23-مايو-2016

جنازة أحد ضحايا قمع التظاهرات 21 آيار/مايو 2016 (Getty)

لا تزال السلطة الحاكمة في المنطقة الخضراء، بارعـةٌ في حياكةِ الكمائن واختراعِ مختلفِ فنونِ القمعِ وتعميمها على شتى مناطق سيطرتها في العراق، فما بيـن مشاهد وأحداث شباط/ فبراير 2011، وما حصل في العشرين من آيار/مايو من العام الجاري 2016، مقارباتٌ جوهـرية، تُلخصُ كيفية تعاطي الحزب الحاكم مع أيِ تمردٍ شعبيٍ ضد سلطته. فالاعتقالات الممنهجة والتحريض الإعلامي وتعبئة الفتوى الدينية، كانت مجمل آليات السلطة في التعامل مع التمرد المـدّنـي طيلة السنوات الخمس الماضية. بينما أحداث العشرين من آيار/مايو الجاري، كشفت عن تنامي خبرة "شيعة السلطة" في التعاطي مع أيِ احتجاجٍ صاخبٍ ضدّهم.

لا تزال السلطة الحاكمة في منطقة بغداد الخضراء، بارعـةٌ في حياكةِ الكمائن واختراعِ مختلفِ فنونِ القمعِ

فتـحُ أبـواب القلعة الرئاسيـة أمام الناقمينَّ عليها، في الثلاثين من نيسان/أبريل الماضي، مثلَ بُعدًا سياسيًـا وتنفيسًا غرائـزيًـا لمشاعر الجماهيـر المكبـوتة، التي صبت جام غضبها على السلطةِ التشريعية، عبر اختراقِ أروقتها وإهانتهـا والتمثيـل الكوميـديانـي بنوابهـا، مع اللحظة التي أطـلَّ بها رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي من أمام بـوابـةِ مجلسـهِ مشاهـدًا الإهانـةِ الشعبيـةِ للبرلمـان. إذ نجحـتْ سلطـة "دولة القانون" في توجيـهِ بوصلـِة المحتجيـنَّ باتجـاه السلطة التشريعيـة بـدلًا من سلطتها، وذلك عبر الإيعاز لقـوات الفوج الرئاسي بعدم التحـرك، أو الاعتـداء على أيٍ من المحتجيــن.

اقرأ/ي أيضًا: اليمن.. خمس سنوات في الطريق إلى الصوملة

وما أن اتجه الصخب الجماهيـري صوب دار السلطة التنفيذيـة، حتى أحكمـت الأخيـرةُ خطتهـا لمواجهـة متحديهـا الغاضبيـن، بنفـسٍ صـدّامـيٍّ مُحكـم. والبـراعـةُ كمُنتْ في تصديـرِ المواجهـةِ إعلاميـًا وكيفيـة قنـصِّ المتظاهريـن بالغاز المسيـل للدموع والرصاص المطاط، عبـر قناصيَن كانا أعلـى برجـي البوابـة التشريعيـة للمنطقة الخضراء. ليبدو الأمـر أمام الرأي العالمـي مواجهـةً حضاريـةً لأيِ حكومـةٍ تتعامل مع متظاهريـن ضـدّهـا. 

لكـن دهـاء الحكـومة الغائـب عن مباغتـةِ الإرهـاب، كمُـنّ بمباغتـةِ محتجيهـا. عبـر انسحـابِ القناصيـنِّ وأفراد الفوج الرئاسـي، ليتسنـى للمتظاهريـن عبـور البـوابـةِ بكلِ بسـاطةٍ والسماح لهم بدخـول المنطقـة بكل أمانٍ وصـولًا إلى مقـر الأمانة العامـة لرئاسـة الوزراء (المعقـل الحكومي) حتى أمطـرت أسلحـة الحرس الخاص -الذي انتشـر بشكـلٍ مرعـبٍ وكثيـف- سـرادق المحتجيـن، والعمـل على تأديبهـم بالرصـاص الحـي وهـراواتِ الصاعـق الكهـربائـي. ليستشعـر الجميـع أنهـم في "فـخٍ لا مفـر للناجيـن منه". حتى باتت أبـواب المنطقـة الرئاسيـة لا تسـع حجـم وأعداد الهاربيـن، وبدلًا من رصـدِّ خلايا تنظيم داعش النائمة في العاصمة بغداد، رصـدّت أجهـزتنـا الاستخباراتيـة مستشفيات عاصمة الرشيد، التي استقبـلت جماهير من الجرحـى، لتبـدأ القـوات الأمنيـة باعتقـالِ كلّ جريـح، لكونِ جُـرحهِ وإصابتـهِ دلالـةً كشفيـة على أنه من المقتحميـن لعـريـنِ السلطة الأخضر.

اقرأ/ي أيضًا: 

مصر ونظرية شيخ العرب

1916 - 2016.. الضحية نفسها