25-مارس-2017

فتيات عراقيات في حفل تخرجهن الجامعي (Getty)

قبل عدة سنوات من إكمالي المرحلة الثانوية "البكالوريا"، عمدت وزارة التعليم العالي على أن يكون التقديم على الجامعات الحكومية عن طريق استمارة إلكترونية تعتمد على معدل الطالب في صفه الأخير من الدراسة الإعدادية، إضافة إلى اختياره المسبق لأحد فروع الدراسة (علمي، أدبي، صناعة، تجارة) وهذه الفروع ستحدد مع معدل الطالب، الكلية التي سيقبل بها.

لم يكن اختياري لكلية العلوم السياسية محض صدفة، أو كما كان يفعل أقراني، فهم يضعون الكليات في ترتيب هرمي من الأعلى معدلًا، بل لأني اعتمدت على العلم والمعرفة التي من الممكن أن اتعلمها من هذا الحقل الدراسي الواسع، كانت العلوم السياسية تتنافس مع خياراتي لعلم النفس والفلسفة والآداب، اخترت أن أدخل أخيرًا كلية العلوم السياسية، وفي إحدى أكبر الجامعات العراقية.

جولة سريعة في شوارع العاصمة بغداد، يمكننا أن نرى الشباب يتمشى دون أمل، دون أي قدرة فعلية على صنع التغيير

بعد إنهاء دراستي الجامعية وحصولي على شهادة "البكالوريوس" في العلوم السياسية، عندما تنتابني نوبات اليأس، أشعر بالندم لاختياري هذا المجال الدراسي، الذي وحسب ما رأيت، بأنه لا يفيد في شيء، هنا في العراق. أفكر، هل هناك مجال دراسي يمكن أن ينفع في مثل هذا البلد؟

اقرأ/ي أيضًا: "إنها أجمل سنين حياتك" لماذا كذبوا علينا؟

جولة سريعة في شوارع العاصمة بغداد، يمكننا أن نرى الشباب يتمشى دون أمل، دون أي قدرة فعلية على صنع التغيير، نحن الجيل الذي يعاني، ولا يرى بصيصًا للمستقبل. الحكومة تستنفذ طاقتنا بلا نفع، من جهة أخرى، تُستنزف أرواحنا في جبهات القتال الممتدة على طول البلاد.

أحلام مجهضة

بعد 16 عامًا، يخرج الطالب دون أي فرصة حقيقية في إيجاد وظيفة، ولا أقصد هنا وظيفة حكومية فحسب، إلا من خلال "الواسطة". أتابع في بعض مواقع التواصل الاجتماعي عددًا من الوزارات التي تنشر استمارات لغرض التعيين، فبعد المظاهرات التي حدثت قبل سنوات، اتجهت الحكومة إلى "الشفافية"، وإلى عمليات الإصلاح التي بدت شكلية بصورة مخزية، أصبحت الوزارت تعلن عن وجود وظائف في الجرائد الرسمية ومن ثم تنشر روابط على مواقع التواصل الاجتماعي لغرض ملء استمارات التعيين، يتمسك الشباب بهذه القشة، حتى وإن عرفوا بأن هذه الأساليب مخادعة من قبل الحكومة.

أصبح انتظار الوظيفة مذلًا بالنسبة للشباب، الطوابير المنتظرة أمام الدوائر الحكومية لأجل حلم يمكن أن يحققه الحظ الغائب أو فرصة.

أصبح انتظار الوظيفة مذلًا بالنسبة للشباب، الطوابير المنتظرة أمام الدوائر الحكومية لأجل حلم يمكن أن يحققه الحظ الغائب أو فرصة

من الغريب أيضًا أن نجد شبابًا يحملون شهادات جامعية يقفون بأعداد كبيرة أمام أحد مراكز التطوع للجيش العراقي، كما حدث مثلًا في معسكر الناصرية بعكس خريجي الجامعات من دول العالم اليوم الذين ينضمون إلى منظمات المجتمع المدني، وإلى المنظمات التطوعية، رغبة في إضافة خبرة لما كسبوه في الأكاديميات التي يرون أنها لا تواكب متطلبات عصرهم، ورغبة أيضًا في قتل الملل الذي يصيبهم.

اقرأ/ي أيضًا: عيش بالحدّ الأدنى من الذكريات

نساء بأحلام مثقلة

تجد الفتيات أنفسهن من جهة أخرى، أمام شبح انتظار ما يسمى "العريس" الذي سيكون بمثابة الحلقة التالية المكملة، لمرحلة ما بعد التخرج، خصوصًا الفيتات اللواتي فشلن في إيجاد فرصة للعمل.

تجد الفتيات العراقيات أنفسهن أمام شبح انتظار ما يسمى "العريس" الذي سيكون بمثابة الحلقة التالية المكملة

تراقبني أختي -هي تدرس في المرحلة الإعدادية- بحذر وتخشى أن ينتهي بها الحال مثلي، تفكر أن تدخل كلية القانون وتمتهن المحاماة، تسألني النصيحة، لكنني دومًا أقول لها الحقيقة بالنسبة لي: "اختاري ما يلائمك، فكرًا وطموحًا، ما دام التعيين في العراق نادرًا". زميلي، الذي أنهى أيضًا دراسته الجامعية، وصاحب مهارات عديدة في الحياة، قد فقد الأمل في الحياة، يقول لي: "لماذا عندما تكون مستعدًا لبذل ما لديك، لتحقيق ما ترغب لا تأتيك الفرصة؟".

في عراق اليوم، أخاف أن كوني عبئًا، لا يجد فرصة لخلق فرصته. تخبرني الناشطات، اللواتي كثرن في يومنا، بأني يجب أن أقف في وجه المجتمع، لأخلق فرصتي وأحارب كل من يعيقني في سبيل ذلك، ربما أبي ضمن من علي أن أحاربهم، أبي الذي يخبرني بأنني قد ضيعت الفرصة حينما حصلت على معدل لا يكفي لإكمال دراسة الماجستير، ربما هو محق!

ترى أمي بأني أضيع مستقبلي وفرصي في السعادة لرفضي "الخطابة" الذين يأتون، لأنني من وجهة نظرهم فتاة تقليدية، وجيدة في المنزل. سأستمر في المحاولة لأكون أكثر من مجرد عبء، في بلد يرمينا لنكون نماذج متكررة، يقتل أرواحنا ويدمر كل فرصة ممكن أن توجد، هل لدي الفرصة للمقاومة، هل لديك؟

اقرأ/ي أيضًا:
مذكّرات قبل الانتحار
نحن والحياة والأسئلة الدائمة