديمقراطية".

نداءات أنطون وغيره ممن أسماهم بـ"عراقيي الشتات"، لم تلقَ ترحيبًا في وسائل الإعلام الأمريكية الرئيسية، وفي المقابل ركزت هذه الوسائل على العراقيين الأمريكيين المؤيدين للحرب، والذي ساهموا في الترويج لأكاذيب أن الحرب ستجلب للعراقيين "الحلوى والزهور"!

مكافأة الخراب بالنفط

وهذه الأيام، إذ تحل ذكرى الغزو الأميركي للعراق، ما زال العراقيون يتساءلون كثيرًا عن جدوى هذا الاحتلال؛ هل تحرّر العراق فعلًا من الدكتاتورية؟ وماهي ملامح مشروع "الدولة" البديل الذي أتى به الأمريكيون؟ وهل ثمة ما يكفي من اعتذارات تعوّض الشعب العراقي عن الخراب الذي يمر به منذ 15 عامًا، لم يذق فيها طعم الاستقرار والراحة ولو لأيام قليلة؟

الغزو الأمريكي وخراب العراق
لم يجلب الغزو الأمريكي للعراقيين سوى الخراب (رويترز) 

مع كل هذا ولا يزال الأمريكيون يصرون على أنّ إسقاط صدام حسين كان هدية للشعب العراقي، ينبغي أن يدفعوا ثمنه إلى قيام الساعة على ما يبدو، من خلال ثرواتهم ومصادر عيشهم ونفطهم.

مع كل الخراب الذي حل بالعراق بسبب الغزو الأمريكي، لا يزال الأمريكان يصرون على أن غزوهم كان هدية للشعب العراقي وعليهم دفع ثمنها!

ففي تشرين الأول/أكتوبر 2016، نشرت مجلة فورين بوليسي الأميركية، مقالًا تحليليًا عن نوايا دونالد ترامب في سرقة نفط العراق بشكل مطلق. وكانت لترامب عدّة مبررات في هذا الاستيلاء، منها، وبحسب المجلة، أن "سرقة نفط العراق والسيطرة عليه، باعتباره مكافأة شرعية مقابل الإطاحة بنظام صدام حسين".