في مسرحية الثلاثي "أمريكا، إسرائيل، إيران"، تجري الأحداث بما لا يتمناه الكثير من جمهور العراق الذين يدور العرض على خشبتهم، وهي مخاوف حقيقية تتصاعد في الآونة الأخيرة، ربما أشدها نابع من احتمالية اصطدام السلاح الذي أطلقه المرجع الأعلى علي السيستاني، والذي ساهم بشكل فاعل في إنقاذ البلاد بعد صيف 2014، في حرب "شيعية – شيعية" تقتضيها "حبكة" القوى الكبرى المؤثرة.
يتوقع مراقبون ومختصون حربًا "شيعية - شيعية" على خلفية أزمة قصف مواقع الحشد الشعبي في البلاد والصراع الأمريكي - الإيراني
فبعد ضياع فرصة رئيس الحكومة السابقة، حيدر العبادي، باستغلال التأييد الشعبي وزخم النصر على "داعش" في "الضرب بيد من حديد" وإعادة الأمور إلى جادة الدولة، وضعف رئيس الحكومة الحالية عادل عبد المهدي، وعجزه عن ضبط قيادة الأطراف الشيعية المسلحة في مواجهة الأزمات الكبرى، يرى مراقبون أن "الحرب" ربما تقع في أي لحظة.
الحرب أو الانهيار؟!
يقول الباحث في مجال العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية وحامل شهادة الدكتوراه بالتحليل السياسي، علي بشار، إن "الدولة العراقية الآن أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الحرب أو انهيار الدولة"، مبينًا أن "النظام السياسي المرتبط بباقي الأنظمة الاقتصادية منها والمجتمعية والأمنية، فضلًا عن باقي التفرعات، عاجز تمامًا عن تحديث أو ترشيق نفسه".
اقرأ/ي أيضًا: بغداد تدين " إسرائيل" والحشد يرتدي "قناع المقاومة".. ماذا عن عبد المهدي؟!
يضيف بشار، أن "هذا النظام يعيش شيخوخة كبيرة كما هو جسد أي شخص تجاوز التسعين من عمره. أصبحت كتلة النظام ثقيلة وغير قابلة للحركة في ظل وجود أعطاب كثيرة في هذا النظام لا يمكن إصلاحها"، مؤكدًا أن هناك "دولتين في العراق، الأولى صغيرة وخجولة ومعزولة ومخطوفة وغريبة وهي دولة رئيس الوزراء ووزرائه مع باقي المؤسسات الورقية الأخرى، أما الثانية فهي دولة قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس وهادي العامري وقيس الخزعلي، وهي دولة قوية متينة لديها كل شيء تقريبًا ولا يستطيع أن يقف بوجهها أي شيء".
يصف الباحث السياسي، الدولة الثانية بـ "دولة الحرب"، مقابل "الأولى الدستورية النظامية في بلد لا أحد فيه يحترم الدستور والنظام"، عادًا أن "الثانية هي كيان موازي أصبح أكبر من الدولة الأولى، فهم أصحاب القرار ومالكيه وهم من يقول لأي شيء كن فيكون".
كما يشير، إلى أن "السنة لم يعد لديهم شئ ليفعلوه في هذا البلد، لايستطعيون حتى الدفاع عن أنفسهم ولو بالكلام، لن يحاربوا أي أحد بعد الآن حتى وإن حاربوهم، وليس لديهم أي مقومات للقتال"، موضحًا أن "الكرد لديهم بوصلتهم الواضحة التي بدأوها بمراحل قديمة، كان على رأسها حدوث منطقة الحكم الذاتي من ثم التحول نحو الإقليم تمهيدًا لحدوث الدولة الكردية يوما ما، وهم أيضًا لن يقاتلوا أي أحد وإن قاتلوا مرغمين فسيكون لديهم ما يكفي من الدعم والغطاء للحفاظ على مكتسباتهم على أقل تقدير".
يقول باحث مجال العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية إن البلاد أمام خيارين لا ثالث لهما إما "الحرب أو الانهيار"
يخلص المختص بالشأن السياسي من تلك المقدمة، إلى أن "الشيعة، تحديدًا قادة الفصائل المسلحة وداعميهم، هم الطرف الأكثر تحمسًا للقتال"، متسائلًا بالقول: "هذا التطرف الشيعي هو الطرف المسلح الذي لديه الرغبة في صياغة الخارطة الجيواقتصادية والأمنية والاستراتيجية من جديد، لكن كيف ومع من وضد من؟ لا يوجد طرف سني يستطيع القتال والطرف الكردي أذكى بكثير من أن يذهب أو يسحب للقتال.. ماذا سيحدث إذن؟".
يعتقد بشار، أن البلاد على مشارف "مواجهة شيعية - شيعية سواء أكانت هذه المواجهة بين الدولة (بوزاراتها الأمنية والعسكرية) ضد الميليشيات، أو قتال الميليشيات فيما بينها"، فيما يرى أن "عدم الذهاب نحو القتال، يعني أن الدولة ستنهار خلال أشهر ربما، أو بعض السنوات".
يفسر الخبير بالشأن السياسي وجهة نظره تلك، بأن ما يؤجل انهيار الدولة منذ 2003 هو "تسخير إمكانياتها بين فترة وأخرى لحرب، وعندما ندخل لميدان الحرب لن يفكر أحد بالدولة ولا في مؤسساتها وماذا يحدث فيها ولم يعد هناك ما يهم مقومات الدولة أساسًا سوى القتال، لهذا سنركز على كيفية الانتصار، وحينما تنتهي الحرب سنصحو من غيبوبتنا من جديد وسننظر مره أخرى لجسد الدولة ونلحظ أن هناك أعضاء قد بترت وأعضاء قد شوهت وطعنات لا يمكن إصلاحها".
التوازن.. "حان دور الشيعة"!
لا تبدو وجهة النظر تلك مستبعدة في ظل ارتفاع منسوب التوتر إلى أعلى مستوياته، إثر أزمة استهداف مواقع الحشد الشعبي، وانشقاق الحشد الشعبي علنًا، والقرارات المنفردة التي تصدر عن قادته المقربين من طهران والتي تضرب أوامر رئيس الحكومة وتوجيهاتها وحتى قوانين الدولة عرض الجدار.
تستبعد التوقعات إمكانية تورط السنة أو الكرد في "الحرب المقبلة" على ضوء المعطيات الراهنة، في وقت يتحمس الشيعة لها
يقول المدون والكاتب رسلي المالكي، إن "أمريكا أضعفت السنة بداعش، وأضعفت الكرد عن طريق الاستفتاء، والآن تحاول إضعاف الجبهة الشيعية"، عادًا أن "ضربات إسرائيل للحشد الشعبي لها بُعد آخر، فهنالك أطراف شيعية لا ترضى أن تكون خط دفاع عن إيران، مقابل أطراف شيعية أخرى تعتبر إيران ربها الأعلى".
يضيف، أن "الأحداث الجارية في البلاد، ماهي إلا بوادر حرب شيعية - شيعية تلوح بالأفق لتدمير الشيعة، مثلما دمروا أحلام الكرد وطموحات السنة، لتحقيق توازن القوى بالعراق عن طريق إضعاف الجميع".
اقرأ/ي أيضًا: هل يحق للحشد الشعبي امتلاك قوة جوية؟
كانت المراحل السابقة شهدت سيناريوهات سابقة، حيث اقتضى مسار الأحداث ضرب القوة الشيعية متمثلة بـ "جيش المهدي" بعد الصعود المدوي في آخر سنوات العنف الطائفي، وهو ما فعله رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي بما عرف حينها بـ "صولة الفرسان"، لكن حكومة اليوم أضعف بكثير من القدرة على مواجهة من هذا النوع تلجم الفصائل المسلحة التي صعدت بقوة هائلة عسكريًا ثم سياسيًا باستثمار الانتصار على "داعش".
يقول الكاتب السياسي، سرمد الطائي، في حديث صحفي، إن "الباحثيين العراقيين منذ بداية تشكيل هيئة الحشد الشعبي، قبل أربعة سنوات، كانوا يقسمون الفصائل إلى ولائية مقربة من طهران، وعراقية وظيفتها مساندة الجيش والعمل تحت سقف الدولة"، مؤكدًا أن الوضع الآن لا يشهد أي جديد سوى "نضوج هذا الانقسام ووضوحه للرأي العام، وفي منعطفات سياسية إقليمية ودولية واضحة".
يضيف الطائي، أن "عبد المهدي حاول معالجة الانقسام وقدم تنازلات، لكنه اصطدم بعائق إيراني كبير، لذلك أصبحت المواجهة حتمية، وأي علاج لها سيبقى مؤقتًا، فإما الدولة أو الفوضى في بلد كبير وثري وذو إمكانات وشراكات دولية مثل العراق"، مبينًا أن "فالح الفياض لا يستطيع إحراج أحد، وهو كرئيس معين للحشد الشعبي وجد نفسه تحت ضغط عبد المهدي لإصدار بيان يتبرأ فيه من بيان نائبة أبو مهدي المهندس، الذي كان يعلن الحرب على أمريكا خارجًا عن صلاحيته، فهي ضربة الحكومة لجزئها غير المنطقي".
يستند متوقعو الحرب المقبلة إلى منهج فرض التوازن في العراق ما يعني أن المستهدف هذه المرة هم الشيعة بعد "ضربة" للسنة والكرد
يشير الطائي، إلى أن "المهندس أصبح خارج نفوذه الرسمي وسيعود ليعمل بنفوذه الميداني القديم، وهنا تصاغ المواجهة بين أجنحة متشددة وأخرى عقلانية سواء في بغداد أو طهران، التي بدأت تدرك أن العراق يختلف تمامًا عن الساحة اللبنانية مثلًا، ومساحة الحركة فيها تبقى مقيدة جدًا".
اقرأ/ي أيضًا:
ليلة البيانات "النارية".. "انشقاق" داخل الحشد الشعبي عشية التهديد بـ "الحرب"!