رأي

في السياسة: المتهم مذنب قبل إثبات إدانته!

29 يناير 2022
73b3597cf0b8b80502e51cdde9820759.jpg
لا فائدةَ من الاستنكارات ونفي التهم (فيسبوك)
زيا وليد
زيا وليدكاتب وصحفي من العراق

ثمة فارق جوهري في الحدث الكبير كالجرائم والاغتيالات والاستهدافات وغيرها من الاعتداءات المختلفة لناحية تفسيرها وتبعاتها ونتائجها بين الميدان السياسي والميدان الجنائي البحت. في السياسة: لا يهم من هو الفاعل الحقيقي للجرم؛ بل من تشير له أصابع الاتهام.

في بلاد مثل العراق من الصعب التسليم بهوية المتهمين بالأحداث الكبيرة وخصوصًا الأمنية منها

بينما ينشغل المحققون الجنائيون في البحث عن أدلة تثبت أو تناقض ادعاءات المعنيين أو المتهمين أو المدعين، يكون الميدان السياسي قد حسم أمره وتحركت خارطته الداخلية استنادًا إلى من تشير له الأغلبية بالاتهام.

اقرأ/ي أيضًا: أربعة حروب شيعية لتثبيت الحكم.. ما هي الخامسة؟

في بلاد مثل العراق من الصعب التسليم بهوية المتهمين بالأحداث الكبيرة وخصوصًا الأمنية منها: القصف، الاغتيالات، التهديدات.. إلخ. ذلك على اعتبار العراق ساحةً مفتوحةً تتشابك فيها القوى الداخلية التي هي الدولة ومضادُها في الوقت ذاته، والتي تمتلك وسائل عُنف واستخبارات ونفوذ. إضافة إلى القوى الخارجية التي يسهل لها التواجد والعمل على أرض العراق في ظل فشل الدولة بإحكام قبضتها وإثبات فعاليتها بوصفها دولة، وبالمهام التي رُسمت لها منذ فجر التاريخ.

من هنا، تبدو نظرية المؤامرة كأساس تحليلي لاعتماد التفسيرات وتبني النتائج النهائية للحوادث الكبيرة طريقةً سطحية تودي بمتبنيها إلى الخلط وضياع البوصلة في فهم الأحداث. على سبيل المثال: تتجه أصابع الاتهام فورًا بعد كل عملية قصف بصواريخ الكاتيوشا والعبوات الناسفة والرمانات اليدوية التي تطال منشآت عسكرية ومدنية ومطار بغداد الدولي والسفارة الأمريكية ومقار الأحزاب السياسية فضلًا عن حالات الخطف والاغتيالات التي تطال ناشطين وصحفيين وسياسيين، تتجه إلى أحزاب وجماعات عسكرية بعينها، المقربة لإيران في الغالب.

وبالاستناد إلى قاعدة "البحث عن المستفيد" وكذلك نظرية المؤامرة يُمكن تبني ما تشير له أصابع الاتهام بفرضية "الضغط للحصول على مكاسب"؛ لكن يُمكن أيضًا – وهنا مربط الفرس – تبني فرضية وجود طرف آخر يساهم في صناعة الفوضى لتعزيز الفرقة بين جناحين، أو لتقريب حرب داخلية تصب في مصلحة هذا الطرف.

في الميدان الجنائي يُمكن تتبع الأدلة العينية والمعلومات الاستخباراتية وانتزاع الاعترافات بالطرق المختلفة لتعزيز إحدى الفرضيتين (أو غيرهما) وتحويلها إلى حقيقة قاطعة. أما في الميدان السياسي لناحية النتائج وتحديدًا في الحالة العراقية فلا أهمية جذرية لذلك، وإن كانت الأدلة قد تقلب الفرضيات. ولمثال خارجي: ماذا تعني نتائج التحقيق بعملية اغتيال رفيق الحريري على الصعيد الشعبي والإعلامي وبالتالي السياسي؟

جوهر الاختلاف بين الميدانين يكمن بوجود تغيّرات بنيوية تحدث في الميدان السياسي استنادًا إلى ما تشير له أصابع الاتهام. على سبيل المثال: اقتناع القاعدة الجماهيرية للفاعل المفترض، وكذلك قاعدة المُستَهدَف، بهوية الفاعل يتطلب تحركات ومواقف وتصريحات من القيادات والنخب تتناسب وهذه القناعة العامة، والقناعة هذه ترسم سياسات بعيدة المدى.

أما ما الذي يجعل المعلق والخبير والباحث والفاعل السياسي يتخذ رأي العامة ذاته أو عكسه بغض النظر عن النتائج السياسية للحدث الكبير التي ستظهر بكل الأحوال؟ - إنها مسألة أُخرى تتخذ جوانب عديدة يدخل فيها العامل السياسي والنفسي والاجتماعي والإعلامي ليشكّل مركّبًا يُساعد على تحديد مسار الباحث.

في حالة العراق والقصف الدوري حديثُ الساعة، يُمكننا طرح أسئلة معادلة لأسئلة البحث الجنائي كـ"البحث عن المستفيد" للاقتراب من النتيجة وتحديد هوية الفاعل: من يُمكنه أن يضرب بالصواريخ والعبوات الناسفة؟، هل يُمكن لطرف ثالث أن يقصف دون أن يُكشَف وسط التعدد الهائل بالأجهزة الأمنية المحلية؟

إن الكشف عن تورط طرف ثالث في عمليات القصف على فرضية "إيقاع الفتنة" سيعطي حجة مثالية لمن تشير لهم أصابع الاتهام لنفي التهمة عنهم، ليست الآنية فحسب، بل لعل الكشف عن عملية واحدة يجب ما قبلها من تهم امتدت لسنوات.

في الأيام الماضية، نشرت منصة إعلامية على مواقع التواصل الاجتماعي ذات تحريرٍ وتسويق مبتدئ تناصر الفصائل المسلحة خبرًا مستندًا إلى معلومات "استخباراتية" تفيد بوجود رئيس الحكومة القائد العام للقوات المسلحة على متن طائرة حطّت في قاعدة القيارة بمحافظة نينوى، وذلك قبل أربع ساعات من إعلان جهاز الدولة الإعلامي عن وصوله.

لا فائدةَ من الاستنكارات ونفي التهم حتى في ظل عجز أو امتناع الحكومة عن إظهار ما هو جنائي

وبالعودة إلى نقطة البداية: لا فائدةَ من الاستنكارات ونفي التهم حتى في ظل عجز أو امتناع الحكومة عن إظهار ما هو جنائي، فالتغيرات الفيزيائية في السياسة تأخذ وستأخذ مجراها، وعواقبها وخيمة على أية حال.

 

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

في العراق: بين السياسة و"النُكتة" شعرة واحدة

الإطار التنسيقيّ: فصائل المقاومة بريئة من هجوم المطار

الكلمات المفتاحية

الدولة.jpg

تناقضات التنظيمات السياسية العميقة والسعي لتكرار الفاجعة

عن "ظاهرة النائب المستقل الضعيف"


.

دائرة النخب السياسية المغلقة

عن "مناعة الفساد في العراق"


.

ترمب يؤسس "ترُويكا" ألشرق الأوسط

سيناريوهات حول القمة الأميركية الخليجية


.

بزشگيان.. "يلتسن إيران"

سيناريو إيراني شبيه بـ"تفكك الاتحاد السوفيتي"

الطريق الحولي للموصل انشاء طريق
اقتصاد

إطلاق المرحلة الثانية من الطريق الحولي للموصل والجسر السابع على دجلة

السوداني يؤكد أهمية الطرق

نوروز
منوعات

ملعب نوروز يجمع المباراة النهائية لبطولة كأس العراق بين دهوك وزاخو

ملعب نوروز في محافظةِ السليمانية سيحتضنُ المباراة يوم الجمعة


ثانوية كلية بغداد مدرسة مدارس
مجتمع

كل الشروط.. بدء التقديم الإلكتروني لمدارس المتميزين والمتفوقين وثانويات كلية بغداد

بدء التقديم الإلكتروني مدارس المتميزين وثانويات كلية بغداد ومدارس المتفوقين للعام الدراسي 2025 / 2026

ترامب يفرض رسومًا جمركية على العراق بنسبة 30 بالمئة.. رسالة إلى السوداني وحديث عن "العجز التجاري"
اقتصاد

ترامب يفرض رسومًا جمركية على العراق بنسبة 30 بالمئة.. رسالة إلى السوداني وحديث عن "العجز التجاري"

رسالة من الرئيس الأميركي إلى رئيس الحكومة العراقية

الأكثر قراءة

1
سياسة

الحرب على إيران.. العراق يرفع شكوى إلى مجلس الأمن ويتلقى تطمينات أميركية


2
مجتمع

تقارير برلمانية تؤشر ازدياد حالات التسمم الغذائي لمرتادي المطاعم وطالبي "الدلفري"


3
أخبار

حريق "هايبر ماركت" الكوت.. اعتقالات بحق مسؤولين وضباط ومطالبات بإقالة المحافظ


4
أخبار

الصدر يؤكد على مقاطعة الانتخابات: الميليشيات لم تحل.. والسلاح المنفلت ليس بيد الدولة


5
أخبار

طائرات مسيرة تسقط في كركوك وأربيل.. واحدة قرب الحشد وأخرى بمحيط المطار