21-يوليو-2022
محتجون عراقيون أمام مبنى السفارة التركية بعد قصف دهوك (Getty)

محتجون عراقيون أمام السفارة التركية بعد قصف دهوك (Getty )

ألترا عراق ـ فريق التحرير

أثارت حادثة قصف دهوك الأخيرة حالة واسعة من الغضب المحتقن بين العراقيين. فبعد سقوط تسعة ضحايا من بغداد وكربلاء في مصيفٍ بزاخو إثر قصف مدفعي، سارع عراقيون إلى التفاعل مع الواقعة على مواقع التواصل الاجتماعي وأمام القنصليات والسفارة التركيّة، منددين باستهداف المدنيين، وفي ذاكرتهم القريبة عشرات الحوادث المماثلة التي تتهم قوات تركية بارتكابها، فضلًا عن الجفاف وشح المياه الذي تقول الحكومة العراقية إنّ تركيا هي السبب الرئيسي وراءه.

 خرجت العديد من التظاهرات أمام السفارة التركية والقنصليات في محافظات العراق احتجاجًا على قصف دهوك

ويوم الأربعاء 20 تموز/يوليو، تعرّض أحد منتجعات مدينة زاخو بمحافظة دهوك التي تبعد نحو 10 كيلو متر فقط عن الحدود العراقية التركية إلى قصف صاروخي، ما أدّى لسقوط 9 ضحايا معظمهم سوّاح من بغداد وكربلاء، فضلًا عن إصابة أكثر من 30 شخصًا.

وتوّجه أول اتهام إلى تركيا بالوقوف وراء القصف، من قبل قائممقام زاخو، خصوصًا وأن هذه ليست المرة الأولى التي يسقط فيها ضحايا مدنيون في مدن إقليم كردستان بفعل قصف على يد القوات التركية التي تخوض المعارك داخل الحدود العراقية لملاحقة حزب العمال الكردستاني (pkk).

إلا أن الجانب التركي، أصدر بيانًا متهمًا حزب العمال الكردستاني بالوقوف وراء القصف الذي أدى لسقوط مدنيين، نافيًا مسؤوليته عن الحادث، بالرغم من أن الموقف العراقي الرسمي تعامل مع القضية باتهام الجانب التركي بالحادث بشكل رسمي، فضلًا عن نفي حزب العمال الكردستاني للاتهام التركي.

واتخذ المجلس الوزاري للأمن القومي برئاسة مصطفى الكاظمي 8 قرارات على خلفية الحادثة، التي وصفها بيان المجلس بـ"الاعتداء التركي الغاشم"، حيث وجه المجلس وزارة الخارجية بإعداد ملف متكامل بـ"الاعتداءات التركية المتكررة على السيادة العراقية وأمن العراقيين، وتقديم شكوى عاجلة بهذا الشأن إلى مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة"، بالإضافة إلى توجيه الخارجية بـ"استدعاء السفير التركي لدى العراق وإبلاغه الإدانة، واستقدام القائم بالأعمال العراقي من أنقرة وإيقاف إجراءات إرسال سفير جديد إلى تركيا".

ووجه المجلس أيضًا قيادة العمليات المشتركة بـ"تقديم تقرير بشأن الحالة على الحدود العراقية التركية، واتخاذ كل الخطوات اللازمة للدفاع عن النفس"، ومطالبة تركيا بتقديم اعتذار رسمي، وسحب قواتها العسكرية من جميع الأراضي العراقية".

قرارات اعتبرت غير "شافية".. ماذا يجب أن يفعل العراق؟

وبعد قصف دهوك، لم تأتِ القرارات الحكومية "شافيّة" للعراقيين، الذين عبروا عن غضبهم تجاه الحكومة والنظام السياسي بالمجمل، بنفس قدر الغضب على الجانب التركي، معتبرين أن النظام السياسي كرّس الخضوع السياسي والأمني والاقتصادي أمام الدول الأخرى ولا سيما المجاورة.

وفي الوقت نفسه، يبدو العراق "محرجًا" أمام الجميع، حيث أن أرضه أصبحت منطلقًا للتهديدات العسكرية من قبل مجاميع مسلحة ضد تركيا.

وتنوعت الآراء بشأن طبيعة الرد الذي يجب أن يتخذه العراق، حتى وصلت بعضها لطلب الرد بقصف عراقي تجاه الأراضي التركية، وهو إجراء يلقى ترددًا في الأوساط السياسية وبعض الأوساط الشعبية بفعل الذاكرة العراقية التي تحتفظ بمشاعر سلبية تجاه أي اعمال عسكرية مع دول الجوار بفعل الحروب التي خاضها النظام السابق برئاسة صدام حسين، كما تناقلت وسائل إعلام أنباءً عن قصف مقر عسكري تركي في بلدة بامرني بمحافظة دهوك.

لكنّ رئيس مركز التفكير السياسي، إحسان الشمري، رأى أنّ القرارات الحكومية وبالرغم من أنها جاءت "مستعجلة" بعد قصف دهوك، إلا أنها حملت بعضًا من القرارات "الكبيرة" في المعيار الدبلوماسي العالمي.

ويقول الشمري في حديث لـ"ألترا عراق"، إن "حجم الاستهداف وسقوط ضحايا عراقيين كان يتطلب تحركًا حكوميًا سريعًا كما حدث مثل تشكيل لجنة وزارية رفيعة المستوى واجتماع مجلس الامن الوزاري"، معتبرًا أن "القرارات التي صدرت من المجلس سيكون لها الآثار الواضحة، وعلى رأسها إعداد ملف كامل بالاعتداءات التركية والذهاب لمجلس الأمن الدولي، وهذه خطوة كبيرة ولكن يجب أن تنفذ على أرض الواقع واستكمال إجراءاتها حتى مع قدوم حكومة جديدة".

واعتبر الشمري أنّ "استدعاء وسحب القائم بالأعمال العراقية في أنقرة يعتبر في الأعراف الدبلوماسية قرارًا كبيرًا جدًا، ويترتب عليه الكثير وستتأثر العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بالتأكيد".

ويرى الشمري أن الجزء الأهم في حل الأزمة، هو حسم ملف الـ"pkk"، والأمر لا يتعلق بتركيا وحدها، بل "يجب منع المبرر التركي لتدخلها العسكري في العراق".

وبالمقابل، طالب مدونون ومهتمون بالشأن العام الحكومة بتحريك قوات عسكريّة تجاه نقاط ومقرات الجيش التركي وإجباره على الانسحاب خارج الأراضي العراقية، معتبرين أنّ ذلك هو الإجراء الأمثل الذي يجب أن يتخذه العراق للتأكيد على سيادة أراضيه.

 

وبينما تمضي الإجراءات الحكومية ضد تركيا، فضلًا عن التحركات الشعبيّة من قبيل الاحتجاج أمام السفارة التركية وإغلاق قنصلياتها في المحافظات، لا تزال الحكومة التركية تنفي مسؤوليتها عن الحادث.

الجانب الاقتصادي.. من الخاسر؟

وعلى صعيد آخر، يرى خبراء أنّ الملف الاقتصادي هو أقوى ملف يمكن تحريكه ضد الجانب التركي بعد قصف دهوك، فيما تأتي أهمية هذا الملف بالأرقام الكبيرة التي تتخلله، حيث أن حجم التبادل التجاري بين العراق وتركيا يبلغ 20 مليار دولار، ويأتي العراق كرابع أكثر مستورد من تركيا لمختلف السلع.

وفي ذات الوقت، يدخل العراقيون إلى السياحة التركية قرابة أكثر من 750 مليون دولار سنويًا. 

 

ودشنت أوساط شعبية ومنظمات وشركات بالفعل، دعواتها وإجراءاتها لمقاطعة البضائع التركية، وقامت بعض شركات السياحة بتعليق عملها في أصدار الفيزا إلى تركيا.

ولعل هذه الأرقام التي تبدو كبيرة بالنسبة للتصورات الغاضبة بعد قصف دهوك، لا تبدو مؤثرة جدًا كما يتصور الكثيرون بأن السلاح الاقتصادي ممكن أن "يؤذي" تركيا بشكل كبير أو يساهم بتقليص تدفق العملة الصعبة إليها وزيادة التضخم، ففي قطاع السياحة شكّلت أموال العراقيين قرابة 3.3 %؜ فقط من إيرادات السياحة التركية خلال الربع الأول من العام الحالي، أما حجم ما تصدره تركيا إلى العراق والبالغ أكثر من 15 مليار دولار، فهو يعادل قرابة 6%؜ فقط من الصادرات التركية في 2021 والتي بلغت أكثر من 225 مليار دولار، وبالطبع أنّ نسبة المساهمة العراقية في إدخال العملة الصعبة إلى تركيا والتي قد تصل لنحو 9%؜ بالمجمل لا تعتبر قليلة، إلا أنها ليست بحجم التصور الشعبي عن التأثير السلبي المحتمل على الاقتصاد التركي في حال غيابها تمامًا، بحسب خبراء في الاقتصاد

من جانب آخر، تطرح تساؤلات عمّا إذا كان العراق سيكون هو "المتضرر" أم لا في حالة مقاطعة تركيا اقتصاديًا، خصوصًا وأن سوق العراق "الاستهلاكي" يعتمد بشكل كبير على سلع تركيّة، قد تتسبب في حال غيابها إلى ارتفاع أسعار هذه السلع بشكل كبير في الداخل العراقي، من مواد غذائية ومجوهرات وأثاث وأجهزة منزلية وغيرها، لكن مختصين رأوا أنّ هناك سلعًا كثيرة في السوق العالمي قد تنافس السلع التركيّة وقادرة على سد مكانها في السوق العراقي.

من جانبها، اعتبرت نقابة المحامين العراقيين أنّ تأمين احترام سيادة العراق يتطلب شرطًا أساسيًا، وهو العمل على "إبعاد العراق - وهو الغارق في أزماته العديدة - عن المحاور والصراعات الإقليمية والدولية".

كما اقترحت النقابة وفق بيان تلقى "ألترا عراق"، نسخة منه، العمل على منع أي "تواجد عسكري للقوات الأجنبية على الأراضي العراقية، واتخاذ الإجراءات الرسمية بشأن التمثيل الدبلوماسي مع تركيا، وإعلان الموقف الحكومي الرسمي بالرفض والإدانة، واتخاذ الإجراءات الأمميّة والدوليّة لصدّ العدوان، مضيفةً "وأن تكون البيانات والإجراءات الحكوميّة متناسبة مع حجم الخطر والانتهاك الذي ما يزال مستمرًا على أراضي بلدنا العزيز، فضلاً عن العمل على إيقاف المصالح التركيّة على الأراضي العراقيّة والحد من التبادل التجاري".